العميد عباس حافظ آخر زملاء عبدالناصر فى حديثه لـ«الوطن»: «البنا» لم يكن مؤهلاً لقيادة تنظيم بحجم الإخوان
أكد العميد الدكتور عباس حافظ، آخر زملاء الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى «المدرسة الحربية»، أن المصريين الآن باتوا يتحدثون فى السياسة دون أن يفهموا حتى معناها، وأنه يحترم اختيار الشعب الذى أتى بالدكتور محمد مرسى رئيساً للبلاد.[Quote_1]
«عباس» الذى يبلغ من العمر 96 سنة، ما زال يذكر بداية تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، واللقاءات التى كان يعقدها حسن البنا، وقال فى حواره مع «الوطن» إن عبدالناصر لم يحبس الإخوان إلا بعد أن حاولوا قتله يوم تأميم قناة السويس فى المنشية، وأن البنا، لم يكن مناسباً لقيادة تنظيم بحجم «الجماعة».. حول أسباب كراهية الإخوان للحقبة الناصرية، وأوجه الشبه والتلاقى بين ثورتى يوليو 1952، و25 يناير، وذكرياته مع عبدالناصر كان الحوار التالى:
* بداية.. كيف ترى فوز الدكتور محمد مرسى مرشح جماعة الإخوان برئاسة الجمهورية؟
- هذا اختيار الشعب، وأنا أحترمه، والدكتور مرسى يحاول الآن فتح صفحة جديدة مع الشعب، ولكن توجد مشكلة كبيرة تعانى مصر منها حالياً، وهى أن كثيرا من المصريين يتحدثون فى السياسة دون أن يعلموا معناها، خصوصاً أنها ليست علماً واحداً، وإنما مجموعة من العلوم الإنسانية والصناعية والتجارية، إضافة إلى التاريخ وتجاربه، إنها ترتبط بكل ما يعود على الإنسان بالنفع.
* هل ستسمح المؤسسة العسكرية بسيطرة الإخوان على مقاليد الحكم كاملة أم ستنقلب عليهم؟
- الجيش المصرى مؤسسة وطنية، غير طامعة فى السلطة، وأوفت بوعدها بنقل السلطة بشكل سلمى، وقادتها قدموا لمصر الكثير خلال السنوات الماضية.[Image_2]
* تطرق مرسى فى خطابه بميدان التحرير إلى فترة الستينات، فى إشارة إلى فترة حكم جمال عبدالناصر.. فى رأيك لماذا يكره الإخوان «جمال»؟
- الإخوان تشكيل كان على رأسه حسن البنا، وهو لا يصلح لذلك، وعبدالناصر لم يحبسهم إلا بعد أن حاولوا قتله، فى المنشية، يوم تأميم قناة السويس، وهم الذين قتلوا أحمد ماهر، رغم مواقفه ضد الإنجليز وسياساتهم، وأرى أن الإنجليز أرادوا قتل الرموز الوطنية على يد جماعة الإخوان المسلمين. و«جمال» لم يكن ضد فكرة المشروع الإسلامى، وأتذكر أننا كنا نلتقى رائدا بالجيش يحدثنا عن الإسلام فى تجمعات محدودة، وكان يتحدث عن الإخوان، وأخبرنا بأن حسن البنا يعقد اجتماعاً كل ثلاثاء فى ميدان الحلمية، ودعانى وعبدالناصر لحضوره، وذهبنا إليه بالفعل فوجدناه رجلاً طيباً، لكن عمقه الإنسانى والإدراكى لا يؤهله لقيادة مجموعة بهذا الحجم، فمحاضرته كان يلقيها من ورقة، يتلعثم فى قراءتها، ما يدل على أنه ليس صاحب المحاضرة، كما كان البنا يمد يده إلى الناس لتقبلها، وهنا قررنا عدم حضور لقاءاته، خصوصاً بعدما تردد أن الإنجليز هم من يدعمون البنا، وينفقون عليه حتى يحدثوا «فتنة» بين المسلمين والمسيحيين فى مصر، قبل حرب فلسطين عام 1948، وكان الجيش المصرى يدرب مجموعة من الفلسطينيين فى غزة على مواجهة اليهود، وكتبت جريدة الإخوان، وقتها، إنهم والجيش يدربون الفلسطينيين على القتال، وأشاعوا أننا «إخوان مسلمين»، لذلك عندما فررت من الأسر «عام 48» فى تل أبيب، جاء البنا إلى بيتى فى القاهرة ليهنئنى، معتبراً أننى عضو فى الجماعة، لكنى لم أسمح له بالدخول، لرفضى الجماعة ومشروعها.
