ابنة الأديب الراحل: البسطاء في مصر وفرنسا أحبوه .. وكان يكتب للناس لا للشهرة والأضواء
نهى يحيى حقي : ممتنة لاختيار والدي شخصية "معرض الكتاب"
نهى يحيى حقي لـ"الوطن" : ممتنة لاختيار والدي شخصية "معرض الكتاب" المقبل ..وصاحب السوبر ماركت علق صورته بعد رحيله
عبّرت نهى يحيى حقى عن سعادتها لاختيار والدها الراحل الكاتب الكبير يحيى حقى شخصية معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الـ53، مشيرة إلى أن اختيار كبار رموز الحركة الثقافية هو تكريم للجهة المنظمة التى تقدّر المبدعين فى هذا البلد. وأضافت «نهى»، فى حوارها لـ«الوطن»، أن والدها كان يعتز بمصريته وحىّ السيدة زينب الذى وُلد فيه وعاش طفولته به، متحدثة عن أبرز المحطات فى حياة صاحب «قنديل أم هاشم»، وعلاقته مع أبناء جيله من المبدعين، خاصة صداقته مع نجيب محفوظ، مؤكدة أنه «كان يكتب عن الناس فى مختلف أرجاء مصر».
وإلى نص الحوار:
أتمنى أن يلتفت إلى أعماله كتّاب السيناريو.. وأحيِّى وزارة الثقافة على اختيار الكاتب عبدالتواب يوسف
كيف استقبلت قرار اختيار يحيى حقى شخصية معرض الكتاب؟
- ممتنة جداً، وأشكر وزارة الثقافة على اختيار يحيى حقى شخصية معرض الكتاب، وأرى فى العموم أن تفكير الوزارة والجهة المنظمة للمعرض فى اختيار أسماء من كبار رموز مصر الذين أثروا حياتنا الثقافية من شأنه خلق حالة من تواصل الأجيال، ويحيى حقى ما زالت أعماله معاصرة وكأنها مكتوبة للأجيال الحالية، فهو كان «سابق عصره»، وسعيدة بتفهُّم الجيل الجديد لدور الأجيال السابقة فى تأسيس أرضية معاصرة من الأدب، سواء يحيى حقى أو معاصروه من رموز الثقافة المصرية، واختيار والدى شخصية معرض الكتاب هو تكريم للجهة التى اختارته، لأن ذلك يدل على أن وزارة الثقافة تقدّر قيمة وقامة رموز الوطن، وأود أن أحيّى الوزارة على اختيار الكاتب عبدالتواب يوسف، أحد رواد قصص الأطفال، وشىء جميل أن يحدث توازن فى المعرض بقامتين متميزتين، والدى يعيش بيننا لأنه حمل «قنديل أم هاشم» يقطر منه ليضىء فى الساحة الأدبية والثقافية لاستنارة البلد.
من لديه حقوق النشر؟ وماذا عن تحويل أعماله للسينما؟
- دار نهضة مصر، وأتمنى أن يلتفت إلى أعماله كتّاب السيناريو، خاصة أن أعماله تصلح لتقديمها فى السينما والمسرح والتليفزيون هذه الأيام.
حدثينا عن يحيى حقى الأب؟
- أنا ابنته الوحيدة، وكان صديقى منذ صغرى وعاش معى طفولتى، فكان يصحبنى فى الحدائق العامة والسيرك وحديقة الحيوانات، فعندما يصحب طفله فى هذه الأماكن يتيح له رؤية عالم آخر، ويشاركنى اللعب فى جميع ألعاب الأطفال، وهو فى الأساس يحب الطفولة، وفى هذه السن كان يرسل لى كثيراً من الكتب المناسبة لسنى كى أقرأها، وعندما كان يخرج معى كان يركب «الحنطور»، ويجلس بجوار الرجل قائد الحنطور، وكان يتحدث إليه إلى أن يتحمس الرجل للغناء له، ويحيى حقى كان دائماً يكتب لا سعياً إلى شهرة ولا أضواء، بل كان يكتب عن الناس فكان شخصية محببة إليهم، سواء من الوسط الثقافى أو من بسطاء الناس فى مصر وخارجها، فقد كانت لديه شخصية عميقة تدخل القلب، بعد رحيله تحدّث عنه كثيرون بكلام طيب، حتى إن «صاحب السوبر ماركت» كان يعلق صورته، وبائعة الورد فى فرنسا قالت لى: «لا أستطيع أن أنسى والدك»، وقال لى الجرسون أيضاً: «يا سلام على والدك أنا مفتقده»، حيث ترك أثراً ليس فى مصر فقط، وكان يحب الاستماع إلى الناس بدون تكلف أو تصنع.
كيف شجعك على الكتابة؟
- حاول اكتشاف موهبتى فى الكتابة فى فترة طفولتى، وكنت وقتها أحب الاستماع إلى بعض المسلسلات الإذاعية البوليسية، ولما بدأت أكلمه عنها، وعندما لاحظ شغفى بأحداثها ورغبتى فى معرفة النهاية، اشترى لى الرواية الأصلية المأخوذ عنها المسلسل لأقرأها، وبالفعل أسعدنى هذا الموضوع جداً، فقد انتهيت من قراءة الرواية ومعرفة الأحداث قبل انتهاء حلقات المسلسل، وكنت أسبق الجميع الذين يتابعون معى الأحداث، وهو ما جعلنى أتصل بالكتاب بعد ما كنت أكتفى بكتب وقصص الأطفال، أما عن الكتابة فكان يقول لى مثلاً عندما أسافر الإسكندرية، اكتبى يومياتك بالتفصيل هناك، وأنا كنت سعيدة بهذا الموضوع، وكان يشجعنى على طرح الأسئلة، فكانت تسعده رغبتى فى البحث والمعرفة، وأنا عملت مذيعة وكتبت قصة مسلسل «اللقاء الثانى».
