د. أحمد محسن قاسم يكتب: التحالف الوطني وتعظيم الجهود المشتركة لخدمة المواطن
د. أحمد محسن قاسم
استراتيجيا، أبرزت تجربة الدولة المصرية في 2011 الدور الذي قد يلعبه المجتمع المدني ومنظماته خروجا عن دوره في التنمية والنمو، بتحقيق عدم الاستقرار وإفشال الدول ودعم الانحرافات المجتمعية، كآلية تشكيل واقع سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي في ظاهرها التنمية والبناء وفي مضمونها الهدم، بعد تحليل لاحتياجات المجتمعات ودفعها نحو المستهدف، إما بعدم مراعاة مبادئ الأولويات أو بصناعة الالتباس حول مفاهيم التنمية.
انطلاقا من ذلك البعد الاستراتيجي، ظهرت الحاجة لضرورة تدخل الدولة لوضع آليات لضبط مسارات أنشطة المجتمع المدني لجني ثماره وآثاره الإيجابية، وتجنب مخاطره لصالح المجتمع والدولة، وما يمثله المجتمع المدني كلاعب أساسي في تحقيق التنمية والتماسك المجتمعي وكساحة تتسع لاستيعاب الطاقات خاصة الطاقات الشبابية والأعمال الخيرية التي تنطلق من قواعد دينية، والتي كانت المساحة التي توغلت بها جماعة الإخوان – وما على شاكلتها من جماعات متطرفة- في ربوع مصر واستطاعت من خلالها استقطاب ونشر أفكارها المتطرفة المعادية لفكرة الدولة وإعادة تشكيل هوية المواطنين بالمناطق والأقاليم البعيدة والتي تغيب عنها خدمات الدولة وشكلها المؤسسي.
الأمر الذي ينتقل بالفكرة إلى البعد السياسي للعمل التنموي، فإنّ غياب الوعي السياسي وضعف الاهتمام بالشأن العام، يجعل من الخدمات المجتمعية وتلبية الاحتياجات الأساسية العنصر الحاسم في العمل العام في مصر، لدرجة اقتصار نشاط أحزاب سياسية على تقديم خدمات مجتمعية كأداة للتأثير في المجتمعات في ازدواج وتداخل للأدوار بين الأحزاب والجمعيات والمؤسسات التنموية بما يجعل ثلاثية منظمات المجتمع المدني في مصر «الأحزاب - الجمعيات - النقابات» أقل تماسكا وتكاملا في الأدوار لصالح قوى الدولة الشاملة.
إن تأسيس كيان جامع ومُخطط وموحد للجهود وللعمل التنموي ليس جديدا على التنظيم المؤسسي للعمل الأهلي في مصر، فقد عرفته التجارب المتعاقبة لتنظيم العمل الأهلي في مصر من خلال كيانات مثل الاتحادات الإقليمية والاتحادات النوعية والاتحاد العام في التنظيم المؤسسي لذلك النشاط، ولكن التجارب أثبتت عدم قدرة تلك الكيانات بتنظيمها البيروقراطي على مواكبة تعاظم دور العمل التنموى وتطوراته السريعة وتأثيراته، من هنا ظهرت الحاجة لكيان مستقل على غرار المجالس المستقلة يتخطى المساحات الضيقة التي تفرضها مظلة وزارة واحدة، فلضرورة كل تلك العوامل كان التحالف الوطني للعمل التنموي.
جاء التحالف وفق قانون تأسيسه، مستهدفا تعميق مفهوم التطوع في العمل الأهلي وتنمية المجتمع وتعبئة الجهود الفردية والجماعية لإحداث مزيد من التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتعاون مع أجهزة الدول في ذلك، برعاية رئيس الجمهورية وعنايته، من خلال إقامة المشروعات الخدمية والتنموية على المستوى القومي، وكذلك دعم تنفيذ أعمال المبادرات التنموية والأجتماعية وعقد المؤتمرات وورش العمل وعرس ثقافة العمل التطوعي.
وفي تقديرنا -بناء على التجارب الشخصية والبحث الأكاديمي- فإنّ أهم ما جاء به قانون إنشاء وتأسيس التحالف، هو جواز أن يضم التحالف أشخاصا اعتبارية خاصة التي من بين أغراضها المساهمة في تنمية القيم الإنسانية والمجتمعية بعد موافقتها، ما يفتح الباب للتحالف إلى الدخول وإقتحام ساحة (المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص) التي تعتبر قاطرة للتنمية لم يمهد لها الطريق لاستفادة الدولة المصرية منه، وذلك بدعم وغطاء من الدستور المصري 2014، حيث تعاني تلك المنظومة في مصر من أزمة مفهوم انعكست على التشريعات، والتي انعكست بدورها على التطبيق والممارسة التي ما زالت ممارسة فردية تستهدف الدعاية والترويج أو خدمة أهداف سياسية أنحصر فيها مفهوم القطاع الخاص على الشركات الكبرى فقط على الرغم من اتساعه للكيانات الاعتبارية من الشركات العابرة للحدود العاملة في مصر حتى الأكشاك والمتاجر في أزقة وشوارع الدولة المصرية.
ولكون كيان التحالف الوطني للعمل الأهلي هو اللاعب الأقوى بدعم وعناية ورعاية القيادة السياسية، فإنّه القادر على تمثيل الدولة في تنفيذ التزامها الدستوري بتحفيز القطاع الخاص على أداء مسئوليته الاجتماعية لصالح الدولة والاقتصاد والمجتمع بدءا من تصحيح المفهوم التشريعي له وشكل ممارسته المنحصر في التبرع غير المستدام وتحويله إلى الاستثمار المستدام الذي يعود أثره على ثلاثية «القطاع الخاص – الدولة – المجتمع» اقتداءا بالتجارب الدولية في هذا الشأن، بذات فلسفة عمل التحالف الوطني في تنظيم وتوحيد جهود العمل التنموي الأهلي، خاصة مع امتيازات التحالف في مراجعة الأثر التشريعي لقانون إنشاؤه وقدرته على تطوير آلياته ورؤاه بدعم القيادة السياسية.