رامى المتولي يكتب: «الحشاشين».. فن إثارة الجدل والتساؤلات
رامى المتولى
مع انطلاق الحلقات الأولى لمسلسل «الحشاشين» أثار جدلاً كبيراً حوله، والسبب يرجع لعدة عوامل مثيرة للجدل بطبيعتها، على رأسها الإشكالية الكبرى حول مفهوم العمل الفنى التاريخى.. هل يلتزم صُناعه بالحقائق التاريخية بدقة أم يطلق صُناعه العنان لخيالهم؟ هذه الإشكالية حُسمت فى الغرب، لكنها ما زالت محل جدل فى الشرق، ففى الغرب يملك الصانع مطلق الحرية فى تغيير الأحداث دون أى التزام بسياق تأريخى أو وجهات نظر أو حتى محاولات التصويب السياسى المنتشرة حالياً وتؤثر على الأعمال الفنية بشكل واضح، لكن فى الشرق الأمر مختلف أى محاولة للخروج عن الصورة الذهنية للشخصيات التاريخية والمؤثرة تحت مظلة الخيال فى عمل روائى مصوَّر تواجَه بمحاولات صد قوية، أولاً تحت دعوى عدم الالتزام بالسياق التأريخى وأن الأجيال الحديثة لا تقرأ ولا مصادر معرفية لها سوى الأفلام والمسلسلات التاريخية وبالتالى صُناع هذه الأعمال يشوهون التاريخ ويثبتون معلومات خاطئة!
الحقيقة أن الخيال وحرية مناقشة الأفكار والآثار المترتبة على شخصية أو حدث تاريخى هى حق أصيل للمبدعين فى مجال صناعة الترفيه فى السينما والتليفزيون، وأن المعلومات لا تُستقى من أعمال خيالية، بل إن دورها هو حث الجمهور على الاشتباك معها والتفاعل بالبحث عن أصول وجذور الموضوع المثار وفهم المقاصد وراء إثارته بهذا الشكل، على أن تظل مصادر المعلومات كما هى الكتب والأعمال الوثائقية وكافة المصادر الأخرى الموثقة والمؤكد دقتها، على العكس تخطى المبدعون فى الغرب هذه الإشكالية لدرجة بناء سيناريوهات أفلامهم على معلومات تاريخية خاطئة كنوع من أنواع السخرية ورفض ما تمثله شخصيات وجمعيات بعينها، كما يفعل المخرج الأمريكى كوينتن تارنتينو فى أفلامه، التى تضمنت النجاح فى اغتيال هتلر فى دار عرض سينمائى باستغلال سرعة اشتعال شرائط الأفلام المصنوعة من نترات الفضة، وقضى على الجماعة العنصرية المتطرفة «كلو كلوكس كلان» فى فيلم آخر قبل نشأتها تاريخياً.
ويأتى أيضاً تحت مظلة الدقة التاريخية عنصر آخر مؤثر هو الصورة الذهنية للعمل التأريخى فى الوعى الجمعى للجمهور، حيث ارتبطت هذه النوعية مع الجمهور بوجوب نطقها باللغة العربية البيضاء، وهى إحدى لهجات اللغة العربية المفهومة بسهولة فى المنطقة بشقيها فى الشمال الأفريقى والشرق الأوسط، مما نمَّى عند البعض قناعة أن هذه اللهجة المستخدمة لأغراض تسويقية حديثة كونها حيادية ولا عوائق فى فهمها هى اللغة العربية الصحيحة كما كانت تنطق فى العصور التاريخية القديمة على اختلافها، وهو الشىء غير الصحيح إطلاقاً واستغرق الأمر قروناً من الزمان ليتحول المصريون إلى اعتماد اللغة العربية فى المناحى الرسمية ودخول مفرداتها إلى حياة المصريين اليومية وضمِّها إلى لغة التداول فيما بينهم فى المناحى العامة.
مساحة الخيال التى يملكها مؤلف العمل عبدالرحيم كمال كحق إبداعى أصيل منحته الحرية ليضفى على شخصية حسن الصباح (كريم عبدالعزيز) الكثير من التفاصيل التى لا يمكن إثباتها، منحها كرامات كولى من أولياء الله، استغلها ليضيف إلى رسم الشخصية فى السيناريو الكثير من التفاصيل التى تدعم ثراءها وجاذبيتها، إضافة إلى ذلك اهتمامه الشديد بحبكة الأصدقاء الثلاثة الحالمين بحكم العالم والتى سبق أن قدّمها فى مسلسل «القاهرة- كابول» وردها إلى الأصل فى «الحشاشين» وهم حسن الصباح شيخ القلعة والطوسى نظام الملك وعمر الخيام الشاعر والفيلسوف.
هذه الصورة للشخصية التى رسم حدودها عبدالرحيم كمال فى سيناريو «الحشاشين» كما تظهر فى الحلقات الأولى من المسلسل تُحسن من صورة حسن الصباح كمدافع عن الحق الذى يراه، وهى الصورة التى يراه بها الشيعة الإسماعيلية المنتشرين فى الكثير من دول العالم حالياً، فيما يراه عدد أكبر إرهابياً استخدم ذكاءه فى قيادة ميليشيا مسئولة عن الاغتيالات السياسية وهدد وجود دولتين مستقرتين من أكبر الدول فى زمنه وهما الدولة الفاطمية والدولة السلجوقية، ومن هنا تأتى أهمية حسن الصباح وأيضاً أهمية التصدى لشخصيته فى عمل فنى هدفه إثارة الجدل والنقاش المجتمعى حوله، لأن هذه النوعية من النقاشات ستذهب بكل تأكيد إلى الربط بين الماضى والحاضر فى النهاية، ليتحقق الهدف من العمل الفنى وهو إثارة التساؤلات والتفكير.