منزله بالإسكندرية.. صرح ثقافى تنويرى لتعليم النشء والكبار وذوى الهمم
منزل الزعيم الراحل تحول إلى مكتبة تستقبل الشباب والأطفال وتضم العديد من الكتب والصور الخاصة بـ«عبدالناصر»
مبنى صغير على غرار البيوت القديمة فى منطقة باكوس الشعبية شرق الإسكندرية، كان موطن نشأة الزعيم جمال عبدالناصر، قبل أن يغادر رفقة أسرته إلى القاهرة ليبقى هذا المنزل مهملاً لسنوات قبل أن تصل إليه يد التطوير عام 2016 ليتحول إلى مكتبة تحمل اسم والد الرئيس المصرى الراحل، إلى أن وصل إلى أحدث محطاته وأصبح مركزاً ثقافياً مهماً فى عروس البحر الأبيض المتوسط.
الأسرة سافرت إلى القاهرة وباعته لـ«عائلة الصاوى».. و«السادات» اشتراه وحوَّله إلى متحف لمقتنيات الزعيم
عقار قديم يحمل رقم 18 من شارع القنواتى، التابع لمنطقة باكوس، ويتكون من طابق واحد وفناء صغير كعادة البيوت فى هذه الآونة مطلع القرن الماضى، بدأت القصة حين عاش فيه الصبى جمال عبدالناصر طفولته فى المرحلة الابتدائية قبل أن يرحل رفقة أسرته إلى القاهرة واشترته بعد ذلك أسرة «عائلة الصاوى» قبل أن تمر السنوات ويقرر الرئيس الراحل محمد أنور السادات شراء المنزل وتحويله إلى متحف يضم مقتنيات سلفه الراحل.
سنوات مرت منذ شراء المنزل الذى كان مزاراً شهيراً لأهالى الإسكندرية قبل أن يصل إلى محطته الأهم منذ 7 سنوات وتحديداً عام 2016، حين تحول إلى مكتبة ترعى النشء.
«الشيخ»: تطويره بدأ عام 2016 طبقاً لاستراتيجية «الثقافة» فى تنفيذ رؤية «مصر 2030» وتحقيق العدالة الثقافية
تتكون المكتبة من دور واحد به بوابة خارجية ثم بوابة داخلية، تؤدى إلى 4 غرف تحوى داخله مكتبة للأطفال من سن 7 إلى 14 سنة، ومكتبة لمن هم أكبر من هذه الفئة العمرية، بالإضافة إلى الغرفة السمعية البصرية التى يوجد بها عدد من الحاسبات الآلية، فيما تضم المكتبة 3700 كتاب، حسب مى الشيخ، المشرف العام على مركز جمال عبدالناصر الثقافى.
وأضافت «الشيخ»، لـ«الوطن»، أن المكتبة تم افتتاحها عام 2016، فى عهد وزير الثقافة الأسبق حلمى النمنم، وأصبحت تستقبل شباب وأطفال المنطقة، وتضم العديد من الكتب والصور الخاصة بالزعيم الراحل داخل المجلدات والكتب.
المكتبة تضم مسرحاً خارجياً فى الفناء يسع 150 فرداً وكتباً عن تاريخ مصر وكفاح الشعب المصرى وإصدارات لكبار المفكرين
وأشارت إلى أن المركز مساحته 160 متراً، تحول لمكتبة ثقافية، مع وجود مسرح خارجى فى الفناء يسع 150 فرداً، وتضم عدداً من الكتب التى تتحدث عن تاريخ مصر وكفاح الشعب المصرى وثورة 1952، وعن الزعيم، وتم تزويد القاعة بالوسائط المتعددة والأفلام التسجيلية عن الحقبة الناصرية.
وأكدت أن ثورة يوليو أم الثورات العربية التى أعطت الشعوب الأمل فى الحصول على الحرية والعدالة الاجتماعية كما يقول الرئيس عبدالفتاح السيسى «إنها أحد أهم أيام مجدنا وأحد أبرز محطات عزتنا».
