مدير «العربي للدراسات»: الدول العربية تعيد صياغة رؤيتها الاستراتيجية للعلاقة مع القوى الكبرى
د. محمد صادق
يرى الدكتور محمد صادق إسماعيل، مدير المركز العربى للدراسات السياسية، أن العالم أمام نظام دولى جديد يتشكل لم يعد أحادى القطب تسيطر فيه الولايات المتحدة الأمريكية، بل هو عالم متعدد فيه قوى أخرى مثل روسيا والصين وبعض الدول الأوروبية. وأوضح، فى اتصال هاتفى لـ«الوطن»، أن الأزمة الروسية الأوكرانية كان لها تأثيرات كبيرة جعلت كثيرين يدشنون لمرحلة جديدة فى النظام الدولى، ودفعت الدول العربية إلى تغيير استراتيجيتها تجاه التفاعل والتعامل مع القوى الكبرى، لافتاً إلى أنها أصبحت تركز على مصالحها وهو ما لم يكن يحدث من قبل.
كيف تحلل تأثير الأزمات الدولية الحالية على النظام الدولى؟
- التأثير الأكبر للأزمة الروسية الأوكرانية، لو بدأنا بالأوضاع السياسية، هو التغير فى شكل النظام العالمى، بمعنى أننا نجد بعض المنظرين والمفكرين الغربيين بدأوا يدشنون لمرحلة تحول جديدة فى النظام العالمى الجديد، بدأت مع تطورات الأزمة الأوكرانية. ونجد، على سبيل المثال، أن روسيا لم تعبأ كثيراً بالولايات المتحدة الأمريكية أو موقف دول الاتحاد الأوروبى، بالعكس ذهبت إلى محاولة احتلال دولة مجاورة أو حتى القفز على الهيكل الدولى، كما يقال، لدولة مجاورة، وهى أوكرانيا، بضم شبه جزيرة القرم عام 2014، ثم بعد ذلك محاولة تغيير الشكل العام لدولة أوكرانيا من خلال ما حدث فى بدايات عام 2022.
صادق: العالم أمام نظام دولي جديد يتشكل.. أصبحنا ننظر إلى مصالحنا وهو ما لم يحدث من قبل
ما الدليل على ذلك؟
- عندى أكثر من دليل على هذا الطرح، الدليل الأول أنه كان هناك مقال فى «نيويورك تايمز»، فى يوليو الماضى، تحدّث عن مسألة الفراغ الاستراتيجى للولايات المتحدة فى الشرق، وهذه وجهة نظر خاطئة، فعلى سبيل المثال عُقدت قمة جدة فى يوليو الماضى ما بين القادة العرب والرئيس الأمريكى جو بايدن أو القيادة الأمريكية، وأعتقد أن جو بايدن لم يستطع أن يأخذ كما يقال مصالح كبيرة أو تعهدات كبيرة من المنطقة العربية أو بقاء المنطقة العربية كما كانت عليه فى السابق، لكنه صُدم بوجهات نظر عربية مختلفة وصُدم أيضاً بقرارات عربية تعتمد على البرجماتية البحتة كما يقال. هذا من جانب، من جانب آخر رأينا هناك سباقاً ما بين القطبين الكبيرين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، ووجدنا فى الشهر الماضى أيضاً الصين تأتى إلى المنطقة العربية عبر بوابة المملكة العربية السعودية وعقد قمة الرياض ما بين الصين القادة العرب.
ماذا يعنى ذلك برأيك؟
- إزاء العودة كما يقال للمنطقة العربية من خلال الركائز الكبرى أو الدول الكبرى فى النظام الدولى نجدها تؤطر أولاً لمسألة البحث عن المصالح البرجماتية، فلم يعد هناك نظام أحادى القطبية كما يقال، وأصبح نظاماً متعدد القطبية؛ هناك روسيا وهناك الولايات المتحدة الأمريكية وهناك الصين وهناك دول أخرى. الدليل الآخر عندما قام السيد جو بايدن بتدشين حملته الانتخابية تعهّد بعدة أمور لم يستطع الوفاء بشىء منها، على سبيل المثال تعهد باتفاق نووى مع الجانب الإيرانى، وإلى الآن مر قرابة العامين ودخلنا فى العام الثالث ولم يأت جو بايدن بجديد، وكوريا الشمالية ما زالت على عنادها أمام الولايات المتحدة الأمريكية. كما أن الصين تحذر الولايات المتحدة الأمريكية من الاقتراب من تايوان. وهذه كلها أمور أعتقد أنها تصب فى مصلحة أنه لا يوجد قطب واحد فى العالم بل أقطاب متعددة.
برأيك، ما الذى تفكر فيه المنطقة العربية حالياً؟
- هنا المنطقة العربية تسعى لإعادة صياغة رؤاها الاستراتيجية وفق هذا الطرح طبقاً لمسألة خاصة بالتوجهات العربية الجديدة، انفتاح على كل دول العالم مثل روسيا والصين ودول الاتحاد الأوروبى، أيضاً ألمانيا دشنت ما يُعرف باللقاء الأوروبى الأفريقى عبر بوابة مصر، والذى يأتى لمناقشة مسائل عديدة، منها الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب، لكن الباطن فيها أيضاً التفاعلات مع الجانب العربى.
تغيير في الرؤية العربية
لو نظرنا لمنطقتنا العربية سنجد أن النظام العربى بدأ يغير شكله أيضاً فيما يتعلق بعلاقاته الخارجية، حيث أصبح لدى القادة العرب أو لدى الدول العربية رؤية برجماتية بحتة لم تحدث من قبل، بمعنى أنه أصبح لديهم تغير فى الاستراتيجية، وكان هناك من قبل اتكاء على عنصر دولى واحد فاعل وهو الولايات المتحدة الأمريكية من خلال شراكة استراتيجية معها باعتبارها العضو البارز والعنصر الأكبر فى النظام الدولى، لكن بعد الأزمة الروسية الأوكرانية بدأ البحث عن مسألة المصالح البرجماتية البحتة.