إبراهيم حجازي يكتب: إن كانت الثغرة انتصارا.. لماذا تركوها؟
إبراهيم حجازي
الحفاظ على رموزنا من حرب التجريف والإبقاء على الإنجازات فى دائرة الضوء واجب وطنى على كل مصرى فى مواجهة الحرب الإعلامية العدائية الرهيبة المعلنة على مصر من بعد ثورة 30 يونيو.. والتى هدفها الوحيد التشكيك فى كل ما هو إيجابى فى مصر من رموز وأحداث وإنجازات.. فى ماضينا وحاضرنا لأجل ألا يكون للمستقبل وجود.. وعليه!.
مسئولية كل من يعرف أن يقول ويوضح ويؤكد لأبنائه وجيرانه وكل من لا يعرف!.
ولأننا فى شهر أكتوبر، ولأن حرب أكتوبر لم تسلم من تشكيك التحالف الإخوانى الصهيونى، ولأننى عشت وعايشت وشاركت فى هذه الحرب.. وبانتهائها شرفت بالعمل الإعلامى صحفياً وإعلامياً.. فقد عاهدت الله أن أكون واحداً من حراس الإيجابيات، بالإبقاء على كل ما هو إيجابى، رمزاً وحدثاً وإنجازاً، فى دائرة الضوء التى هى واجبى ومسئوليتى وعملى ورسالتى.. بأن أوضح على الدوام للأجيال الجديدة الحقيقة فى مواجهة «طفح» الأكاذيب الإخوانية الصهيونية بأموال قطرية!.
أتكلم اليوم عن أكذوبة أطلقوها وصدقوها وهم أول من يعرف أنها أكذوبة مفضوحة منذ 47 سنة وليس اليوم!. كلامى لشبابنا ليعرف الحقائق ويوضح بدوره لمن لا يعرف الحقيقة!. كلامى لنا ولأهالينا لتطمئن قلوبنا وليس لأعدائنا لأنهم يعرفون تماماً الحقيقة!. كلامى عن «حدوتة» الثغرة التى تتشدق قنوات الإخوان بأنها الدليل على انتصار إسرائيل وهزيمة مصر فى حرب أكتوبر!.
أتكلم عن الثغرة بحكم وجود لواء المظلات الذى أخدم فيه ضمن الوحدات العسكرية التى تم تكليفها بحصار وتصفية الثغرة وفق الخطة «شامل» وهذه الوحدات مدرعات ومشاة وصاعقة ومظلات، ومن أول يوم بعد 22 أكتوبر أحكمت حصارها الرهيب لذلك الشريط الموجود فى الغرب من الدفرسوار شمالاً إلى الأدبية جنوباً بطول 60 كيلومتراً وعرض يتراوح ما بين 6 و8 كيلومترات!. ومن أول يوم بعد 22 أكتوبر بدأت حرب الاستنزاف الثانية لمدة 80 يوماً شهدت 452 إغارة عليهم واشتباكاً معهم!. لم يمر يوم منها دون إغارة منا عليهم وخسائر لهم.. والتعليمات وقتها مشددة بأن تبقى هذه الحرب بدون إعلان.. لأن القيادة لا تريد اتهامنا أمام العالم بأننا من يخرق هدنة وقف النيران!. الأهم المطلوب تنفيذه ألا يشعر العدو للحظة بالأمن والأمان.. والحقيقة أنه لم يشعر بهذا بعد اكتشافه أن قواته فى الغرب فى الأسر عند القوات المصرية!.
لكى نعرف حقيقة «تمثيلية» الثغرة لا بد أن نتعرف على الأهداف الستة التى أعلنها العدو وقت نجاحه فى الاختراق غرباً.. وهذا النجاح كان انتصاراً فى معركة ضمن 64 معركة شهدتها حرب أكتوبر.. انتصرنا فى 80% منها والعدو فى 20%، والاختراق والوصول إلى الغرب واحد من انتصاراته.. ولكن!. هل حقق العدو أى هدف من أهدافه الستة؟ كل ما حققه العدو وقتها أنه حوّلها إلى عملية دعائية يغطى بها على فشله فى التقهقر أمام الجيش المصرى المتقدم فى سيناء والناسف لنظرية الحدود الآمنة بعد اقتحامه للقناة وتمزيقه للساتر الترابى واحتلاله لخط بارليف وتقدمه فى سيناء إلى عمق من 12 إلى 15 كيلو وسيطرته على كل متر أرض حرره وفشل العدو فى زحزحته شبراً واحداً!.
