رئيس «مكافحة الإرهاب» فى تونس: الجيش المصرى أجبر «فلول داعش» على الفرار إلى الصحراء الأفريقية
العميد المتقاعد مختار بن نصر
أكد العميد المتقاعد مختار بن نصر، رئيس «اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب فى تونس»، أن التنظيمات الإرهابية ما زالت تحاول استغلال فشل الحكومات فى بناء الدول الحديثة والحريات، وتختار ضحاياها من الشاب الذين لديهم مشاكل اجتماعية ويشرعون فى عزلهم عن أسرهم ومحيطهم حتى يتمكنوا من غسل عقولهم وتغيير شكلهم ولباسهم ودفعهم نحو القتال والوقوف ضد دولهم.
مختار بن نصر لـ«الوطن»: لم نر على مر التاريخ تنظيماً إرهابياً يستقر على الأرض ويؤسس دولة مثل «داعش»
وقال فى حوار لـ«الوطن»، إن جيوش مصر وتونس والجزائر اختارت المواجهة الحازمة والصارمة مع الإرهاب، ويجب زيادة التعاون المشترك بين الدول الثلاث، الذى ما زال دون المستوى المطلوب، لافتاً إلى أن بعض الدول العربية تعتبر الإرهابيين أصدقاءها.. وإلى نص الحوار:
هل اقتربنا من القضاء على ظاهرة الإرهاب بعد الهزائم المتلاحقة للإرهاب فى سوريا والعراق؟
- إنها ظاهرة معقدة، وتحتوى على تداخل بين أكثر من طرف، والإحاطة بهذه الظاهرة تتطلب فهماً عميقاً حول أسبابها وظهورها، وتتطلب كذلك فهم بعض هذه الجماعات حول كيف أمكنها أن تستقوى وتتقدم وتسيطر على مساحات من الأرض والشعوب، فلننظر مثلاً أن تنظيم «داعش» الإرهابى فى زمن قياسى لم يتجاوز عدة أشهر فقط استطاع السيطرة على مساحة من الأرض بين سوريا والعراق تقدر بأنها تساوى مساحة بريطانيا، وأن يسيطر على قرابة 6 ملايين شخص ليضعهم تحت سلطته، وأن يستولى على ثلثى النفط فى العراق وثلثه فى سوريا، وأن يمتلك الكثير من الأسلحة والمعدات.
ألا يثير هذا الأمر غرابة لديك؟
- بالطبع، لم نر على مر التاريخ تنظيماً يستطيع أن يستقر فى الميدان ويعلن دولة، لكون التنظيمات الإرهابية دائماً فى نشأتها تكون للإرباك ولبث مناخ من الخوف والذعر، لكن أن يأتى تنظيم ويستقر على الأرض ويرفع علماً ويخدع مواطناً ويفرض دولة، فهذا أمر غريب ويحدث لأول مرة فى التاريخ، ذلك لأنه منذ اتفاقية «سايكس - بيكو» لم يتجرأ بلد عربى على فسخ حدوده المرسومة، حتى جاء تنظيم «داعش» ففسخ هذه الحدود وقطع منها مساحة مهمة جداً، وهذا الأمر لا يمكن أن يتم إلا بدعم كبير من دول وقوى كبرى، وهذا جانب آخر فى تعقد ظاهرة الإرهاب.