ما تأثير الأصول التركية عليه؟
- بعيدة جداً عنه، ولم تظهر على الإطلاق، وكان «يزعل» لما يتم الإشارة إلى أصوله التركية، وهو معجون بأرض هذا البلد، وعمل معاون إدارة فى منفلوط، وكتب كتاباً مهماً بعنوان «خليها على الله» عن ذكرياته هناك، و«دماء وطين» قصص قصيرة، فتناول الصعيد والوجه البحرى بعمق فى أعماله.
حدثينا عن علاقته مع نجيب محفوظ؟
- يكفى أن أقول لك إن نجيب محفوظ كان من أوائل المستقبلين لعزاء يحيى حقى، وكان واقفاً بجوار أسرته وزوجى كأنه فرد من عائلته.
ما أبرز الذكريات التى تعتزين بها؟
- عندما قامت حرب أكتوبر، وكان يعالج فى فرنسا على نفقة الدولة، سافرنا فى آخر سبتمبر، وقامت الحرب فكنا نستمع إلى أخبار متضاربة، (وكنا خايفين نصدق إننا انتصرنا) بعد نكسة 67، فذهب إلى السفارة المصرية، وقال لهم أنا سفير سابق وأنا تحت أمركم، عرفنا الحقيقة، وبعدها قرر العودة إلى مصر، لنكون فى قلب الأحداث، فكانت الرحلة من أصعب الرحلات بسبب انقطاع الطيران، سافرنا من فرنسا إلى ليبيا، ومنها إلى بنغازى ثم مصر بسيارة، ووصلنا إلى مصر، كانت الهدنة قد أُعلنت، وكان الرئيس السادات يتحدث عن النصر فى مجلس الشعب.
علاقة خاصة جمعت والدي بأديب نوبل و«نجيب محفوظ كان أول واحد بياخد عزاه».. وكان يعتز بمصريته
لماذا لا تكتبين عن يحيى حقى؟
- بعد وفاة والدى أصدرت كتاب «رسائل يحيى حقى إلى ابنته»، ويضم رسائلنا المتبادلة، وحالياً أكتب سيرة ذاتية عن نفسى أكتب فيها عن والدى، لأن ربنا أكرمنى أن عشت فى بيئة حفلت بالرموز فى مختلف المجالات، ومن حظى الطيب أن تعرفت من خلال والدى عن قرب على شخصيات كثيرة أدبية وثقافية وفنية، ومن صغرى، من بينهم الأساتذة طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ، وعلى الجانب الآخر كان زوج خالتى طبيباً شهيراً هو الدكتور على المفتى وشقيقه أنور المفتى، بهذه العائلة تعرفت على أم كلثوم وغيرها من من الشخصيات، بخلاف أنه ومن خلال إقامتى لفترة من الزمان فى الزمالك كان فريد الأطرش أحد جيرانى، بخلاف أن جدتى التى ربتنى كانت ضمن الدفعة الأولى التى تخرجت من مدرسة السنية، وكانت على علاقة صداقة بسيزا نبراوى، والماريشالة منيرة صبرى.
ما مصير مكتبته ومقتنياته؟
- كان يعيش فى شقة إيجار فى مصر الجديدة، وبعد وفاته آلت إلى أصحاب العمارة، وكنت أود الاحتفاظ بها وتملكها بشكل قانونى، إلا أنهم رفضوا، ولم أشأ أن أفسد العلاقة الطيبة التى كانت بينهم وبين أبى فى حياته، مع أنى كنت مفتقدة المكان الذى أحبه وله مكانة فى قلبى، حتى أننى وإلى هذه الأيام أحياناً أخرج لرؤية البيت، وذكرياتى معه، أما المكتبة فقد أهداها إلى مكتبة جامعة المنيا فى حياته، يومها كانت الجامعة تنظم احتفالية بذكرى ميلاد الدكتور طه حسين، وكذلك منح الدكتوراه الفخرية لوالدى، وبناء على هذا أهدى للجامعة مكتبته فى الثمانينات، وبعض المقتنيات أهديتها إلى متحف اتحاد الكتاب بالقلعة، تتضمن تمثالاً للفنانة عايدة عبدالكريم وعصاه الشهيرة ولوحة زيتية، وبعض المتعلقات نقلتها إلى بيتى فى الإسكندرية.
هل هناك شوارع يطلق عليها اسم يحيى حقى؟
- سمعت أن هناك أحد الشوارع يحمل اسمه فى المدن الجديدة، وكنت أتمنى إطلاق اسمه على الشارع المولود به فى السيدة زينب حارة «الميضة».
حي السيدة زينب
حى السيدة زينب كان مسقط رأسه، وعاش به طفولته، وبعد السيدة انتقل إلى الحلمية فى شبابه، وتحدّث كثيراً عن منطقة السيدة فى كتاباته باستفاضة ومحبة، وكان طوال عمره متصلاً بالمقام، وعاشقاً لهذا المكان، وكان يصحبنى معه إلى السيدة لتناول الأكلات الشعبية، فقد كان ذوّاقاً للأطعمة الجيدة.