وأوضحت أن من حظها الجميل أنه تم تكليفها بالإدارة والإشراف على مركز جمال عبدالناصر منذ عام، تزامناً مع الاحتفالات بثورة يوليو، وهو الذى واكب التحول الذى حدث للمكان بعد أن كان مكتبة للقراءة والمطالعة تخدم أهالى المنطقة أطفالاً وكباراً، إلا أنه أصبح مركزاً ثقافياً يقدم الخدمات المختلفة لأهالى المنطقة والمناطق المجاورة، ثم امتد لتقديم الخدمات الثقافية لأبناء الإسكندرية جميعاً.
وقالت إن هذا يعد تطبيقاً لاستراتيجية وزارة الثقافة فى تنفيذ رؤية «مصر 2030» وتحقيق العدالة الثقافية، وانطلاقاً من أن الهدف العام لصندوق التنمية الثقافية، برئاسة الدكتور وليد قانوش، هو تنمية ثقافية شاملة قائمة على دعم الفنون والثقافة والآداب والارتقاء بها ونشرها على مستوى قطاعات مجتمعية عريضة واستخدامها كقوى ناعمة فى عملية التنمية المجتمعية لخلق أجيال قادرة ومؤثرة وفعالة.
وأوضحت أن مركز عبدالناصر الثقافى يعتمد فى نشاطه على هدفين؛ أولهما تنويع الأنشطة فى مختلف المناحى الثقافية والفنية، بما يلبى حاجات جميع الشرائح الاجتماعية داخل وخارج المنطقة، وثانيهما رعاية وتنمية المواهب الواعدة فى فروع الثقافة والآداب والفنون التى يرعاها المركز.
وتابعت: «يقدم المركز العديد من الأنشطة والبرامج الثقافية والفنية التى من خلالها نتمكن من بناء قدرات المستفيدين وتعزيز العديد من القيم وترسيخها داخلهم، إلى جانب الاهتمام بتنمية المواهب وروح الإبداع من خلال ورش الفنون المتعددة مثل المسرح والحكى والموسيقى والتدريبات، وما إلى ذلك من أنشطة إبداعية مختلفة، إلى جانب أنشطة تعزز الجانب التنموى الذى هو شق أساسى ومؤثر فى العملية الإبداعية، وأنشطة المحافظة على التراث وجلسات التخاطب وتعديل السلوك وأنشطة ترفيهية لأصحاب الهمم التى تشرف عليها ولاء العتوى، إخصائية التخاطب وتعديل السلوك».
وواصلت: «نشاط القراءة والمطالعة يأتى من خلال المكتبة الزاخرة بعدد من الكتب فى مجالات السياسة والتاريخ المصرى المعاصر والفنون وعدد من المجالات الأدبية، إلى جانب مكتبة الطفل، وهى تخدم عمليات المعرفة والبحوث الأكاديمية».
وأشارت إلى وجود ورش الفنون التشكيلية و«الهاندكرافت» والرسم والتلوين وورشة تصميم وتنفيذ عروسة خيال ظل، مؤكدة أن هذه الورشة يتميز بها المركز كونه المكان الوحيد فى الإسكندرية الذى نفذها، بالإضافة إلى ورش الكتابة للأطفال مثل «مدينة الحواديت» وورشة تصميم وتنفيذ مجلة، علاوة على ورشة مسرح الطفل التى من خلالها يتعرف الطفل على أساسيات التمثيل والارتجال والحكى والوقوف على خشبة المسرح، وهذه الورشة يشرف عليها مؤسسو نشاط المسرح بالمركز والذين بدأوا نشاطهم بورشة «مطلوب ممثل»، ومن هنا كانت بداية النشاط الموجه للكبار، مؤكدة استمرارهم بتقديم عدد من الورش للكبار فى الإخراج والتمثيل وإدارة خشبة المسرح والكتابة والإخراج، ونتيجة لذلك تمكنوا من تقديم عرض مسرحى شهرياً.