قوى دولية عظمى دعمت الجماعات الإرهابية ودول عربية تعتبرهم أصدقاءها.. وسيطرة «داعش» على الأراضى العراقية والسورية فى زمن قياسى كانت نتيجة دعم دولى.. والتنظيم أقدم على هدم حدود لم تجرؤ عليها بلدان عربية
ماذا عن الأعداد الكبيرة من الشباب التى التحقت بالتنظيم ومنها أعداد كبيرة من دول شمال أفريقيا وتونس تحديداً؟
- انقاد شباب من مصر وتونس والجزائر والمغرب، وراء مقولات مغرضة لهذا التنظيم وانخرط فى مثل هذه العمليات الإرهابية، لذلك هناك عديد من الأسباب والدوافع، وبحسب كثير من الدراسات فإن هذه الأسباب والدوافع أهمها ليست مبنية على فكر عميق يريد أن يغير أو ينشر الحداثة أو الديمقراطية، هو بالأساس مبنى على مقولات متزمتة وفكر متطرف، وتصبح المعركة بالأساس معركة فكرية، لأن هذا التطرف بالأساس هو فكر مغلق يريد أن يستميل الشباب ويقدم أشياء لم تقدمها الدولة وتلك هى المشكلة، فيعطى للشباب الأمل ويعطيهم مشروعاً فى سن المقارنة والتشبث بالبطولات ثم شيئاً فشيئاً يعطيه المشروع ثم الأمل ثم المال، وذلك هو ما يبحث عنه الشباب فى كل أرجاء العالم، ومن هنا نفهم أن هذا الشباب لم يجد السند اللازم فى بلدانه، ولم تعط الدول ما يكفى لشبابها، فتركت فجوات دخل منها هذا الإرهاب والفكر المتطرف إلى الشباب وسحبهم لصفوفه، ويتحول الأمر إلى فخ لا يمكن أن يتراجع الشباب عنه، إما أن يظل هؤلاء الشباب تحت سيطرة هذه المجموعات الإرهابية ويحملون السلاح ويواجهون بلدانهم، وبالتالى تصبح المسألة معقدة جداً.
ما الدوافع الأخرى برأيك التى ساهمت فى تعقد ظاهرة الإرهاب؟
- من بين الأسباب والدوافع النقص فى فهم الدين، والنقص فى العناية بالشباب كما قلت، وأحياناً الفشل الدراسى، وأحياناً عدم وجود عمل بعد الحصول على الشهادة التعليمية، الاعتماد على المناطق الفقيرة والمهمشة، وإن كان الفقر والحاجة ليسا أسباباً مباشرة، بل عوامل مساعدة، كنا فى الخمسينات والستينات فى وضع اجتماعى أسوأ بكثير مما نعيشه اليوم، ولم نر هذه الأعمال الإرهابية، بل بالعكس كان الشباب ينطلق نحو البناء والاعتزاز بالنفس والهوية والذاتية ورفع أعلام بلدانهم عالية، وخلق رأى عام يدفع إلى الأمام والوحدة الوطنية والتحرر.
وكيف تحدث عملية استقطاب وتجنيد الشباب؟
- هناك مجموعات استغلت ما يسمى بالهشاشة الاجتماعية واستغلت أيضاً ما يسمى بالجراح الوطنية لدى شعوب مصر وتونس والجزائر، كالقضية الفلسطينية، والنظم السياسية المتسلطة، ونهب الثروات من قبل الدول الكبرى، والهجمة الفكرية وذوبان الهويات، كل هذه جراح عندما تتم بلورتها فى شكل درامى يتم إقناع الشاب بأن أسباب تخلفنا وأسباب احتلال فلسطين وأسباب تراجعنا وغياب الحريات، يعود كل ذلك إلى هذه النظم القمعية المتسلطة، وتنطلى هذه الحيلة على الشباب وينخرطون فى محاربة هذه النظم، كما أنهم يقدمون إليهم المشروع البديل ويعطونهم المال والسلاح، وبالتالى تقريباً نصبح عملياً أمام عمليات غسل للأدمغة واستقطاب للشباب بسبب هذه الجراح، ولكن فى المقابل أمام هذه الجراح لا يزال هناك آمال، التنظيمات الإرهابية تحاول استغلال فشلنا فى بناء الدولة الحديثة والحريات، وذلك من خلال عمل نفسى سيكولوجى مؤسس، واختيار الضحية قبل ذلك من خلال اختيار شاب لديه مشكلات اجتماعية أو هشاشة اجتماعية، ثم يشرعون فى تمرير هذه الأفكار لديه انطلاقاً من عزله عن أصدقائه وعائلته ومجتمعه، ثم تأتى مرحلة متقدمة أن يصبح لدى الشاب سلوك مظهرى فيتغير شكله ولباسه ولغته ويسكن الجوامع، فتلغى سلطة الأم والأب ويصبح الشيخ الوسيط الذى يدفعه إلى أى شىء سواء القتال أو الاستقطاب والوقوف ضد دولته.
