«أبو البيئة» محمد القصاص.. صاحب أول تحذير من مخاطر تغير المناخ على مصر
العالم الراحل محمد عبدالفتاح القصاص «أبو البيئة في مصر»
«لو لدينا مثل هذا الرجل، لزرعنا الصحراء»، هكذا تحدث خبراء ومسؤولون بيئيون من دول مختلفة، عن العالم المصري الراحل، الدكتور محمد عبدالفتاح القصاص، المولود في 6 يوليو سنة 1921 بقرية «برج البرلس»، التابعة لمركز بلطيم بمحافظة كفر الشيخ، لأب صياد وصانع لمراكب الصيد، وهو صاحب أول تحذير من غرق مناطق في شمال الدلتا، نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر، كأحد التداعيات الناجمة عن التغيرات المناخية.
هواية مبكرة في جمع أوراق النباتات
التحق محمد القصاص، وهو في الرابعة من عمره، بكُتاب القرية، حيث حفظ القرآن الكريم كاملاً، قبل أن يرسله والده إلى الإسكندرية، ليعيش في بيت عمه، ويتلقى العلم في مدرسة «طاهر بك» الابتدائية، وظهرت هوايته منذ سن مبكرة، في جمع أوراق النباتات المختلفة، وكان يضعها في كراسة خاصة، ثم انتقل للقاهرة، حيث أكمل دراسته في مدرسة العباسية الثانوية.
وفي عام 1944 تخرج «القصاص»، من كلية العلوم بجامعة فؤاد الأول، جامعة القاهرة حالياً، بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وبعد 3 سنوات حصل على درجة الماجستير، وفي عام 1950 حصل على دكتوراه الفلسفة في العلوم البيئية من جامعة «كامبردج» في بريطانيا.
تدرج العالم الراحل في وظائف هيئة التدريس بقسم النباتات بكلية العلوم جامعة القاهرة، من معيد سنة 1944، وأستاذ كرسي النبات التطبيقي سنة 1965، وأستاذ متفرغ سنة 1981، وخلال الفترة بين عامي 1964 و1968، تمت إعارته للعمل كرئيس لقسم النبات بكلية العلوم في جامعة الخرطوم، ثم عمل مديراً عاماً مساعداً للعلوم بالمنظمة العربية للتربية والثقافة بين عامي 1972 و1976، وتم تعيينه عضواً في مجلس الشورى سنة 1980.
أول مدرسة لبحوث البيئة الصحراوية
أنشأ «القصاص» أول مدرسة علمية في مجال بحوث البيئة الصحراوية، تخرج منها عشرات ممن حصلوا على درجتي الماجستير والدكتوراه في مصر والبلدان العربية الأخرى، وتعتبر من مدارس الريادة في هذا المجال على مستوى العالم، وشارك في وضع خرائط البيئة بحوض البحر الأبيض المتوسط، وساهم مع عدد من العلماء، في أثراء معشبة كلية العلوم بالقاهرة بالنباتات، وقام بإهداء جميع الكتب في مكتبته إلى مكتبة الكلية، وتضم العديد من الدوريات العلمية، التي تشمل كل القضايا المتعلقة بالبيئة والنباتات البرية.
شغل عالم النباتات البرية، الذي عُرف بـ«أبو البيئة في مصر»، عضوية العديد من الهيئات العلمية والمنظمات البيئية الدولية، لعل أبرزها الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN)، الذي تولى رئاسته في الفترة من 1978 إلى 1984، كما تولى رئاسة المجمع العلمي المصري، ورئاسة نادي روما، كما كان رئيساً للأكاديمية الوطنية الهندسية للعلوم والآداب.
تقدير وطني ودولي لـ«عاشق النباتات البرية»
حصل الدكتور محمد القصاص على ثلاث درجات دكتوراه فخرية، من جامعة السويد للعلوم والزراعة عام 1985، ومن الجامعة الأمريكية عام 1986، ومن جامعة أسيوط عام 1994، كما حصل على العديد من الأوسمة والجوائز، أهمها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1959، وسام الجمهورية من الطبقة الثانية سنة 1978، وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى عامي 1981 و1983، وجائزة الدولة التقديرية سنة 1982.
لم تقتصر الأوسمة والجوائز التي حصل عليها «عاشق النباتات البرية» على مصر فقط، بل نال تقديراً دولياً بحصوله على وسام «السلم التعليمي الذهبي» من السودان سنة 1978، وجائزة الأمم المتحدة للبيئة سنة 1978، ووسام «الآرك الذهبي» برتبة فارس من هولندا سنة 1981، ووسام «النجم القطبي» برتبة فارس من السويد سنة 1998، والوسام الذهبي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم 1978، وجائزة زايد الدولية للبيئة سنة 2001.
اكتشاف ضفدع مصري باسم «القصاص»
في أكثر من مناسبة، ظل العالم الراحل يردد التحذير من المخاطر المحتملة للتغيرات المناخية، والتي تؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر، مما يتسبب في غرق الكثير من المناطق الساحلية، ومنها مناطق في شمال دلتا نهر النيل، كما يُطلق على نوع من الضفادع اسمه العلمي (Amietophrynus kassasii)، أو (Nile Delta toad)، أي «الضفدع القصاص»، وهو من أنواع البرمائيات المتوطنة في مصر، وسجل لأول مرة عام 1993 في منطقة دلتا النيل، وينتشر بين النباتات المائية مثل حقول الأرز، وله وضع خاص في مصر، لمحدودية مكانه وعدم انتشاره بكثرة، ولوحظ بالفعل حدوث نقص في أعداده خلال السنوات العشر الماضية، وقد سمى بهذا الاسم نسبة إلى العالم المصري الدكتور محمد عبدالفتاح القصاص.
كان الدكتور محمد القصاص من ضمن العلماء الذين ساهموا في إثراء كلية العلوم بجامعة القاهرة بأنواع نادرة من النباتات، وقام بإهداء جميع الكتب في مكتبته الخاصة إلى مكتبة الكلية، وترك العالم الذي رحل عن عالمنا في 21 مارس 2012، متأثراً بإصابته بمرض السرطان، العديد من المؤلفات في علوم النباتات والبيئة، أشهرها «النيل في خطر»، وموسوعة جغرافية باسم «التصحر»، وكتاب «على خطى العشرين»، الذي يتحدث فيه عن سيرته الذاتية.