دينا عبد الفتاح تكتب: التصنيع في أفريقيا
دينا عبدالفتاح
يحتفل العالم يوم الجمعة المقبل الموافق 20 نوفمبر بيوم التصنيع فى أفريقيا، لدعم جهود التنمية المستدامة والتصنيع فى القارة السمراء.. وبدأ احتفال العالم بهذا اليوم فى 1989 عندما أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مراسم الاحتفال به.
ويعتبر التصنيع فى أفريقيا بمثابة وسيلة فعالة لتغيير واقع الحياة فى القارة بأكملها، بعد أن اعتمدت لسنوات طويلة على الأنشطة الزراعية البسيطة غير المتطورة.. وافتقدت التركيز على الصناعة التى تمثل أعلى قيمة مضافة فى الأنشطة الاقتصادية المختلفة.. وهو الأمر الذى دفع إلى وجود فارق كبير بين دول أفريقيا والدول الأوروبية والآسيوية المتقدّمة صناعياً.
وتمتلك قارة أفريقيا المقومات التى تؤهلها لإطلاق ثورة صناعية حقيقية.. تتضمّن هذه المقومات المواد الخام، خاصة المتعلقة بالزراعة والتعدين، والعمالة الكثيفة، والسوق الاستهلاكية الواسعة، والقدرات العالية لتوليد الطاقة بالطرق المختلفة، خاصة الطاقة المتجدّدة المعتمدة على الرياح والشمس.
ووسط كل هذه الإمكانيات، ما الذى ينقص قارة أفريقيا لكى تتحول إلى «عملاق صناعى عالمى»؟
أتصور أن القارة بحاجة إلى تعديلات كثيرة حتى تتمكن من خوض التجربة الصناعية والنجاح فيها، بداية من رسم خطة صناعية عامة تقوم على فكرة التركيز على قطاعات فرعية معينة تتوافر فيها المواد الخام وتستطيع العمالة إتقانها مع أبسط برامج التدريب، ويتوجه إنتاجها إلى الاستهلاك المحلى داخل القارة بهدف الإحلال محل الواردات.. بمعنى آخر التركيز على القطاعات التى تتمتع فيها الدول الأفريقية بميزة نسبية أو تنافسية.
كما أن هناك حاجة ملحة لإعادة تنظيم حركة التجارة الدولية فى القارة السمراء من خلال وضع قيود على استيراد السلع الرديئة وتكوين بديل محلى مناسب لها، وتعزيز التجارة البينية القائمة على فكرة التكامل بين الدول الأفريقية وبعضها البعض.. وهو الهدف المذكور نصاً فى أجندة أفريقيا 2063، التى تستهدف تحقيق التنمية المستدامة للقارة السمراء.
ولا بد أن تقوم القارة بوضع قيود جديدة على حركة خروج المواد الخام منها، وتحجيم نفوذ أصحاب المصالح الذين يقومون بفتح قنوات تجارية مع العالم تقوم بالأساس على المواد الخام الأفريقية، لتستوردها بعد ذلك حكومات وشعوب القارة بأضعاف أسعارها.
وفى ضوء تنفيذ الخطة الصناعية، لا بد ألا تقف الدول المتقدمة موقف المشاهد أو المتفرج، ولا تحصر مشاركتها فى دعم القارة بالاحتفال بيوم عالمى للصناعة فى أفريقيا!.. لكنها مطالبة برد جزء من الثروات التى حصلت عليها من القارة السمراء، خاصة إبان الاستعمار الذى نهب ثروات الشعوب الأفريقية، وتم استغلالها فى بناء مجد أوروبا.
وأتصور أن الثورة الصناعية فى أفريقيا لا بد أن يكون لها قائد، يتسم بالعلاقات الخارجية القوية والتأثير الإقليمى والعالمى الواضح، والصوت المسموع فى المحافل الدولية، وأن تكون لديه خبرة نسبية فى الصناعة تفوق الدول الأفريقية حتى يمكنه رسم نموذج تسير عليه باقى الدول لتحقيق التنمية الصناعية المنشودة.
وتتوافر جميع هذه المقومات فى مصر، باعتبارها أكثر الدول الأفريقية تطوراً فى النشاط الصناعى، وتمتلك شبكة علاقات خارجية قوية، ولديها قيادة سياسية قوية سبقت أن مثلت أفريقيا بنجاح إبان فترة تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى رئاسة الاتحاد الأفريقى فى عام 2019، حيث يعتبر هذا العام أكثر الأعوام تحقيقاً للإنجازات خلال العقدين الأخيرين على مستوى إحداث التقارب الاقتصادى بين شعوب القارة، خاصة بعد دخول اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية حيّز التنفيذ فى 25 مايو 2019.
ولعبت مصر خلال فترة رئاستها للاتحاد الأفريقى دوراً محورياً فى مخاطبة العالم عن قضايا ومشكلات أفريقيا، حيث وقف الرئيس السيسى فى قمة المناخ، مطالباً الدول المتقدمة بتفعيل تعهداتها تجاه دول أفريقيا فى ما يتعلق بالإنفاق على مكافحة التلوث البيئى والاحتباس الحرارى، قائلاً: «ليس من المعقول أن تكون قارة أفريقيا أقل المساهمين فى ظاهرة الاحتباس الحرارى، وفى الوقت نفسه هى أكبر المتأثرين به».
وعلى مستوى القطاع المالى، قادت مصر الدول الأفريقية بإتقان نحو تمهيد الطريق نحو بورصة أفريقية موحدة، وبنك مركزى أفريقى، وعملة موحدة.
وفى ضوء كل ما سبق، أرى أن مبادرة التكامل الصناعى والثورة الصناعية الأفريقية لا بد أن تخرج من مصر، ولا بد أن تكون هناك مظلة تجمع الدول الأفريقية على أرض مصر، للتباحث حول هذا الأمر، واتخاذ خطوة نحو تحقيق حلم أفريقى جديد يقوم على الصناعة الوطنية فى الأراضى السمراء.