إبراهيم حجازي يكتب: أنا الشعب لا شيء أعجزه!
إبراهيم حجازى
أنا الشعب أنا الشعب لا أعرف المستحيلا.. ولا أرتضى بالخلود بديلا.
هذه الكلمات واحدة من أبيات قصيدة على باب مصر التى كتبها العبقرى كامل الشناوى.. وحولها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب إلى نشيد وطنى صالح لكل وقت ومكان تشدو به كوكب الشرق أم كلثوم.
النشيد الوطنى العظيم يبدو أنه خرج من الخدمة الإعلامية، رغم وجود عشرات القنوات الإذاعية والتليفزيونية عندنا!
النشيد الوطنى الذى أحالته غفوتنا إلى الاستيداع ظهر فى الستينات معبراً عن لسان حال الشعب فى تحديه لمقاطعة أمريكا ودول العالم تمويل بناء السد العالى، واتهامها لنا كشعب بالعجز.. ومرت الأيام وبنينا السد فى الستينات.. وجاءت السبعينات حاملة أكبر تحدٍّ يمكن أن يواجهه شعب! هزيمة معها احتل العدو سيناء، وراح ينادى بحقه فى نصف القناة التى بات يطل عليها من الشرق!
كل خبراء العسكرية بالعالم وقتها أكدوا عن يقين استحالة التفكير فى أى حرب قبل 30 أو 40 سنة.. لاستحالة أى جيش أن يجتاز الموانع الثلاثة الموجودة.. أولها قناة السويس كمانع مائى لم تشهده حرب من قبل، وثانيها الساتر الترابى المرتفع إلى ما يعادل عمارة خمسة أدوار بمواجهة 170 كيلومتراً وثالثها خط بارليف أقوى خط دفاعى فى تاريخ الحروب.. ولمَ لا يكون وهو 31 نقطة قوية.. كل نقطة مساحتها 4 آلاف متر مربع تحت وفوق الأرض.. وهى قلعة عسكرية مجهّزة ضد أى قصف من أى نوع وغير قابلة للاستسلام أياً كان نوع الحصار لها!.
ودارت الأيام، وأثبتت لنا أن نشيد الستينات الوطنى ممتد الصلاحية.. وأن الشعب المصرى بحق وعن حق لا يعرف المستحيل!. فى رحم أسوأ هزيمة زرع بذرة أعظم انتصار! الشعب رفض الاستسلام.. ليس كلاماً وإنما أفعال! ربط طواعية على بطنه حزاماً من حديد، متقبلاً إعلان الدولة عن تقشف حرب! كل قرش للعتاد والسلاح! الشعب قدم من أبنائه مليوناً و300 ألف مقاتل لجيشه.. جيش مصر!. الشعب يقدم كل ما يقدر عليه للمجهود الحربى!.
الأهم من كل هذا وذاك.. اليقين التام للشعب فى قدرة جيشه على تحرير الأرض!.
وفعلاً.. الشعب الذى لا يعرف المستحيل قهر المستحيل فى أكتوبر 1973، والمليون و300 ألف مقاتل.. أبناء الشعب فى جيش مصر اقتحموا أصعب مانع مائى وأهالوا أعلى ساتر ترابى وأسقطوا أعظم خط دفاع!
النشيد ثبت أنه أصدق مرآة، يرى ويسمع الشعب نفسه فيها.. وأم كلثوم تواصل وتقول:
وصاح من الشعب صوت طليق.. قوى، أبى، عريق، عميق.
كامل الشناوى فى آخر أربع كلمات يشير إلى الزعيم عبدالناصر الذى وعد ببناء السد.. وفعلاً بنى السد.. وكل الذى قاله أنجزه!.
أربع كلمات أشارت إلى أعظم الإنجازات.. جلاء الإنجليز وتأميم القناة فى الخمسينات.. وبناء السد العالى فى الستينات!. ومرت الأيام والنشيد العظيم صلاحيته ممتدة لأكثر من 60 سنة والشعب الذى قالوا عنه عاجز، لا شىء أعجزه.. أسقط الإخوان بعد حكم سنة!.
مصر فى وقت هو الأصعب.. ولأنها فى معيّة الله الذى طل عليها بصوته ونوره العظيم.. أعطى سبحانه وتعالى الحكم لمن يقدر على هذه المسئولية الهائلة فى تلك الفترة العصيبة، ليحقّق فى ست سنوات معجزات أعادت مصر إلى مكانها ومكانتها العالمية، وهى التى كانت محاصرة ومقاطعة من أغلب دول العالم!.
مشروعات فى كل الاتجاهات.. كهرباء وطرق وكبارى وأنفاق وإسكان.. فيها عمارات لأهالينا البسطاء، وفيها القضاء على الوحش الذى كان ينهش أكباد المصريين.. فيروس C!. كل ما تعهد به وما لم يفصح عنه الرئيس السيسى فى 2014 حقّقه فى السنوات الست.. أليست هذه الحقيقة هى واقع النشيد الوطنى الممتدة صلاحيته ثلاثة أرباع قرن، والقائل:
أنا الشعب لا شىء قد أعجزه.. وكل الذى قاله أنجزه!.
كل ما أتمناه اليوم وكل يوم أن نتعامل مع الأعمال الفنية الوطنية، على أنها تجسيد عراقة شعب وشجاعة جيش.. لا مجرد أعمال نتذكّرها كل سنة إن تذكرناها!.
لأن الشعب الذى لم يعرف المستحيل فى العدوان الثلاثى وفى معركة السد العالى ويونيو 1967.. قهر المستحيل فى أكتوبر 1973، وعاد بعد 40 سنة وقهر المستحيل الذى كان مستحيلاً الاقتراب منه.. أسقط حكم الإخوان بـ30 مليوناً فى الميادين فى 30 يونيو 2013، ونجح بامتياز فى معركة بناء مصر من أول وجديد.. وامتياز آخر فى حرب إصلاح الاقتصاد.. وامتياز مع مرتبة الشرف فى تحمل أصعب مرحلة إصلاح وبناء!.
الشعب العظيم الذى لا يعرف المستحيل.. يتعرّض من سنين لأجيال الحروب الجديدة، ومن بعد 30 يونيو لأقذر حملة إعلامية عدائية.. نصف ميزانية قطر مخصصة لها!. فضائيات ووكالات أنباء وصحف عالمية دهست على المهنية مقابل الدولارات.. وفوق هذا وذاك عالم السوشيال ميديا الافتراضى.. الذى عليه ملايين البشر المحكومين بسلوك الجمهرة!. واحد يشتم والكل يشتم وراه!. واحد يقول كلام.. الكل يِشَيَّر دون إدراك معناه!. أى تنظيم إرهابى يصور فيديو لأجل أن يراه أكبر عدد من البشر.. أغلبنا بل فضائياتنا تتسابق لنشره وإذاعته!.
المطلوب وفوراً ألا نكون رد فعل للحرب الإعلامية القائمة ضدنا!
قادرون نحن أن نسبق خطوة ونكون الفعل لا رد الفعل!. أول خطوة على هذا الطريق جعل إبداعاتنا الثقافية والفنية والأدبية حاضراً مشرقاً لا يغرُب أبداً.. ليبقى فى عقولنا وصدورنا وآذاننا ما يستحيل نسيانه:
أنا الشعب أنا الشعب لا أعرف المستحيلا.. ولا أرتضى بالخلود بديلا!.