دينا عبدالفتاح تكتب: لحين إشعار آخر!
دينا عبدالفتاح
يبدو أن العالم سيستمر فى مجابهة فيروس كورونا لفترة ليست بالقصيرة.. حيث تؤكد المؤشرات الحالية أن هذا الفيروس يواصل فتكه وتوسعه فى إصابة البشر فى كل أنحاء العالم.. واخترق دولاً حارة بعدما بشرت الدراسات أنه سينتهى مع ارتفاع درجات الحرارة.. وواصل منحنى الإصابات الصعود بعدما توقع البعض انحداره خلال أسابيع مضت.. ولم يخرج علاج أو مصل واقٍ فعَّال ١٠٠٪ فى القضاء على الفيروس حتى الآن كما توقعنا مع تهليل الشركات الفرنسية والأمريكية وغيرها باكتشافها علاجاً للفيروس حتى تنشط مبيعات عقارات قديمة منتجة ومتكدسة فى مخازنها.. لذا نحن أمام «أمر واقع» وهو بقاء الفيروس حياً فتاكاً لحين إشعار آخر!
وهذا الوضع يتطلب فرض سياسة «الأمر الواقع» أيضاً بحيث يتم تطوير أسلوب تعاملنا مع الحياة بشكل عام ليتأقلم مع الأوضاع الحالية والمتغيرات التى حملتها للجميع، سواء دول أو حكومات أو شركات أو أسر أو أفراد.
بالنسبة للحكومة المصرية، فقد أبدعت فى إدارة هذه الأزمة وقدمت للاقتصاد كل مقومات الدعم حتى لا ينهار مثل العديد من الاقتصادات خاصة أن الاقتصاد المصرى ما زال فى طور الإصلاح الهيكلى الذى يتبع برنامج الإصلاح النقدى والمالى الذى نفذته الحكومة بنجاح على مدار السنوات الماضية، ولكن يبقى اتخاذ بعض الإجراءات السريعة التى يأتى فى مقدمتها ترشيد الإنفاق الدولارى لمنع الضغط على الاحتياطى النقدى الأجنبى الذى نجح البنك المركزى بمهارة فى الوصول به إلى معدلات تاريخية سجلت ٤٥٫٥ مليار دولار قبل الأزمة، وقد يتم ذلك عن طريق حجب استيراد أى سلع قد لا تمثل حاجة أساسية للمجتمع خلال هذه المرحلة، وربط الإنفاق الدولارى باستيراد السلع الأساسية والوفاء بالالتزامات الخارجية للدولة التى لا يمكن تأجيلها.
الحكومة مطالبة كذلك بالجلوس مع أصحاب المصانع، ووضع سيناريو مناسب يضمن سلامة العمال فى المقام الأول ودوران عجلة الإنتاج فى المقام الثانى، حتى نضمن تدفقاً مناسباً من السلع للسوق لتجنب أزمة العرض التى قد تظهر فى بعض القطاعات مستقبلاً لو استمر الوضع الحالى على ما هو عليه.
الأمر الآخر يرتبط بتنظيم سوق العمل وضرورة تحرك الحكومة لإحداث تحريك أفقى للعمالة التى كانت تمتهن بعض الأعمال التى تعثرت بفعل الأزمة الحالية مثل قطاعات السياحة والنقل والترفيه وذلك إلى أعمال جديدة قادرة على الصمود فى وجه الأزمة الحالية.. وقد يكون القطاع الغذائى والتجارى ومستلزمات الإنتاج وسيلة فعالة لاحتواء الأزمة فى الأجل القصير.
أما على مستوى الشركات وأصحاب الأعمال، فيحتاج هذا التوقيت إلى بلوغ أعلى درجات المرونة، من خلال إعادة النظر فى هيكل الإنتاج حالياً ومدى تأقلم مخرجاته مع خطوط الأزمة الحالية.. وبحث إمكانية تغيير استغلال بعض الأصول لمسارات تمنع تدهور الأداء المالى للمنشأة، وقد يتم ذلك من خلال التحول لتقديم سلع وخدمات جديدة، وإعادة النظر فى سياسات توظيف القوة العاملة التى تمتلكها المنشأة حتى تستطيع توليد دخل مناسب تستطيع هذه العمالة الحصول منه على أجورها التى قد تنهار بانهيار إيرادات النشاط الحالى.
المستثمر الذى سينتظر انفراجة الأزمة ويقبل بالوضع الحالى سيكون فى تقديرى الخاسر الأكبر.. أما المستثمر الذى سيتحرك ويعيد نظرته للأمور ويتعامل مع الوضع الحالى وكأنه مستمر لشهور وسنوات قادمة سيكون الأقل تأثراً، بل من الممكن أن يخرج من هذه الأزمة بفرص لم يكن يتوقع وجودها فى ظل الظروف الطبيعية!
أما الأسر والأفراد فعليهم أن يتأقلموا مع هذه الأزمة ويضحوا بالكثير من العادات ووسائل الرفاهية.. ويكونوا أكثر كفاءة فى استغلال مدخراتهم الحالية فى توليد الدخل وعدم التوسع فى الإنفاق.. فبكل صراحة لا أحد يضمن دخول جنيه واحد من أجره أو دخله خلال الفترة القادمة، فبالتالى لا بد أن يتعامل الجميع بحذر وأن يرشدوا الإنفاق لصالح الاحتياجات الأساسية وأن يرجئوا قرارات الشراء المؤثرة خلال الفترة الحالية لحين وضوح الرؤية.
الجميع لا بد أن يتكاتف حتى تكون هذه الأزمة أقل وطأة فى تأثيرها على مصر واقتصادها.. فبالرغم من وقوف الاقتصاد على أرض صلبة حالياً، إلا أن استمرار هذه الأزمة قد يؤدى إلى أضرار كبيرة يمكننا تفاديها لو تشاركنا معاً من أجل هذا الوطن.