فلول بؤر القتال اليوم أقل خطورة من عودة «الأفغان العرب» بسبب هزيمتهم.. وأطراف تحاول استخدامهم فى أعمال القرصنة بالقرن الأفريقى
هل لديكم تقديرات معينة حول الشباب التونسى الذى انخرط فى أعمال القتال فى سوريا والعراق وليبيا؟
- فى الحقيقة لا أحد يمتلك اليوم العدد الحقيقى، وإن كانت تونس الأعلى فى العدد حسب وزارة الداخلية التونسية التى تقدرهم بعدد 2229 مقاتلاً، وعندما تتحدث الداخلية التونسية عن عدد بهذه الدقة، فإن هذا يعنى أن لديها ملفات ولديها معلومات حول من سافر ومن قاتل، وعاد بعض هؤلاء الشباب إلى تونس ويبلغ عددهم 800، وهناك سياسة فى تونس لا يمكن منعهم من القدوم، لأن الدستور يمنع أن يتم منع أى تونسى من العودة إلى بلده مهما أجرم، ولكن من الممكن أن يتم تقديمه إلى القضاء، ووضعه مثلاً قيد الإقامة الجبرية أو المراقبة الإدارية، وغيرها من هذه الإجراءات.
لكن كانت هناك أرقام أكثر من ذلك فى بعض الإحصاءات الغربية؟
- هناك أرقام خيالية مبالغ فيها، كالحديث عن وجود نحو 8 آلاف تونسى، وفى الحقيقة هذه الأرقام المبالغ فيها الهدف منها ضرب وتشويه العنصر العربى المسلم وأن يكون منعوتاً فى كل مكان بخصلة سلبية، وأن يكون هناك احتياط منه، ولقد تم استقطاب الشباب التونسى كغيره من الشباب العربى واستمالته، وأعرف أنه فى مصر اتخذت إجراءات مهمة مثلاً من خلال المراجعات التى أجراها الأزهر الشريف ومن أعمال فى إطار إنشاء خطاب بديل، فهناك كتاب بمثابة قاموس أصدره الأزهر بعنوان الرد على خوارج العصر، كى يتم إقناع الشباب الذين يقدمون أفكاراً لا علاقة لها بالدين، هم فى الحقيقة خوارج هذا العصر ويسيئون للدين والإسلام وإلى دولهم.
مخازن الأسلحة الليبية لم تكن وجهتها مصر وتونس والجزائر بسبب قوة جيوش المنطقة.. ووجود العناصر الإرهابية فى سيناء كان خطراً على الدول العربية والغربية.. ولدينا ملفات لـ2229 شاباً تونسياً شاركوا فى القتال خارج البلاد.. ومبالغة الغرب فى الأعداد هدفها وصم كل ما هو عربى مسلم بالتطرف.. وتبادل المعلومات حول العناصر الإرهابية يواجه صعوبة مع تغيير هؤلاء لجوازات سفرهم بأخرى مزيفة واختيار أسماء وألقاب قديمة
إلى أى مدى برأيك تمثل مسألة العائدين من سوريا والعراق أو أماكن القتال إشكالية أمام الدول العربية كتونس ومصر فى الفترة المقبلة؟
- هذه العناصر العائدة من بؤر التوترات أثارت جدلاً كبيراً الحقيقة فى تونس، نظراً لأن الشعب التونسى يتخيل أنها عائدة بسلاحها، وربما ستقوم بعمليات كبيرة أو بعمليات من شأنها إرباك المجتمع بصفة عامة وإسقاط مزيد من الخسائر فى الأرواح، لكن هناك دراسة تونسية خلصت إلى أن الإعلام هو من أوحى بأن هذه المسألة تعد خطراً كبيراً، ولكن بالاستناد إلى مسألة عودة «الأفغان العرب» فى السابق، هناك صورة مخالفة عن العائدين اليوم، فالمجموعات التى قاتلت فى أفغانستان كان لديها دعم دولى وخرجت منتصرة فى تلك الفترة، وكان يهلل لها حتى فى بلدانهم وكان يعتبرهم البعض أبطالاً، لأن هؤلاء أبطال استطاعوا أن يحرروا الأفغان وهزيمة السوفيت.
