أزهريون: حياة الإمام الشافعي تأسست على مبدأ «الدين المعاملة» وأعطى نموذجا للفضيلة والأخلاق
كان ذكيا في علوم الدين والدنيا
مشهد من مسلسل «رسالة الإمام»
أكد عدد من علماء الأزهر الشريف والدعاة أن الإمام الشافعى كان قدوة حسنة للجميع، وحياته تأسّست على مبدأ الدين المعاملة، مشيرين إلى الصفات الحميدة التى كان يمتلكها الإمام، وأبرزها الكرم والجود، وإيمانه الشديد بالقضاء والقدر فى الدنيا، وحُسن ظنه وثقته بالله عز وجل، فضلاً عن عدم سعيه طوال حياته للحصول على منصب أو سلطة.
وأشادوا بتسليط الضوء على الجانب الأخلاقى فى حياة الشافعى خلال حلقات مسلسل «رسالة الإمام»، الذى يجسّد فيه الفنان خالد النبوى شخصية الإمام الراحل.
قاسم: تأدب بأدب البادية وكان كريما شديد المروءة ومربيا من طراز رفيع
وقال الدكتور محمد قاسم، أستاذ أصول الدين بجامعة الأزهر الشريف، إن الإمام الشافعى حفظ القرآن صغيراً وتربّى على حب العلم واحترام العلماء، وعاشر قبيلة «هذيل» لأكثر من عشر سنوات وكانت أفصح العرب، فتعلم منها أصول اللغة، وفصيح الكلام، كما حفظ الأشعار العربية عندهم، وهو الأمر الذى ساعده بعد ذلك فى إقامة الحجة القوية من القرآن والسنة بشكل مُبسّط يفهمه عامة المسلمين.
وأضاف «قاسم» لـ«الوطن» أن الشافعى تأدّب بأدب البادية، وأخذ الكثير من الصفات الحميدة من النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، والتى أهّلته لأن يكون قدوة حسنة بين تلاميذه، ويصبح مربياً من طراز رفيع وعالى المستوى، إذ كان مولعاً بحب القرآن الكريم، وإذا قرأ القرآن بكى وأبكى سامعیه، لعذوبة وجمال صوته، فضلاً عن أنه كان كریماً ذا مروءة شديدة، ومن أقواله: «للمروءة أربعة أركان: حسن الخلق والسخاء والتواضع والنسك».
وأكد أستاذ أصول الدين أن من آداب الشافعى أنه كان يؤمن بالقضاء والقدر، ولا يعترض أبداً على شىء فى حياته، لأن الرضا بالقدر من أخلاقيات المسلم التربوية فى طاعة الله عز وجل، وكان يؤمن بأن على المؤمن أن يثق فى الله دائماً، ويكون مطمئناً على رزقه، لقوله فى أحد أبياته الشعرية: «دع الأیام تفعل ما تشاء - وطب نفساً إذا حكم القضاء. ولا تجزع لحادثة اللیالى - فما لحوادث الدنیا بقاء».
وأشار «قاسم» إلى أن من آداب الإمام وأخلاقه الفضيلة أنه كان يحرص على التسامح والعفو، ويحب التواضع وتهذيب النفس البشرية، كما كان كريماً للغاية، لما روى عن الربيع بن سليمان، أنه قال: «كان الشافعى راكباً حماراً فمر على سوق الحذائين، فسقط سوطه من يده، فوثب غلام من الحذائين فأخذ السوط ومسحه بكمه وناوله إياه، فقال الشافعى لغلامه: ادفع الدنانير التى معك إلى هذا الفتى».
