من شباك العزل.. جهاد يراقب والدته المصابة بكورونا: كانت أغلى ما عندي
الأم مصابة بسرطان الدم وتدهورت حالتها في العزل
الشاب الفلسطيني جهاد
تغالب المرض وهو يغالب الوقت، فتقاوم الأم فيروس كورونا ويحاول هو محاربة كل قيود الزمن ليأنس بها، يعد الدقائق على أمل يمر الوقت بسلام حتى تتخلص من أسلاك الأجهزة الطبية الملتفة حولها في غرفة العزل يتحدى الجدران لتراه من نافذة غرفة المستشفى يراقب حالتها الصحية كلما تقلب جسدها النحيل يمينا ويسارا، اطمأنت به وسكن خوفها واستمدت قوتها من وجوده لمواجهة فيروس كورونا، معركة استمرت أسبوعا كاملا قضاه الابن جهاد في انتظار والدته العجوز داخل مستشفى العزل قبل أن ينتصر المرض على أمه بالنهاية وترحل روحها راضية عنه إلى حين لقاء آخر في جنات الخلد.
قبل 12 يوما أكدت نتيجة المسحة الطبية إصابة الحاجة رسمية السويطي البالغة من العمر 83 عاما بفيروس كورونا المستجد، سرعان ما خصص لها ابنها الأصغر جهاد السويطي غرفة خاصة للعزل في بيته أقام معها بداخلها لرعايتها، حتى تدهورت حالتها واضطر نقلها إلى مستشفى الخليل الحكومي لتلقي العلاج اللازم هناك، أبى أن يتركها وحيدة بين قيود الأجهزة الطبية، فهو الأقرب لها من بين أبنائها، بحسب وصفه لـ"الوطن" أقام معها بغرفتها في معزل عن العالم لايتوقف لسانه عن الدعاء لها، على أمل أن تنتصر بإرادتها على المرض.
في سكون الليل وفي الساعات الأولى من الصباح، اعتاد ابن منطقة بيت عوا بالخليل الفلسطينية، الجلوس على حافة نافذة غرفة والدته بمستشفى العزل، يتخذ من ذلك المكان الضيق متنفسًا يتحسس به نسمات الهواء العابرة، يشغل وقته بالنظر على المارة دون أن يغفل عن متابعة حالة أمه، "كنت بطلع أقعد على الشباك وأراقب أرقام الأجهزة الطبية وأطمن عليها، كل يوم بقول لنفسي بكرة بتطلع معي" لم يتخيل أن يعد إلى بيته دونها أبدا، بحسب تعبيره.
جهاد: لا أعرف من التقط لي الصور من المستشفى ولم أفعل شيئا غريبا
مشهد انتظار الابن لوالدته الثمانينية من نافذة غرفة مستشفى العزل التقطه أحد العاملين بالمستشفى وتم تداوله بشكل واسع على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي دون علمه من التقط له الصور وفي أي ليلة من أيام إقامته مع والدته، لم ير فيما فعله شيئا غريبا، "دي أمنا لو تطلب أرواحنا تكون رخيصة عليها".
رغم كونها أمية لا تجيد القراءة ولا الكتابة، لم يخل بيت الجدة رسمية الأم لستة رجال وثلاث فتيات والجدة لعشرات الأحفاد في أعمار متفاوتة، من الجيران والزائرين، يحب الجميع مجالستها والاستماع إلى أحاديثها التي لا تخلو دائما من حكايات النضال الفلسطيني، لا يدري الأبناء من أين جاءت العدوى تحديدا إلى أمهم، "راعيناها من أول يوم لكن إصابتها بسرطان الدم دهورت حالتها"، بحسب رواية الابن الأصغر.
الهاتف المحمول الخاص بالابن جهاد لم يسكن طوال إقامته مع أمه بالعزل، يحدثه أطفاله الصغار يطمئنون منه على جدتهم الأقرب إلى قلوبهم، "كل يوم ولادي يقولوا ارجع وهات جدتنا معاك"، يعدهم كل يوم أن يعد بها في الغد حتى استفاق أول أمس على سكون تام يخيم أرجاء غرفتها، توقفت أصوات الأجهزة الطبية وفشلت محاولات الأطباء لإنعاشها ووقف لأول مرة مكتوف الأيدي ينظر إليها بجسد منهك غلبه الحزن، يدعو لها بالرحمة.
ليست المرة الأولى التي يختطف فيها سرطان الدم أحد أفراد أسرة الشاب الثلاثيني، فوالده توفي بالمرض نفسه قبل 17 عاما، "أحتسب أمي شهيدة هي ماتت بالسرطان وكوفيد 19 كمان"، بحسب وصفه.