وماذا عن العائدين اليوم مقارنة بالعائدين من أفغانستان؟
- هناك اختلاف جوهرى، العائدون اليوم عادوا مهزومين ومذلولين ومعنوياتهم فى الحضيض، لا يهلل لهم أحد فى المجتمعات التى عادوا إليها، هم عادوا لأنهم يبحثون عن ملاذ آمن، البعض منهم يتشبث بتلك الأفكار الإرهابية ويحاول القيام بعمليات إرهابية وإرباك المجتمعات، لكن فى الحقيقة ليس بنفس الخطورة التى عشناها فى تسعينات القرن الماضى، ولذلك هؤلاء يمكن السيطرة عليهم، لأن هناك اتفاقاً بين جميع الدول على أن هؤلاء إرهابيون، وهناك توافق كذلك بين الدول على أنه لا بد من تبادل المعلومات بشأنهم وتسليم هؤلاء للقضاء سواء عادوا إلى بلدانهم بطريقة عادية أو بطريقة ملتوية.
هل هناك صعوبات فى مسألة تبادل المعلومات وتحديد هوية هذه العناصر؟
- الصعوبة فى هذا الموضوع أن كثيراً منهم يتحركون بهويات مزيفة، عندما تنقلوا إلى أماكن القتال تم استبدال جوازات سفرهم، وإعطاؤهم جوازات سفر أخرى، وأخطر من ذلك أنهم مُنحوا هويات أخرى، فلم يعد العنصر فلان ابن فلان كما كان من قبل وإنما أصبح يحمل أسماء كـ«أبى القعقاع» وأسماء وألقاباً مقبلة من أعماق التاريخ، وأُقنع بأنه البطل المقبل لتحرير هذه الشعوب.
ما الذى يدفع هؤلاء الشباب للعودة وهم لديهم مغرياتهم مثل الرواتب من قبل التنظيمات الإرهابية؟
- القتال كان بمثابة ارتزاق، لكن هم ليسوا مخيرين اليوم، فمساحات الأرض التى كانوا يحتلونها ضاقت، وهؤلاء الذين كانوا يمنحونهم أجورهم توقفوا، والمجتمع الدولى الذى كان من بين دوله قوى عظمى أصبحت تتراجع لفضيحتها أمام العالم بأنها مساندة لهؤلاء. إذن هناك مقولات عديدة تشير إلى التحول هذا بشكل كبير، وأتذكر كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال القمة الخليجية الأمريكية التى كان فيها واضحاً وشفافاً، فقال اليوم يوجد إرهابيون وهناك من يساعدهم، فعلى الذين يساعدونهم أن يرفعوا أيديهم عنهم، فهناك دعم من قبل دول ومؤسسات للقيام بهذه الأعمال، لقد فطنا اليوم لهذه الحيل وأصبح هؤلاء مطاردين ومطلوبين. وهؤلاء المطلوبون والملاحقون لا بد لهم من ملاذات، بعض هؤلاء أعتقدوا خطأ وبنوا مقارباتهم خطأ بأن «سيناء» تكون ملاذاً آمناً لهم، لكنهم فوجئوا بوقفة الجيش المصرى وهبة الشعب المصرى، وكانت وقفة حازمة وصارمة، ووجدوا مواجهة واضحة من قبل الجيش المصرى، وبالتالى راجع هؤلاء الإرهابيون حساباتهم، هناك من هؤلاء من غامر باتجاه الصحراء الكبرى فى اتجاه مالى وتشاد أو الصحراء الغربية، ووجدوا أيضاً أن هناك تحركات ضدهم، ومنهم من توجه إلى الحدود التونسية، وتعرفون ملحمة «بنقردان»، التى كانت الصخرة التى تحطم عليها «داعش» قبل أن ينهار التنظيم فى «بنغازى» و«درنة» و«سرت» فى ليبيا، وفى العراق وسوريا، وتلقى الإرهاب ضربة قاصمة فى تونس عام 2015، إذن الذين سيعودون اليوم سيقرأون جيداً هذه المسألة، هل هو عائد لتتم محاكمته والسجن، أو يقدم تجربته لمجموعات يمكن أن تهلل له وتعطيه المال والمهمات الجديدة، هناك من يريد استغلال تجاربهم فى القتال وتوظيفهم فى أعمال أخرى خاصة فى منطقة القرن الأفريقى والقرصنة أو فى بعض البلدان كمالى وتشاد والنيجر وبعض البلدان التى تحاول أن تتصدى لهذه الظاهرة تماماً.
