"فلاتر المياه".. "جرعات قتل" في المنازل
سلاح ذو حدين بين التنقية وتسريب الجراثيم والبكتيريا
أحد محلات بيع الفلاتر في وسط البلد
عبوات بلاستيكية بيضاء اللون تشبه أجهزة المعامل فى هيئتها، ما بين ثلاث أسطونات صغيرة إلى 5 أو 7 مع خزان كبير الحجم نسبياً يُنصب إلى جانبها، وإلى جانب صنبور مياه الشرب.
وانتشرت فى السنوات الماضية عقب ازدحام الأسواق بعشرات الأنواع رخيصة الثمن، وكذلك قطع غيارها ولوازمها، وأقبل عليها الناس فى سبيل الحصول على مياه شرب نقية، تقيهم الرواسب وميكروبات المياه التى تزورهم يومياً عبر الصنابير، لكن هذه الفلاتر قد تتحول إلى قنبلة ومعامل لإنتاج الملايين من البكيتريا التى تعبر إلى أكواب المياه وتهاجم أجسادنا ومناعتنا، بل قد تحجز أيضاً تلك المعادن والأملاح التى يحتاجها الإنسان لتقوية مناعته ويحتاجها الأطفال لبناء أجسامهم، ولم يتوقف الأمر هنا -بحسب خبراء- على جودة الفلتر فقط، وإن كان مغشوشاً أو غير مطابق للمواصفات بل أيضاً يتوقف على طرق الاستخدام، لأنه قد يُجرى نشاطاً محموماً لإنتاج ملايين البكتيريا خلال نومك كل ليلة، ويقدمها لك صباحاً لتبدأ نشاطك اليومى، فيتحول هذا الجهاز إلى مصنع هائل لإنتاج الفيروسات والميكروبات والجراثيم.
«الوطن» ترصد عن قرب سوق الفلاتر وطرق استخدامها وأنواعها، وتنقل عن خبراء ومتخصصين مخاطر الاستخدام السيئ لهذه الأجهزة وكذلك الطرق العلمية لتنقيه المياه بطرق مبسطة يمكن استخدامها فى المنازل، وأيضاً رأى الأطباء عن خطورة استهلاكنا الكبير للفيروسات التى قد يفاجئ بها الفلتر أجسادنا بعد تهالك هذه الأداة وعجزها عن حجز المزيد من الكائنات الدقيقة.
شارعا "الجمهورية والريحانى" قِبلة بيعها.. والتجار: "الأنواع كتيرة.. والمضروب مالى السوق.. ومفيش حاجة اسمها ضمان"
بمجرد دخولك شارع الجمهورية بوسط البلد، تشاهد على جانبيه محلات عدة لبيع مواتير وطلمبات المياه، يستوقفك الباعة ليبادروا بسؤالك عن طلبك.
وداخل أحد المحال الكبيرة، يجلس رمزى صدقى فى الخمسين من عمره، يطرح على الزبائن البضاعة، ولا يخفى عنهم حقيقة فلاتر المياه الموجودة فى السوق: «أنا بكون صريح مع الناس، بقولهم كل اللى موجود صينى وتصنيع محلى أو تجميع محلى لمواد خام صينى، فكله محصل بعضه».
"صدقى": مصانع صغيرة بتجمع مواد خام صينى وتعمل 10 أسماء لنفس الحاجة.. ومفيش شركات بتكتب إرشادات ومحددات لطريقة الاستخدام
ينفى «صدقى» وجود تعليمات ومحددات استخدام تقدمها الشركات المنتجة للفلاتر إلى العملاء، مشيراً إلى أن غالبية المنتجات الموجودة معبأة فى مصانع صغيرة وليست شركات ذات اسم كبير ومعتمدة، معلقاً: «مفيش أكتر من المضروب، والله ده حال السوق ممكن تلاقى مصنع واحد عامل 10 أسماء لنفس المنتج بينافس نفسه علشان ياكل من السوق تلاقى غيره برضه بيضرب أسماء كتيرة كده فتلاقى 100 نوع وصنف لنفس الحاجة وهى كلها مواد خام واحدة ونفس التجميعة».
