«العسال».. عرف بتجارة المخدرات ويرفض الاتهام بالبلطجة
تجمع سكنى ذو طابع خاص، يتجاوز عمره مئات السنين، يضم بنايات قديمة عشوائية النشأة، محدودة الارتفاع، تطل على ممرات ضيقة، تزيد من ضيق الممر عتبات أسمنتية وبلكونات خشبية ممتدة أمام كل بيت يهبط سكانه درجتى سلم للدخول إلى مساكنهم لارتفاع مستوى الشارع عنها، البيوت الراقدة داخل رحم منطقة العسال بحى شبرا تتشارك معاً فى جدرانها المتهالكة، وأسقفها المعروشة بالعروق الخشبية والسدائب إلا قليلاً منها مسقوف بالخرسانة المسلحة.
محل صغير، كان إحدى غرف بيتها ثلاثية العدد، اقتطعتها أم أحمد من مسكنها، لتقتات منه ويصبح مصدر دخل الأسرة الوحيد، تجلس السيدة الخمسينية على بابه، يأتيها زبائنها من أهالى المنطقة لشراء احتياجاتهم التى تتنوع ما بين أكياس الملح وبعض الأنواع من البسكوتات وغيرها من المواد الغذائية ذات الأسعار البسيطة، تمد السيدة الطاعنة فى السن قبضة يدها اليمنى لتقبض جنيهات معدنية من المشترى، لتومئ برأسها أو سبابتها إلى ما يريده صاحب الجنيهات القليلة، وأحياناً أخرى تلجأ إلى النهوض من جلستها بصعوبة بالغة بسبب جسدها الممتلئ لاستكمال عملية البيع.
«إحنا مش بلطجية»، كلمات ممهورة بتوقيع أهالى منطقة العسال لتبرئة أنفسهم من الاتهام بالبلطجة فى أحداث العنف الأخيرة التى شهدتها شبرا، كتبت على لافتة سوداء بلون الليل الأكثر سواداً على منطقة العسال التى فقدت أحد شبابها ويدعى «سعد درة»، وهو ذو 15 عاماً على يد ابن مؤسس حركة «حازمون» جمال صابر، الذى طعنه فأرداه قتيلاً على أثر الخلاف الذى نشب بينهما أثناء مباراة كرة قدم، ليتصاعد بعدها الخلاف إلى الاشتباكات بالأسلحة النارية بين مؤسس «حازمون» وبعض أنصاره من جهة وأهالى العسال من جهة أخرى.
تدور ذكريات أربعين عاماً هى عمر إقامتها بمنطقة العسال، التى تقاسمت سنوات عمرها الـ 57 مع منطقة العطار بشبرا مصر التى شهدت مولدها ونشأتها، بينما انتقلت إلى منزل الزوجية القابع بمنطقة العسال لتقضى فيها العدد الأكبر من سنوات عمرها، بكلمات ممزوجة بالحسرة والألم، تحكى أم أحمد «طول عمر العسال فيها فتوات، لكن كانوا زمان رجالة ومحترمين مش زى دلوقتى، يعنى ممكن يكون الواحد يبيع حشيش ومجرم، لكن لو بنت منطقته اتعكست ممكن يموت مقابل أن يدافع عنها».
مشكلة «العسال» من وجهة نظر صاحبة المحل، فى شبابها الضائع كما تصفهم، موضحة أن السبب فى ضياعهم هو البطالة التى يعانى منها معظم أبناء المنطقة، وتعاطيهم «البرشام» وغيره من أنواع المخدرات، وينعكس ذلك على سلوكهم داخل الحارة وعدم احترام هؤلاء الشباب الذين تربوا فى المنطقة لبناتها ونسائها «دلوقتى الشباب بيعكسوا البنات وهما عارفين إنهم من جيرانهم، على عكس زمان كان الشباب بيحموا بنات المنطقة، وتصمت السيدة لبرهة، لتعاود الحديث من جديد بقولها: «حتى اللى كويس فيهم زى سعد بيموت» فى إشارة إلى الشاب الذى سقط قتيلاً على يد ابن مؤسس حركة «حازمون» فى اشتباكات شبرا الأخيرة.
«المكان هو نفس المكان»، هكذا ترى سيدة «العسال» أن المكان لم يتغير ولكن الناس هى التى تغيرت، ترى أن الحياة داخل منطقة العسال زمان كانت جميلة وكان القوى فيها يحمى الضعيف، بينما الآن لا يوجد شىء جميل فى المكان، على حد تعبيرها «الأخ يأكل أخاه والقوى يضرب الضعيف»، وأصبحت المنطقة تحدث بها كوارث يومية، منها حوادث الاغتصاب والاعتداء على البنات التى تتكرر فى المنطقة من أقرب الناس إليها.
تضيف أم أحمد أن الدنيا لم يعد فيها خير، العشرة جنيهات كانت «بتمشى البيت فى الأسبوع، أصبحت الآن لا تكفى وجبة الغداء، الدنيا لم يعد فيها بركة».
تسترسل صاحبة المحل مقارنتها بين «العسال» فى الماضى والحاضر، حتى نساء المنطقة لم يعدن كما كنّ فى الماضى، حيث كانت المرأة «تعيش مع زوجها على الحلوة والمرة، على عكس «زوجات الأيام دى، الواحدة منهم تمص دم زوجها علشان يصرف عليها رغم أنها عارفة ظروفه»، لكنها لا تراعى دخله القليل وتطلب منه العمل فى أكثر من مهنة وإذا مرض أو أصيب تتركه وتبحث عن غيره.
أم أحمد لديها 8 من البنين والبنات، تمكنت رغم ظروفها الصعبة من تحمل مصروفات من استطاع منهم الاستمرار فى التعليم، وتخرج أحدهم من كلية الحقوق ويعمل محامياً، وآخر يعمل سائقاً بعد حصوله على مؤهل متوسط، بينما الباقى لم يستكمل تعليمه، انتقل ثلاثة منهم للإقامة خارج منطقة العسال بعد زواجهم، بسبب ضيق المكان، فمن يتزوج من أبناء المنطقة يبحث عن شقة خارج شبرا، بينما لايزال خمسة من أبنائها يقبعون معها فى نفس البيت، الذى يتكون من طابقين وكل طابق غرفتين وصالة.
وكل ما تتمناه السيدة العجوز أن يصلح الله حال «ابنها اللى بيبرشم وحال شباب المنطقة كلهم» التى ترى أنهم يفسدون بعضهم بعضاً ببيع وتعاطى المخدرات والبرشام، قائلة: «عيال عمرها 10 سنوات تشترى منى 3 سجائر بـ50 قرش»، وتختم كلامها بطلب الستر من الله.
أخبار متعلقة:
لما تلاقى المسلم جوا الكنيسة.. «يبقى أنت أكيد فى شبرا»
حكايات المبانى الأوروبية التى تحولت لمدارس ومستشفيات
"شبرا" العمومي.. من حدائق للتنزه إلى أسواق تجارية
الفاترينات تمليك.. والباعة "جامعيون".. هنا ممر " الراعى الصالح"
أبراج «أغاخان» والكورنيش .. للرقى وجوه كثيرة
سينما مودرن.. الأثر المنسى من مكان لخطب عبدالناصر إلى عرض «عبده موتة»
جامع الخازندار.. قبلة الثوار والوحدة الوطنية
"روض الفرج" من سوق "الفتوة" إلى قصر ثقافة
دوران شبرا .. من هنا خرجت «جمعة الغضب»
المشاهير .. "شبراوية" أباً عن جد