انتصار واضح.. أكتفى بشهادة كيسنجر وزير خارجية أمريكا المتعصب لإسرائيل أكثر من بن جوريون مؤسسها!. كيسنجر يوم 9 أكتوبر قال والكلام، لمن يريد الطمأنة، موجود فى مذكراته: لقد حقق العرب نصراً استراتيجياً فى الشرق الأوسط دون النظر إلى النتيجة النهائية للحرب.. وأصبح هناك وضع جديد.. ولن تعود العجلة إلى الوراء!.
طيب.. إن كانت هذه شهادة مهندس السياسة الأمريكية واعترافه الصريح بانتصار العرب.. لماذا لجأت إسرائيل إلى خطة «القلب الشجاع» التى تستهدف الاختراق والوصول إلى غرب القناة؟. لكى نعرف لا بد أن نتعرف على المناخ العام وقتها عند العدو!.
الحالة المعنوية فى إسرائيل منخفضة جداً.. من زلزال 6 أكتوبر ومما حدث يوم الاثنين الحزين.. وهم من أطلقوا على يوم 9 أكتوبر ذلك.. لأنه اليوم الذى تحطمت فيه أسطورة الجيش الذى لا يُقهر!.
ملاحظة: الكلام عما حدث يوم 9 أكتوبر يحتاج إلى مقالات لا مقال!. باختصار.. خطتهم التى وضعت أمريكا معالمها وأرسلتها مع وفد عسكرى رفيع إلى إسرائيل وهذه اعترافاتهم فى مذكراتهم!. الأهم هنا الإشارة إلى القناعة التامة لأمريكا بأن إسرائيل ستنهى الحرب قبل أن تغرب شمس 8 أكتوبر.. مع الهجوم المضاد الذى ستقوم به ثلاث فرق مدرعة.. خطتها تحطيم أى قوات تعترضهم إلى أن يصلوا القناة ويعبروا للغرب ويحتلوا الإسماعيلية والسويس.. وبعدها مجلس الأمن يوقف الحرب، وإسرائيل تملى ما تراه من شروطها!.
الشىء الوحيد الذى تحقق فى هذه الخطة هو قيامهم بالهجوم المضاد، وبعد ذلك! «عينك ما تشوف إلا النور»!. أكبر مذبحة للدبابات شهدتها حرب!. مئات الدبابات تدمرت، والمئات من جنود العدو قُتلوا، والمئات أُسروا، وأولهم العقيد عساف ياجورى قائد أحد ألوية المدرعات!. زلزال 6 أكتوبر والاثنين الحزين انعكست آثاره على مواجهتين!.
الأولى: عند زيارة رئيس الدولة لمركز العمليات الإسرائيلى واجتماعه بالقادة وقوله لهم: عليكم أن تدفعوا ثمن غروركم.. ولا أعرف كيف ستواجهون شعب إسرائيل بعد ما حدث!.
الواقعة الثانية: هى ملخص لتعبير جولدا مائير عن الموقف وهى تتكلم تليفونياً مع الرئيس الأمريكى نيكسون ومطلبها بتعويض خسائر إسرائيل فى السلاح والمعدات وقولها بالحرف الواحد: لا أعرف كيف سأواجه عائلات القتلى الكثيرين فى الحرب!.
الحال الذى وصلت إليه الأمور فى إسرائيل إلى الحضيض معنوياً كان الدافع إلى تنفيذ خطة القلب الشجاع التى تستهدف الوصول إلى غرب القناة، بما يعطى للشعب الإسرائيلى انطباع النصر والانتصار.. فهل حدث فعلاً ذلك؟. تعالوا نعرف الإجابة من الأهداف الستة التى أرادها العدو من هذا الاختراق!.
1- السيطرة على الضفة الغربية للقناة.
2- احتلال السويس والإسماعيلية يوم 18 أكتوبر.
3- عزل الجيشين الثانى والثالث وقطع خطوط إمدادهما القادمة من الغرب بعد ضرب احتياطى الجيشين.