الأزهر اتخذ خطوات مهمة لمكافحة «خوارج العصر» ولا خوف على دول شمال أفريقيا من الإرهاب بسبب وعى شعوبها التى تعرف خطورة الوضع
على ذكر «سيناء» هل كانت تمثل عودة هؤلاء إليها مجرد تهديد مصر، أم كانت نقطة انطلاق إلى شمال أفريقيا؟
- كل مكان يستقر فيه هؤلاء يسعون لمواصلة مشروعهم الجهنمى، وبالتالى لا يمكن القول إن الذين وجدوا فى «سيناء» كانوا خطراً على مصر فقط، بل على كل المنطقة وحتى على دول العالم، حيث يمكن لأحد منهم الخروج إلى ألمانيا وفرنسا، أو حتى إلى أمريكا وكندا، ويقوم بما يمكن أن يخدم مشروعه من عمليات إرهابية وبلبلة فى المجتمعات، وقد يقوم مثلاً بعضهم بعملية قتل فى مصر، وهو لا يريد رعب المصريين، فربما يكون المصريون الدائرة الأولى فقط، وإنما يريد هؤلاء إخافة كل العرب وكل الدول الأخرى، بذلك التقتيل الشنيع، الذى أحياناً يقدمونه بشكل درامى وسينمائى، ونتذكر جيداً فيديو الاعتداء الذى تم على الأقباط المصريين، والذى جال كل أنحاء العالم، ما الذى يريده هؤلاء من ذلك؟ هم يريدون أن يرعبوا الجميع مصريين وعرباً، وحتى المجتمعات الغربية، هم يريدون أن يقولوا نحن هنا ونحن قادرون على الإيذاء، ويجب أن تعترفوا بنا وأن تسلموا بأننا على طريق الصواب، لكن هذه الأيام هناك وعى، وأهم ما نتحدث عنه هو الوعى المواطنى، فعندما يكون المواطن مقتنعاً بقيادته السياسية ومقتنعاً بالمشروع الحضارى الذى يبنى بعرق الجميع، وأن هذه المجموعات الإرهابية هى مقبلة للهدم وليس للبناء، وخياراتها خارج التاريخ، فلا يمكن لأحد أن يقف معهم، وما نراه اليوم من تقدم فى الجبهة المصرية فى إطار محاربة الإرهاب والتصدى لهذه العناصر، نرى أن هناك هبة مجتمعية مصرية لمواجهة هؤلاء وهناك تبادل للمعلومات واستنفار كبير، فلا أحد يقف مع هؤلاء، وحتى المتدينين من الشعب المصرى يرفضون هذا الأسلوب، لأن الإسلام بعيد كل البعد عن هذا القتل والعنف والتخريب، الإسلام دين سلام ومحبة ودين السماحة، وهذا يعنى مزيداً من المساندة للقوات الأمنية التى تواجه الإرهاب.
