بهاء طاهر.. الغروب الأخير
مثقفون: أهم أديب بعد نجيب محفوظ.. ورحيله خسارة فادحة
بهاء طاهر خلال مشاركته في إحدى الندوات الثقافية السابقة «صورة أرشيفية»
«بهاء طاهر كاتب واضح مسيطر على مادته وأدواته. جديد فى رؤيته ومتفرد فى أدائه. الصدق هو النبرة الأولى التى تصافحك فى سطوره، والتوازن الموضوعى هو العلامة الواضحة التى يقيم عليها بناء نصوصه»، هذه الكلمات رؤية نقدية للناقد الراحل علاء الديب، وصف بها أعمال بهاء طاهر بعد قراءة «الحب فى المنفى».
«بهاء» عالم باذخ الجمال، سواء فيما يخص عالمه الإبداعى أو طبيعته الإنسانية التى لا تنفصل عن كتاباته، إذ نجد بصمة وروح الإنسان صاحب الذوق الرفيع متجلية فى أعماله، وكأنها «نقطة النور» الشفافة المصاحبة حتى لحالات الألم والغربة التى يكابدها شخوصه.
تميُّز بهاء طاهر كمبدع كان إحدى سماته البارزة، حتى قال عنه يوسف إدريس «إنه كاتب لا يستعير أصابع غيره»، كما كان على امتداد حياته مثالاً للمثقف العميق والفاعل. لقاء حضارات وأمكنة وأزمنة ووقائع تاريخية ثرية، وفضاءات متنوعة لنصوص الكاتب الكبير، من الصحراء مروراً بالقاهرة ثم الغربة، إلى بلوغ أعلى مراتب السموِّ على دروب معارج السالكين، تتراوح أعمال الكاتب الراحل، وتشكل كل تلك الملامح نقطة نور تضىء النفس بروعة الخيال الروائى. هكذا عوالم بهاء طاهر تحتاج إلى قراءة متأنية للوقوف على أسباب هذا الجمال، وفهم الشخصيات التى يقدمها، والتفكير فى التساؤلات التى يطرحها فى أعماله. وترصد «الوطن» فى هذا الملف رؤى وشهادات من النقاد والأصدقاء.
عالم الكاتب الراحل مزيج من «الجمال الهادئ»
اتفق عدد من النقاد على أن السمة الأبرز فى عالم الكاتب الكبير بهاء طاهر هى الجمال الهادئ، وتنوع كتاباته، وعلى امتداد رحلته التى قطعها منذ الستينات فإنها تحتوى على سمات متقاربة وملامح متجانسة، تشير إلى نوع من وحدة العالم منذ قصته الأولى الخطوبة.
«عبدالمجيد»: صاحب روح جميلة
وقال الكاتب إبراهيم عبدالمجيد إن بهاء طاهر بالنسبة له معلم وأستاذ لأنه مجدد وكريم مع الجميع، وكان من المغامرين الكبار فى تجديد شكل القصة وليس مجرد شخص يحكى، بل كانت كتاباته تلخص لى كل ما قرأت عن التجريب.
وتابع: «أسعدنى الحظ أن أعرف طريق إذاعة البرنامج الثانى، الذى هو البرنامج الثقافى الآن، ووجدته يُخرج بعض المسرحيات العالمية فأسعدنى الاستماع إليها ووجدته خصص برنامجاً للشباب فأرسلت إليه قصة وأحياناً مقالاً كان يذيعه مع غيره ممن يرسلون إليه ويتحدث عنه، وهكذا حتى التقينا فى زياراتى للقاهرة قبل أن أستقر بها فوجدته إنساناً بسيطاً يستمع إليك ولا يذكر أحداً بسوء، وأحياناً كنا نطلب زيارته لنا فى قصر ثقافة الحرية فى الإسكندرية فيأتى يناقش قصصنا ونسهر سهرة جميلة فى المقهى، أو أحضر إلى القاهرة لتسجيل قصة فى البرنامج الثانى، فألتقى به هناك مع كمال ممدوح حمدى، وشوقى فهيم».