* كيف تعرفت على جمال عبدالناصر؟
- الزعيم الراحل عبدالناصر كان زميلى فى المدرسة الحربية، وكنت أكبر منه بسنتين، وهو هادئ الطباع، قليل الكلام، مثقف، لا يفارقه الكتاب، وتشع الوطنية من عينيه، كما كان ذكياً جداً، وأنا أعرفه منذ كان تلميذاً فى الثانوية، وأعرف كل ما تعرض له من مصاعب وفقر فى طفولته البائسة، فبعد أن ماتت أمه تزوج أبوه من سيدة قست عليه وكانت لا تطعمه إلا «مش وحادق» وعندما أكل الأرز والفاصوليا فى إحدى المناسبات كان عيداً بالنسبة له، وقد تزاملنا فى التدريس بالكلية الحربية، فى منتصف الأربعينات من القرن الماضى، وظلت علاقتى به قوية قبل ثورة يوليو 52، وبعدها، وكان يصافحنى بحرارة شديدة عندما يقابلنى، ويقول: «ازيك يا عبس وإزى وسام ووائل» وكنت أبادله التحية بالمثل، وهو الوحيد الذى استمع لى بعد فرارى من الأسر فى حرب 48. وأود أن أؤكد أن عبدالناصر كان الرأس المدبر لثورة يوليو، بينما كان اللواء محمد نجيب رئيساً شكلياً للضباط الأحرار.
* ولكن البعض يتهم عبدالناصر بأنه أرسى قواعد الديكتاتورية بعد توليه الرئاسة؟
- كان أول أهداف الثورة محاربة الفقر والفساد، ولم تكن الديمقراطية هدفاً فى حد ذاتها، لأن خبرة عبدالناصر السياسية لا تؤهله للقيام بذلك، ومصر فى ذلك الوقت لم تكن تحتمل قيام الأحزاب، وكان الهدف الأهم هو الأخذ بيد المصريين غير القادرين، وعبدالناصر فى حكمة كان بمثابة «الديكتاتور العادل»، وأنا لا أوافق على تسميه ثورة 1952 بالانقلاب العسكرى، لأنها جاءت لتخلص الشعب من الاحتلال الإنجليزى والفساد والظلم الذى وصل إلى حد الاستعباد، وكان هناك 2% فقط من الأجانب والمصريين الإقطاعيين يملكون كل الأراضى الزراعية فى مصر، وأذكر أن عبدالناصر عندما طلب من محمود الشاهد، كبير ياوران رئاسة الجمهورية، شراء طقم صالون جديد ليستقبل فيه الناس، اشترى له طقماً بألف جنيه، ما أثار غضب جمال جداً، وقال له «هأدفعهم منين؟» لأنه ببساطة كان يتقاضى مرتب «بكباشى».[Quote_2]
* هل كان لك دور فى قيام ثورة يوليو 1952؟
- قابلت عبدالناصر أثناء حرب 48، وأخبرنى بأنه يمهد للقيام بأمر مهم، سيحسن من أوضاع البلاد والجيش، فقلت له عندما تعود نتحدث معاً، وعندما عدنا إلى مصر أقنعته بأنه من الأفضل ألا أشارك بشكل مباشر فيما يريدون القيام به، لأننى لست مصرى الأصل، فجدى تركى، وجدتى روسية، وتخوفت من اتهام البعض للثورة بأن من شارك فيها غير مصريين، لكنى عاهدته على أن أؤمن كل أعمالهم، وأن أكون احتياطياً استراتيجياً فى حالة القبض عليهم.
* ما الفرق بين ثورتى يوليو 1952، و25 يناير؟
- مَن قاموا بثورة يوليو كانوا يعرفون بعضهم جيداً، ويتحركون فى اتجاه واحد، وكان بينهم شخص وحيد مغضوب عليه من الجميع، إلا من عبدالناصر، وهو محمد أنور السادات، فعبدالناصر رأى أن السادات ذاق كثيرا من المعاناة، وسجن، لذلك أبقى عليه، أما ثورة 25 يناير فلم يكن لها قائد، ولم تجد أحداً يتحدث باسمها، حتى قفز عليها آخرون وتسببوا فى حالة الفرقة التى نعيشها الآن.[Quote_3]
* ما تقييمك لفترة حكم الرئيس السابق حسنى مبارك؟
- مبارك كان جيداً فى بداية حكمه، لكن مساره انحرف مع الوقت وارتكب أخطاءً جسيمة، منها نهب وسرقة البلاد، كما مارس نظامه جميع أشكال الفساد، التى لم نكن نتوقعها، ولكن أعتقد أن السبب الرئيسى الذى عجّل بالثورة ضده هو رغبته فى توريث الحكم لابنه «جمال».
* ما أسباب صومك شهرى رجب وشعبان كاملين، بخلاف رمضان؟
- لهذا قصة حدثت قبل أكثر من 60 سنة، وتحديداً فى عام 1948، عندما كنت فى الأسر، فى قلب تل أبيب، ودعوت الله أن أعود إلى بيتى وزوجتى قبل يوم 16 أغسطس، لأحتفل معها بعيد زواجنا السادس، وحددت يوم 15 أغسطس موعدا للهروب، بعد أن خلعوا لى 6 أسنان دون مخدر، ومن العجيب أننى لم أشعر بالألم، وعند هروبى أطلقوا علىّ 3 رصاصات أحدثت 6 ثقوب فى قميصى، لكنها لم تصب جسمى، وعدت إلى مقر القيادة المصرية فى رفح بعد أن قطعت مسافة 84 كيلومتراً على قدمى، فى 10 ساعات، وهناك اتصلت بزوجتى وقلت لها كل عام وأنت بخير، اليوم عيد زواجنا السادس، وهى لم تصدق نفسها لأنها ظنت أننى مت، ومنذ هذا اليوم وأنا أصوم رجب وشعبان ورمضان بالتمام والكمال، بخلاف الـ10 الأوائل من محرم، و6 أيام من شوال، شكراً لله، الذى نجانى من الأسر والموت.