ويضيف أن ثقافة تغيير شمع الفلاتر غير موجودة بشكل كامل فى السوق، إذ إن معدل استهلاكها «أقل من الفلاتر -حسب قوله-، وأن بعض البائعين وأصحاب المحال يضعون مدة محدة لتغييرها دون معرفة حجم تلوث المياه فى المنطقة التى يركب فيها الفلتر، سواء فى قرية أو مدينة، قائلاً: «هتدخل محل وتلاقى صاحبه يقول لك الشمعة تتغير كل 3 شهور مثلاً، طيب وهل أنت عرفت المياه ملوثة ولا لا، وهل أصلاً الفلتر لو شغال بيخدم مطعم ولا مكان بيستهلك مياه كتير أوى، زى بيت صغير فى شخص واحد بيستهلك كميات قليلة من المياه، هل دول بيتساووا مع بعض، وهل بيتساوى مياه القاهرة مع المحافظات»، موضحاً أنه يُبلغ زبائنه بالكشف الدورى على الشمع الموجود بالفلتر لمتابعة لونه وإذا تغير إلى الأصفر يُفضل تغييره قبل أن يتحول إلى اللون الغامق تماماً، وأن هذا التغيير فى الشمع هو الأفضل لضمان سلامة المياه، معلقاً: «اللى يقولك الفلتر مُضر أو غلط ده مش صحيح، فالمسئولية تقع على الزبون واللى بيستخدم الفلتر لو استخدمه صح مش هيكون مضر، وحتى لو كان جودة الفلترات قليلة فهو بيشيل شوية شوائب وكلور وبكتيريا، يعنى نص العمى ولا العمى كله».
تاجر فلاتر: تغيير الشمعة مختلف طبقاً لمدى تلوث المياه وضرورى عند رؤية التلوث وتغير اللون
وفى محل «محمد زهير» أحد أبرز متاجر بيع الفلاتر وأنظمة معالجة المياه، يقف يوسف مدبولى فى العشرين من عمره، بين كومة ضخمة مصفوفة من عبوات كبيرة تحوى بداخلها فلاتر المياه بأنواعها وأصنافها المختلفة، ومن خلفه أسطوانات بيضاء صغيرة «شمع الفلاتر» ولكن بأحجام مختلفة، يعرض الشاب البضاعة بسهولة ولديه الإجابات السريعة على الزبائن والتى تتمحور حول الأنواع والأسعار وشرح الفارق بينهما، يشير إلى أن أى فلاتر هى تسهم فى تنقية المياه، بينما الفارق الوحيد هو مقدار التنقية، حيث إن كل مرحلة فى الفلتر لها وظائف محددة لا تقوم إلا بها.
"متولى": وعى الناس بأهمية الفلاتر زاد.. ورخص ثمنها أسهم فى الإقبال عليها
ويشرح «مدبولى» أن هناك ترتيباً للشمع بالفلتر، حيث تنقى الشمعة الأولى المياه من الشوائب والرواسب، والثانية من الكلور، والثالثة من الرائحة، بينما الرابعة وهى «الميمبرين» - membrane- وتكون بعد الخزان ودورها فى إزالة الجراثيم لأن مسامها صغيرة جداً، بينما الخامسة تزيل الطعم والسادسة تعادل الملوحة الموجودة فى المياه، أما السابعة فهى «infra-red filter» مصنوعة بالأشعة تحت الحمراء ودورها فى تعقيم المياه، موضحاً أن سعر الفلتر ذى السبع مراحل يبدأ من 800 إلى 1700 جنيه، حسب الشركة المنتجة له، وأنه الأفضل، لأن الـ3 مراحل والخمس تفتقد مرحلتين أو 4 مراحل بأدوارها، مشيراً إلى ازدياد وعى المواطنين وإقبالهم على الشراء، وأن رخص ثمنها ساعد على انتشارها.