4- توجيه ضربات للجيشين من غرب وشرق القناة بعد إتمام حصارهما.
5- إجبار القيادة المصرية على سحب بعض قواتها من الشرق بما يخلخل تمركزها.
6- حلم العدو فى التوجه نحو مشارف القاهرة بقواته.
تلك كانت أهدافهم وفقاً لخطة «القلب الشجاع».. التى على أرض الواقع لم يتحقق هدف واحد منها.. والذى حدث ووقع ولم يكن يخطر على بالهم أنهم بدلاً من حسم الحرب أطالوا زمن الحرب وهذه كارثة لهم وعليهم! وأنهم ذهبوا بأرجلهم إلى أفضل مساحة أرض.. ساعدتنا ومكنتنا من إحكام قبضتنا عليهم وحصارهم!. «ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين»!. الثغرة التى اعتبروها إنجازاً وانتصاراً أغلب أرضها هضاب، وعندما أُعلن وقف إطلاق النيران يوم 22 أكتوبر اكتشفوا.. وبعدها ذهلوا وارتعبوا.. بسبب التداخل الهائل بين قواتنا وقواتهم!. الموقع الذى كنت موجوداً فيه بمنطقة اسمها أم كتيب وكلها هضاب ومرتفعات وبها موقع كتيبة صواريخ مصرية تحركت إلى الشرق وتركت مؤخرة من جنود الحراسات.. القاعدة التى تحركت صواريخها وراداراتها وأجهزتها وضباطها وجنودها إلى الشرق.. احتل العدو جزءاً من مبانيها وقوات لنا فى الجزء الآخر.. وهكذا فى أغلب مساحات الثغرة.. وهذا التداخل حرم العدو من إقامة السواتر والتحصينات التى يشيدها حوله.. وتلك المسألة جاءت على هوانا وسهّلت الأمور أمامنا فى حرب الـ80 يوماً «استنزاف»!. يومياً نوقع خسائر بقواتهم ومعداتهم.. والأهم!.
تداخل القوات هذا حدد طبيعة ومعالم المعركة القادمة.. لا طيران مطلقاً فيها، ولا دبابات فى المناطق الجبلية.. يعنى هى معركة رجل لرجل.. وهذا هو الرعب الذى عاشوه وباتوا على استعداد لقبول أى شىء ولا تقوم هذه المعركة!. الصهاينة لم يحتلوا متر أرض من 1948 وتركوه!. بعد أن تورطوا فى الثغرة.. فوّضوا كيسنجر أن يجد مخرجاً لإنقاذهم من هذه الثغرة!. قبلوا الانسحاب من الثغرة بل من كل سيناء.. مقابل ألا تنفذ مصر الخطة «شامل» لتصفية الثغرة!.
كيسنجر ترك أمريكا وأقام فى أسوان إلى أن توصل مع الرئيس السادات إلى اتفاق وقف النار بعد مفاوضات بالغة الصعوبة.. كيسنجر خلالها قالها «وش»: لو نفذت مصر الخطة «شامل».. أمريكا ستدخل هذه الحرب مع إسرائيل!.
فى يناير 1974 أُعلن وقف إطلاق النار ومعه تعليمات صريحة لنا بمحاكمة من يخرق هذا القرار!. والله العظيم بكينا.. لأننا على يقين أن أحداً من قواتهم فى الثغرة لن يخرج على قدميه فيما لو صدر قرار تصفية الثغرة!.
أقول لشبابنا: حرب أكتوبر قضت على أسطورة جيش إسرائيل الذى لا يُقهر.. ووضعت إسرائيل فى حجمها الطبيعى، وأقنعتها بأنها ليست القوة الوحيدة فى المنطقة، وأن العرب ليسوا جثة هامدة كما تدّعى!. تلك هى الحقيقة، ومن عنده ذرة شك يقرأ مذكرات الجنرال جونين قائد جبهتهم معنا وهو يقول فى مذكراته: كنا نأمل أن يكون دخول السويس هو النجاح الكبير فى الحرب.. لكن سرعان ما تبين أنه كان أسوأ ختام للحرب!.
تحية إلى جيش مصر العظيم فى الأمس واليوم والغد وكل غد بإذن الله.