"هاني" يجد طوق نجاة زوجته ورضيعته في "شفاء": حضَّانات ورعاية مجانية
12 ساعة كاملة حملت بين طياتها مشاعر الخوف والقلق والانتظار ظهرت جميعها على ملامح وجه رجل أربعيني فبينما ترقد زوجته طريحة الفراش على أحد الأسرة بمستشفى أبو حماد المركزي تعاني من آلام الولادة بدأ يجوب أرجاء المستشفى في حركة سريعة ومضطربة يبحث عن حضانة لطفلته التي لم يكتمل نموها وتبكي في انتظار فرصة تنتشلها من خطر الموت حتى وجد طوق النجاة في مركز شفاء للأطفال حديثي الولادة "الخيري" في مدينة القنايات دون أن يتحمل أي نفقات.
المشهد بدأ بولادة الطفلة في الثانية ظهرا وبعد دقائق تلقى "الأب" كلمات صادمة" بنتك لازم تدخل حضانة ومفيش مكان في المستشفى .. حالتها صعبة وممكن تموت" ويروي"هاني سليم" 43 عاما، معاناته قائلا: "شعرت أن الدنيا تضيق في عيني ولم يكن أمامي سوى اللجوء إلى الله عز وجل ثم بدأت أتردد على المستشفيات القريبة أبحث عن حضانة شاغرة "دون جدوى" فاضطررت لنقلها إلى حضانة خاصة ليخبرني موظف أن تكلفة الليلة الواحدة 3 آلاف جنيه وبمساعدة بعض المقربين تمكنت من استلاف مبلغ 2000 جنيه وقمت بتسديدهم في الحسابات".
وتابع: توجهت إلى مديرية الصحة بمدينة الزقازيق وبعد تسجيل كافة البيانات وتقديم التقارير الطبية أخبرني موظف بأنه لا يوجد مكان في أي مستشفى ثم أخبرني بأن أتوجه إلى مركز شفاء للأطفال حديثي الولادة بالقنايات وهو مركز خيري لتوفير الحضانات مجانا للأطفال بنسبة 100%.
وأضاف: توجهت على الفور إلى مقر المركز بمدينة القنايات وكانت عقارب الساعة تشير إلى العاشرة مساء ولكنني لم أجد حضانة شاغرة فطلب الموظف ترك البيانات على أن يتصل بي في أقرب وقت وبعدما عدت إلى مستشفى أبو حماد للاطمئنان على زوجتي وطوال الطريق الذي قطعته في نحو ساعة ونصف من القنايات إلى أبو حماد لم يهدأ التكفير ببالي وأردد سؤال واحد" كيف سأدبر تكلفة الحضانة الخاصة إذا استمر الحال كما هو".
وتابع: " في الساعة الواحدة والنصف ليلا تلقيت مكالمة من الدكتور حسن البنا خضر "مدير مركز شفاء" يطلب مني إحضار الطفلة بعد توفر حضانة ". ومضى قائلا : " كان الاتصال بمثابة طوق نجاة واحتجزت الطفلة بالحضانة لمدة 10 أيام مجانا وقبل أن تستلم زوجتي الطفلة أجرى المركز فحوصات وأشعة لها مجانية للتأكد من أنها بصحة جيدة وتستطيع رعاية الطفلة". واختتم الرجل الأربعيني قائلا: " بنتي ربنا نجاها من الموت وجعل المركز سبب في ذلك".
بمجرد أن يصل أي شخص مدينة القنايات يستطيع الوصول إلى المركز دون عناء وكأن قدماك باتت تعرف الطريق إليه فالجميع يعرف صغارا أو كبارا كما امتدت شهرته إلى خارج نطاق محافظة الشرقية حيث يتوافد عليه أهالي الأطفالي من عدة محافظات.
"الهدف من المركز مساعدة الأهالي البسطاء الذين يحتاج أطفالهم لحضانات والخدمة مجانية خالصة لوجه الله " بتلك الكلمات بدأ الدكتور " حسن البنا خضر" 68 عاما أستاذ طب الأطفال بقسم الأطفال بكلية الطب بجامعة الزقازيق والمدير الإداري والفني للمركز حديثه لـ"الوطن".