* كيف تقضى يومك؟
- أعيش وحيداً بعد وفاة زوجتى، منذ 18 عاماً، ولكن لا أستطيع نسيانها لأنها شريكة العمر، وأقضى وقتى فى قراءة الكتب، فأنا أمتلك مجموعة كتب يزيد عددها على 50 ألفاً، كما أحرص على مطالعة الصحف اليومية، وأقضى أوقاتاً طويلة فى شرفة شقتى التى تطل على حديقة متحف الطفل فى مصر الجديدة لأتأمل الحياة الطبيعية، هناك جزء من وقتى أقضيه مع نجلىّ وسام ووائل، بين الإسماعيلية والإسكندرية.
* ما سر احتفاظك بحيويتك إلى الآن؟
- أحرص على تناول البلح واللبن والفاكهة فى الإفطار، والفول والطعمية وجوز الهند والفاصوليا واللوبيا والعدس مع سلطة خضراء وفاكهة وربع رغيف بلدى فى «الغداء»، هذا فى غير أوقات الصيام، وأنا لم أذهب إلى الطبيب طيلة عمرى، ولم أتعاطَ أية عقاقير، وأقرأ دون نظارة، وسر ذلك أنى منضبط فى كل أمور حياتى، وأكلى كله نباتى، أعده بنفسى، لأننى أعيش بمفردى، وأنام كل يوم فى الـ10 مساءً وأستيقظ قبل صلاة الفجر حتى المساء.
* هل من مواقف طريفة لك مع عبدالناصر فى المدرسة الحربية؟
- عندما كنا طلبة فى «الحربية» حدثت مواقف طريفة وغريبة أحياناً، تدل على أن «جمال» كان زعيما منذ صغره، أذكر أنه اُختير ضمن فريق شد الحبل، لأنه قوى وكانت تدريبات الفريق عبارة عن حبل يربطونه فى جذع شجرة كافور ضخمة جداً فى ملعب المدرسة، ولأن هذا التدريب كان بدون فائدة لأن الشجرة كانت لا تهتز، قال جمال للضابط المشرف على التدريبات إن ما نفعله لا يمكن أن يأتى بنتيجة، فما كان من الضابط إلا أن نهره، وقال له «أنت هتعرف أحسن مننا.. أنت جاى تعلمنا؟ إحنا اللى هنعلمك»، فصمت جمال، ولم يرد، وفى اليوم التالى وجدنا برميلين ممتلئين عن آخرهما بالرمال والحبال مربوطة بهما، وبدأنا فى الشد، فكانت تتحرك، وظهر أخيرا مجهودنا، وعندما جاء الضابط المدرب أوقفنا ونادى على جمال، وقال له «عشان يا أفندى ما تبقاش تتفلسف وتتعجل الأمور كل حاجة عندنا لها ترتيب ونظام»، وعاد جمال إلى مكانه دون أن يخبر الضابط المدرب بأنه هو من جاء مبكراً قبل موعد التدريب ونفذ هذه الفكرة. وأذكر له جميلا لن أنساه ما حييت، فبعد خروجى من الجيش، عام 1960، صدر قرار بتعيينى فى وزارة الثقافة، ولكن وزارة الخزانة اكتشفت أن تعيينى جاء مخالفا للقانون، لعدم صدور قرار جمهورى به، فاستغنوا عن خدماتى وتوقف المرتب، وبدأوا فى خصم ربع المعاش كل شهر، وأربكنى ذلك مادياً، وكان الحل الوحيد لهذه المشكلة هو صدور قرار جمهورى بتعيينى، ولم يكن أمامى إلا أن أطرق باب عبدالناصر؛ فكتبت له خطابا بذلك، وتوقعت تأخر الاستجابة لكثرة أعماله، كان ذلك فى شهر رمضان عام 1963، ولكن قبل العيد بأيام قليلة فوجئت بصدور القرار.
أخبار متعلقة
بعد 60 عاماً على حركة الضباط الأحرار
خالد محيى الدين.. الضابط الأحمر
محمد فائق.. الثوار لا يموتون
سامى شرف.. كاتم أسرار عبدالناصر
ناصر ل"عامل التراحيل":الرسالة وصلت
صناعات الألف مصنع تنهار.. وتشرد مئات الآلاف من العمال
يوسف القرضاوى.. الإفتاء عن بعد
مهدى عاكف.. الحياة من أول وجديد