وأكدت أن أغلب الأنشطة بالمركز مقدمة من متخصصين وحاصلين على درجة الدكتوراه فى المجال التربوى ومجال ثقافة الطفل مثل ورشة «أجمل ما قرأت» التى تقدمها الدكتورة سامية صادق، ومن خلالها يقرأ كل طفل قصة ويعرضون ما تم قراءته لتبادل الاستفادة بينهم، والدكتورة جيهان مصطفى التى بدأت نشاطها الذى تقدمه فى المركز من خلال حوارات «بلدى الجميلة»، التى من خلالها يتعرف الأطفال واليافعون على دول وادى النيل بحقبها وحضاراتها المختلفة، وتطرقت إلى الشخصيات المهمة التى أثرت فى هذه الحضارات، وبدأت حالياً فى نشاط تفكر، وهو عبارة عن حوارات ثقافية وأنشطة مهارية متنوعة.
وقالت إن ورشة «القائد الصغير»، المقدمة من قبَل الدكتور أحمد قاسم، يعرف من خلالها اليافعون والشباب الصغير كيفية أن يصبح كل منهم قائداً ناجحاً وملهماً فى المجتمع، من خلال التعرف على عدة مهارات مثل إدارة الوقت والقيادة والعمل ضمن فريق وكيفية اتخاذ القرار وعمل خطة.
ونوهت بأن ورشة «حكايات وسلوكيات»، التى تقدمها أسماء مصطفى، يتم من خلالها تعليم الأطفال السلوكيات السليمة، ومن ضمن أنشطة الكبار فى المركز توجد لقاءات «البيت» الشهرية، وهى نتيجة لجلسات مجموعة من الفاعلين المهمين والمؤثرين فى الحقل الثقافى السكندرى مثل ميسرة صلاح الدين، كاتب مسرحى ومترجم وشاعر، وهبة يونس النيل، كاتبة حرة، شاعرة، قاصَة ومدونة، ومترجمة، وأحمد عبدالموجود الشيخ، شاعر يكتب بالعامية المصرية، وريم أبوالفضل، كاتبة وقاصة وناقدة أدبية، وهو لقاء شهرى متنوع يناقش العديد من القضايا والموضوعات المطروحة على الساحات الفنية والأدبية والاجتماعية.
ولفتت إلى وجود الحفلات المقدمة سواء الحفلة الشهرية لفرقة «ومضة» لخيال الظل والأراجوز، أو حفلات الموسيقى العربية، بجانب وجود ورش تكنولوجيا المعلومات والحاسب الآلى وورشة الموزاييك، بالإضافة إلى ورشة الفنون الشعبية، ناهيك عن تفعيل بروتوكول تعاون بين وزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم من خلال المركز وإدارة شرق التعليمية، وكانت هناك زيارة للمدارس المحيطة بالمركز لتعريفهم بالأنشطة المقدمة.
واختتمت: «إحنا كأسرة عمل مركز جمال عبدالناصر الثقافى فخورين جداً بالتأثير اللى خلقه المركز فى رواده «كبار أو صغار» وبشكل أو بآخر مبسوطين إن عندهم شعور حقيقى بالانتماء للمركز، وعندهم حب حقيقى للمكان، وهذه الفعاليات الثقافية أثرت فى نفوس المواطنين وربطتهم بالمكان وما يحمله من ذكريات».
وقال أيمن خالد، أحد رواد المركز، إن المركز ربط فى ذهن الأطفال قيمة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، ما يعنى غرساً ثقافياً فى أذهانهم بقيمة واحد من مؤسسى مصر الحديثة وأحد أهم زعمائها.
وطالب إبراهيم فرحات، 76 سنة، أحد سكان للمنطقة، بضرورة تغيير اسم الشارع من «القنواتى» إلى «زعيم الأمة» نسبة للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وتخليداً لذكراه، لأنه الشارع الذى ولد وتربى به الرئيس الراحل.