وتابع قائلا: " المركز تم إنشائه عام 2012 على مساحة 700 متر ويضم 35 حضانة يعمل منهم 24 والباقي احتياطي حيث يتم تغيير الحضانة كل يومين أو 3 أيام للطفل حسب وزنه" مشيرا إلى أن الأرض ملك له - ورث عن والده - وأنه و4 من أصدقائه تحملوا تكلفة الإنشاء وتزويد المركز بالأجهزة الطبية اللازمة بتكلفة تجاوزت نحو 10 ملايين جنيه. مضيفا أن نفقات المركز رواتب للأطباء والتمريض والموظفين والكهرباء والمياه شهريا حاليا تبلغ نحو 300 ألف جنيه يدفعهم وأصدقائه.
وأوضح: أنه في البداية تم تشغيل المركز بـ 15 حضانة مزودين بكافة الأجهزة مثل التنفس الصناعي والمونيتور وغيرها كما تطوع بعض الأطباء للعمل مجانا، وتم استقبال حالات من داخل مراكز الشرقية وخارجها مثل المنصورة والخانكة والقاهرة وبنها وميت غمر والإسماعيلية وغيرها وبعد ذلك تم زيادة عدد الحضانات خاصة في ظل التنسيق مع مديرية الصحة لاستقبال أي حالات لا تتوفر لها أماكن شاغرة في المستشفيات. مؤكدا أن الحضانات دائما تكون شاغرة ويتم استقبال حالات على قوائم الانتظار والتواصل معهم مباشرة فور توفر أماكن واستقبال أطفالهم.
وأشار إلى أن المركز يتكون من عدة طوابق مخصصة للأمن والإدارة والحضانات وقطاع المغسلة والتعقيم ومركز للغسيل الكلوي تم تجهيزه منذ نحو عام واستخراج التصاريح من الوزارة ومن المقرر تشغيله خلال الشهر القادم بعد إنهاء كافة الإجراءات لافتا إلى أنه يضم 12 ماكينة غسيل كلوي و4 ماكينات احتياطي. كما يوجد عناية مركزة . بخلاف معمل متكامل يخدم المركز والحالات البسيطة التي يتم تحويلها من المستشفيات أو العيادات الخاصة".
وفي ظل أزمة كورونا قال الدكتور"حسن" أنه تم اتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية واستقبلنا بعض حالات اشتباه كورونا لأطفال أنجبتهم سيدات مصابات بالفيروس وتم التعامل مع الحالات في منطقة عزل وفقا للإجراءات الاحترازية المتبعة.
"البركة في الرزق والقليل اللي ربنا بيبارك فيه مبيخلصش" جملة تحولت تدريجيا لمبدأ يلتزم به الدكتور "حسن" منذ تخرجه من كلية الطب مشيرا إلى أن سعر الكشف بعيادته 25 جنيه ولم يفكر في رفع السعر طيلة سنوات عمله. ويوضح الطبيب الستيني الذي ملأ الشيب رأسه: " بدأت حياتي طبيب بسيط لأسرة متوسطة الحال ولكنني وجدت نفسي مهمموما بمساعدة المرضى البسطاء والمستحقين فقررت تحديد سعر مخفض للكشف والانخراط في الأعمال الخيرية وعلى الرغم من ذلك أجد البركة دائما في أي رزق ".
وأكد الدكتور"حسن" أن منظومة الحضانات بمحافظة الشرقية تحتاج لإصلاح خاصة أن الأجهزة متوفرة بينما يعزف بعض الأطباء في المستشفيات الحكومية عن تشغيلها. قائلا:" لا بد من دعم شباب الأطباء والتمريض ماديا حتى يتسنى تطبيق مبدأ الثواب والعقاب ومن يتقاعس عن عمله يتم محاسبته ".
وأضاف: "لا بد أن تشكل مديرية الصحة لجنة خاصة مستقلة لمناقشة تطوير العمل داخل الحضانات والتعاون مع الجامعة للإشراف الطبي والفني على المستشفيات الحكومية وتسهيل جميع الإمكانيات للأساتذة لوضع منظومة للعلاج داخل المستشفيات " بالإضافة للتفتيش على المراكز الخاصة والتأكد من استيفاء الشروط والمساهمة في استقبال نسبة من الحالات مجانا". في إطار الحرص على المشاركة المجتمعية وتخفيف الأعباء عن كاهل البسطاء.