ماذا عن تنظيم «القاعدة» وهناك من يرى أنه يعيد تشكيل نفسه فى شمال أفريقيا وربما يعود أكثر خطورة؟
- استقر تنظيم «القاعدة» فى بلاد المغرب الإسلامى فى البداية بالجزائر وكان لديه قيادات هناك، لكن الجهد الكبير الذى قام به الجيش الجزائرى فى تفكيك هذا التنظيم وضرب أجنحته وضرب مختلف حلقاته اللوجيستية، وحتى المجموعات التى تستغل وتستقطب سواء فى الجوامع أو أماكن أخرى، جعل التنظيم يتراجع ويبتعد عن بعضه البعض ويتبعثر، خاصة عندما نشأ تنظيم «داعش» الإرهابى ووقع انقسام كبير فى «القاعدة» فى بلاد المغرب العربى، هناك من ذهب لتأييد «داعش»، وهناك من يعتقد أن «القاعدة» هى الأساس وعلى «داعش» الانضواء تحتها، وبعض هؤلاء القيادات فرت، وبالتالى الوضع تحت السيطرة فى تونس، ونحن فى تونس لا يزال لدينا بعض العناصر من تنظيم «القاعدة» ولدينا مجموعات تتبع «داعش» آخرها فروا إلى ليبيا بعد أن ضربت هذه العناصر، وكان لدينا تنظيم «أنصار الشريعة» التونسى وهو تنظيم إرهابى، لكن لديه أكثر من جناح إعلامى وعسكرى والاستقطاب، تم تفكيك كل هذه الأجنحة وقيادات الإرهاب فروا إلى ليبيا وحملوا نفس الاسم، لكن منذ أشهر أعلنوا حل التنظيم، وأعتقد أن ما حدث هو تغيير الاسم فقط فى ليبيا لكى يتخلص من الملاحقات ويستطيع الحصول على الأموال، تنظيم «القاعدة» يتلاشى، لكنه لا يزال قادراً على العيش فى بعض الأماكن، ولذلك هناك جهد كبير بين تونس والجزائر فى تقصى المعلومات وتبادلها، وتم مؤخراً فى تونس الكشف عن ترتيب لعمل إرهابى يتم فى ألمانيا وتونس بتوقيت متزامن من خلال استخدام قنابل من صنع تقليدى، التنظيم فى رأيى لا يزال يشكل خطراً، الأهم من تبادل المعلومات هو تحديد هذا العدو بمنع أفكاره من التداول بين الشباب، فى تونس مثلاً لدينا استراتيجية وطنية لمكافحة الإرهاب والتطرف، وهناك اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب التى أترأسها تقوم على تنفيذ هذه الاستراتيجية، وكل وزارة معنية بهذه المسألة لإعداد مخططات عمل تنفذ فى الأجل القريب، لمنع الشباب من الانخراط فى هذا الفكر.
التعاون العسكرى بين تونس والجزائر ومصر فى مكافحة الإرهاب ليس عند المستوى المطلوب ونحتاج لتكثيف التدريبات المشتركة.. والفقر ليس سبباً لانتشار العنف التكفيرى.. وهناك أوضاع فى الخمسينات والستينات أصعب بكثير ومع ذلك اتجه الشباب للبناء وتعزيز الهوية الوطنية.. والإرهاب استغل جراحنا مع القضية الفلسطينية ونهب الدول الكبرى لثرواتنا.. واستخدمها فى خطابه لغسل العقول وهو عمل سيكولوجى مؤسس
مصر وتونس والجزائر هى دول مواجهة رئيسية مع الإرهاب، هل ترى أن هناك تعاوناً بينها على النحو المرجو؟
- فى الحقيقة نحن على مستوى العمل العسكرى لا نزال بعيدين شيئاً ما عن التعاون المطلوب، مصر مثلاً لديهم جهد كبير فى هذه المسألة، وهناك تبادل كبير للمعلومات بين تونس والجزائر ومصر أيضاً، ونعلم أن ليبيا تشكل الهاجس الأمنى بالنسبة لمصر تماماً مثل الهاجس التونسى، وهناك عمل كبير ينجز فى منطقة الحدود الجزائرية - الليبية للحد من تدفق هذه العناصر وانتشارها، لكن عندما ننظر إلى المسألة بالجدية الضرورية نقول إننا اليوم بحاجة إلى تعزيز الأداء والعمل العسكرى، عندما نعالج مسألة الأمن القومى العربى علينا أن نفعّل اتفاقيات «الجامعة العربية» التى تنص على التعاون العسكرى، ويجب أن نمر إلى التكامل العسكرى من أجل مواجهة هذا العدو أى الإرهاب، وليس الإرهاب وحده بل أيضاً أعداء آخرون متربصون بهذه الدول، هناك عدة دراسات فى هذا الموضوع، وأعتقد اليوم أنه لا يكفى فقط تبادل المعلومات، وإنما يجب أن نكثف التدريبات المشتركة، وأن نفتح كلياتنا العسكرية لبعض، ولا بد من تكثيف هذا الجهد، لنخلق جيلاً من الضباط قادرين على التعاون فيما بينهم، وأن نقوم بمناورات مشتركة عربية لنعوّد جيوشها على التعاون الميدانى المشترك والتصدى لظاهرة الإرهاب التى لم تنته.