وأوضح أستاذ أصول الدين أن الإمام كان زاهداً ومتواضعاً فى الدنيا، ولم يسعَ فى حياته قط إلى السلطة، وظهر ذلك على شخصيته من خلال معاملته الحسنة مع تلاميذه وطلابه، مستشهداً بموقف فى زهده، وهو قول عبدالله بن عبدالحكم للإمام للشافعى: «إن عزمت أن تسكن مصر فليكن لك قوت سنة، ومجلس من السلطان تتعزّز به»، ليرد الشافعى قائلاً: «يا أبا محمد، من لم تعزه التقوى فلا عز له، ولقد وُلدت بغزة، وربيت بالحجاز، وما عندنا قوت ليلة وما بتنا جياعاً».
وتابع: من أقوال الإمام الشافعى الشعرية التى لا تُنسى فى الزهد فى الحياة وعدم الخوف أو القلق من الرزق وحُسن الظن بالله هى: عليك بتقوى الله إن كنت غافلاً - يأتيك بالأرزاق من حيث لا تدرى- فكيف تخاف الفقر والله رازق - فقد رزق الطير والحوت فـى البحر.
مهنا: المسلسل يقدم القدوة الحسنة.. وأجاد تقديم الجانب الأخلاقي من خلال رصد معاملاته مع الناس
وقال الدكتور محمود مهنا، عضو هيئة كبار العلماء، إن الإمام الشافعى تتلمذ على يد الإمام مالك، وحفظ على يديه مئات الكتب، ومنها كتاب «الموطأ» فى سن العاشرة، حيث يُعتبر الموطأ من أفضل وأعظم الكتب الدينية التى تم تأليفها حتى ذلك الوقت، لأن الإمام مالكاً جمع فيه الأحاديث النبوية الشريفة المسندة، وهذا الأمر يؤكد ذكاء الإمام الشافعى، وقوة ذهنه غير الطبيعية، وأشاد بتسليط الضوء على أخلاقه ومعاملاته خلال مسلسل «رسالة الإمام»، قائلاً: «هذا أمر طيب ويقدّم القدوة الحسنة للنشء والشباب ونحن أحوج اليوم إلى نموذج الشافعى».
وأضاف عضو هيئة كبار العلماء أن الإمام كان يحرص على ذكر الله طوال اليوم، لأن فضل الذكر كبير جداً عند الله سبحانه وتعالى، كما أن الذكر لا يحتاج إلى وضوء أو استقبال قبلة أو غيره من الأمور التى لا تجوز الصلاة من غيرها، قائلاً: «الشافعى رحمة الله عليه قال: إذا انكشف الغطاء يوم القيامة عن ثواب أعمال البشر، لم يروا ثواباً أفضل من ذكر الله تعالى، فيتحسر عند ذلك أقوام، فيقولون: ما كان شىء أيسر علينا من الذكر».
وأوضح «مهنا» أنه عُرف عن الشافعى أنه كان ذكياً لدرجة كبيرة وظل حريصاً على تعلم علوم الدين والدُنيا طوال حياته، حيث إنه جمع بين فهم القرآن الكريم وضوابط قواعد السنة النبوية الشريفة، ومعرفة أحكام الناسخ والمنسوخ منها، فضلاً عن أنه كان يحث المسلمين على تعلم القرآن والسنة وعلم الحساب واللغة، وكان يقول لتلاميذه «من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن نظر فى الفقه نبل قدره، ومن نظر فى اللغة رق طبعه، ومن نظر فى الحساب جزل رأيه، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه».
وأشار عضو «كبار العلماء» إلى أن «الشافعى» كان متواضعاً مع كثرة علمه وتنوعه، وكان يحرص على قضاء يومه بالكامل فى طلب العلم والدليل على ذلك أن الربيع بن ثابت صديق الشافعى قال: «الإمام كان يجلس فى حلقته إذا صلى الصبح، فيجيئه أهل القرآن، فإذا طلعت الشمس قاموا وجاء أهل الحديث، فيسألونه تفسيره ومعانيه، فإذا ارتفعت الشمس قاموا فاستوت الحلقة للمذاكرة والنظر، فإذا ارتفع الضحى تفرقوا وجاء أهل العربية والعروض والنحو والشعر، فلا يزالون إلى قرب انتصاف النهار».