"سالم": سعر الشمعة يصل إلى 10 جنيهات
ويقول سالم سعد، البائع الثانى فى نفس المحل، إنه يوجد أيضاً بعض الفلاتر التى يتم تركيبها على المواسير الرئيسية للمنزل وتكون كبيرة الحجم ودورها يقتصر على إزالة الرواسب الموجودة فى المواسير الرئيسية وشبكات المياه، وتبدأ سعرها من 85 إلى 350 جنيهاً، وأن أى فلتر ينقى، مشدداً على ضرورة تغيير الشمع باستمرار لضمان الاستخدام الصحيح وتحقيق الهدف منه، معلقاً: «أولاً الشمع مش غالى ده بيوصل سعره لـ10 جنيه، ومش كل الفلاتر بتتغير على طول، الفلاتر الـ3 الأولى كل 3 شهور ومن أول الرابعة لحد السابعة بتقعد لحد سنة»، لافتاً إلى أن الاستخدام وتغيير الفلاتر هما الشىء الأساسى فى ضمان تنقية المياه.
"أبانوب": كثافة الاستخدام زادت فى الأرياف عشان ملوحة المياه.. وبعض التجار يعطون ضماناً وهمياً
ويقول أبانوب ماجد، مسئول بأحد المحال بشارع الجمهورية، ترفع لافتة «شركة الشرق الأوسط»، إن إقبال المواطنين على الشراء زاد وساعد على انتشار استخدامه ظهور مصانع وشركات كثيرة لإنتاجه وبأسعار منخفضة جداً، مشيراً إلى أن رخص الثمن قلل من الجودة ولكنه لا يسبب أضراراً -حسب قوله-، وأنه موجود فى السوق أنواع كثيرة ولا أحد يمنعها، وأن المعلومات عن تسببه فى مشاكل صحية يكون ناتجاً من الاستخدام السيئ، وأنه انتشر بالمحافظات بسبب تلوث المياه بالمناطق الريفية النائية، لأن الأملاح لديهم تصل إلى أكثر من ألف جزء فى المليون، رغم أنه المفترض أن تكون 100 أو 120، وأن زيادة الملوحة فى الأرياف بعشر أضعاف المعدل الطبيعى جعلت شارع الجمهورية قبلة لسكان المحافظات فى شراء الفلاتر والشمع، موضحاً أن بعض المحال تعطى ضماناً عاماً، رغم أنه لا يوجد ضمان، ولا حتى توجد وثائق مع الفلتر بالضمان، وأنه يكون ضماناً وهمياً، ولكن من يقوم بذلك يكون لإيهام الناس بالجودة وتشجيعهم على الشراء، معلقاً: «مفيش حاجة اسمها ضمان، واللى يقولك ضمان ده فنكوش».
"محمد": بعض الزبائن يهتمون بتغيير الشمع فقط
وفى شارع نجيب الريحانى، «محمد. م»، بائع بمتجر «الخليل» لبيع فلاتر المياه، إن كل الأنواع فى السوق متشابهة، وأن الفرق فى السعر يكون حسب العرض والطلب وفروقات بين التجار، مؤكداً أن الكثير من الزبائن تشترى مع الفلاتر الأرخص وتنفق مالها بشكل أكبر على الشمع، لأنه هو الضمانة فى نقاوة المياه، قائلاً: «السوق فيه مضروب كتير، وبياناته مش كاملة، بس فى النهاية الزبون بيقول لك أنا بشترى حاجة بشوف نتيجتها وهى بتشيل رواسب قد إيه بعنيا، فالزبون مش محتاج ماركة بقى، لأنه هيغير الشمعة كل شهر ولا اتنين، والناس برضه الله يعينها على المصاريف»، مشيراً إلى أن بعض الزبائن يفضلون الشمعة الواحدة «الإنجليزى» وهى طبقة من الفخار تنفى المياه، ولا يتم تغييرها بل غسلها كل فترة بعد أن تجمع الرواسب، لافتاً إلى أن الفكرة جاءت من استخدام الناس فى العصور الماضية تصفيه المياه بالفخار، وأن سعره بمتوسط 500 جنيه ويتم تغييره كل 6 شهور.
اقرأ أيضًا:
مواطنون عن "فلاتر المياه": "ما نقدرش نستغنى عنها ومجبرون على تغيير الشمعة باستمرار"
أطباء عن "تنقية المياه": الفلاتر لا تمنع البكتيريا والفيروسات.. وتحرم الجسم من المعادن المفيدة