لماذا لم يكن هناك اقتراح بتشكيل غرفة عمليات مشتركة بين الدول الثلاث أو بين الدول المعنية بمكافحة الإرهاب؟
- فى الحقيقة هناك محاولات لتقريب وجهات النظر، لكن أعتقد أنه لا بد فى الأساس من تحديد هذا العدو أى الإرهاب، ورغم أنه محدد وواضح، لكن هناك اليوم من بين الدول العربية من يعتبر الإرهاب هو الصديق، الاختلاف حول تحديد العدو يجعلنا على اختلاف فى طريقة المواجهة، فالمسألة عميقة، مع العلم أن الجزء السيادى له بعده فى هذه المسألة، لأن الجميع يريد أن يكون القائد والسيد، فلكى نتفق على مبادئ دفاع مشترك لا بد أن نتخلى عن جزء من سيادتنا لبعضنا البعض لينعكس ذلك على الأداء فى الأحداث الكبرى، كما هو الحال مثلاً فى حلف شمال الأطلسى «الناتو»، وكيف أن هذه الدول تفتح أراضيها لبعض مثلاً لوضع بعض القواعد العسكرية لمواجهة الأخطار، هناك من يخطط للاستيلاء على ثرواتنا وتقسيم بلداننا، كما نراه الآن محاكاً ضد سوريا والعراق وليبيا، فالخصم بحاجة أن يرانا دائماً متحدين لتقويض سياساته.
معدلات انتشار السلاح فى الدول العربية تزايدت مع سنوات الاضطرابات الأخيرة، كيف يمكن التعامل مع هذه الظاهرة؟
- هذه ظاهرة خطيرة، أعتقد اليوم أن البلدان التى لديها جيوش وأجهزة أمن فاعلة مثل الجزائر وتونس ومصر قادرة على الإحاطة بهذا الموضوع، وفى أكثر من مرة رأينا وضع اليد على كثير من مخازن ومخابئ السلاح والقبض على عناصر إرهابية معها السلاح، وهناك عمل دؤوب متواصل فى البلدان الثلاثة حول هذه المسألة، إذن يمكن السيطرة، رغم خروج كميات كبيرة من الأسلحة من ليبيا، لكن أعتقد الوجهة الكبيرة لها لم تكن مصر ولا تونس ولا الجزائر، نظراً لوجود قوات أمن وجيوش وطنية لحسن حظنا واقفة على هذه الحدود، فاتجهت إلى عمق الصحراء باتجاه مالى، وهناك من استقبل هذه الأسلحة ودفع ثمنها فى النيجر مثلاً وتشاد، ولا بد من تكثيف العمل الميدانى والاستعلاماتى على صعيد المواطنين الذين يعتبرون حلقة مهمة للتوصل إلى هذه الأسلحة، ولا خوف على مصر وتونس والجزائر اليوم من الإرهاب، فجيوشهم قوية، وهناك وعى شعبى يقف إلى جانبهم فى مواجهة الإرهاب.
جانب من حادث تفيجيرات «سوسة» «صورة أرشيفية»