وأضاف «عبدالمجيد»: «التقينا عام 1994 فى باريس فى معرض الكتاب بدعوة من معهد العالم العربى، وكنا حوالى عشرة من الكتاب، كان سعيداً بما أكتب وبعد أن عاد كانت لى زيارة تقريباً كل أسبوع إلى الزمالك أجلس فيها بمقهى عمر الخيام فأجده وهو الساكن قريباً منه فنتحدث فى كل شىء وكان دائماً صاحب روح جميلة».
«حمودة»: لديه نزوع قصصي وروائي
وقدم الدكتور حسين حمودة، الناقد الأدبى، إطلالة على هذا العالم الفريد، بالقول إن عالم بهاء طاهر يبدأ من الاهتمام بالأوضاع العربية الراهنة، بجانب حضور وقائع محددة التواريخ أحياناً، ثم يقيم نوعاً من التفاعل والتجاوب بين هذه الوقائع العامة، من جهة، وحياة الإنسان الفرد من جهة أخرى، ومن الروايات التى أبرزت ذلك «محاكمة الكاهن نن، وخالتى صفية والدير، وواحة الغروب».
وتابع: «من هذه السمات والملامح ما يتصل بالحرية الفنية التى انطلق منها بهاء طاهر، والتى قادت إلى مغامرة متجددة، و«هوية» الكتابة القصصية والروائية، وتجاوز الحدود، وتحتوى قصص كثيرة بمجموعاته «الخطوبة» و«ذهبت إلى شلال» و«لم أعرف أن الطواويس تطير» على نوع من النزوع الروائى، وفى بعض رواياته، مثل «قالت ضحى» و«شرق النخيل»، نجد نوعاً من النزوع القصصى القصير.
وأشار «حمودة» إلى أن هناك وقفات إبداعية متنوعة عند تجارب بعينها، تتراءى فى القلب منها شخصيات تعانى، وتواجه ألواناً من التبعثر والانقسام والاغتراب والانفصام، فى رواية بهاء طاهر «الحب فى المنفى»، وتقدم الشخصيات، خصوصاً الراوى المتكلم، تمثيلاً للعلاقة الأسرية التى تناءت أطرافها وتباعدت عبر الأماكن، وتوزّعت بين الرؤى والاختيارات، وانتهت إلى انقسامات داخل الفرد الواحد، جعلته نهباً للعزلة.
وقال الكاتب عبدالله السناوى: «بهاء طاهر كان صوته منهكاً فى الفترة الأخيرة، وهو صديق منذ سنوات طويلة وكنا نلتقى باستمرار فى مقهى الزمالك وكان هو رائد هذه اللقاءات، التى يحضرها الكثير من المثقفين ورؤساء تحرير الصحف، والخسارة فادحة إنسانياً فهو قيمة ثقافية رفيعة وقيمة إنسانية لا تعوض، وهو أهم أديب عربى بعد نجيب محفوظ فى فن القصة والرواية».
«السناوي»: دافع عن الهوية المصرية
وأكد «السناوى» أن بهاء طاهر قيمة وطنية، فهو ناصرى التوجه، وقد أصبح ناصرياً بعد 1967، انتساباً للوطنية المصرية فى لحظة مقاومة ولحظة ألم، ولم يكن حزبياً، وبالتالى كانت قيمته فى اعتصام المثقفين دفاعاً عن الهوية المصرية بوزنه الأدبى والثقافى وكان مؤشراً لنجاح هذا الاعتصام ضد الإخوان.
وتابع: «هناك علامات مهمة جداً فى عالم بهاء طاهر الروائى، و«الحب فى المنفى» لم يكن أول أعماله لكنه أحد الأعمال المهمة فى تجربته، هناك أعمال أخرى مؤثرة مثل «خالتى صفية والدير»، وكذلك «أنا الملك جئت»، التى أسست لرواية «واحة الغروب»، وكانت أزمة المثقفين وانتصار وخيانة دور المثقف ومبادئه هاجساً دائماً فى كتاباته، والعلاقة بين الشرق والغرب وهى سمات اتضحت فى شخصية بطل واحة الغروب».