«الدمج والوقاية».. صفحة جديدة لمنح المفرج عنهم فرصة في الحياة
فرحة المفرج عنهم بعد قرار العفو
«الوطن يتسع لنا جميعا.. والاختلاف فى الرأى لا يفسد للوطن قضية» جملة قالها الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى حفل إفطار الأسرة المصرية أبريل الماضى، كانت بمثابة شرارة الأمل للمسجونين، لتعمل بعدها لجنة العفو الرئاسى فى هذا الإطار، وتؤكد أن من حق الجميع فرصة ثانية، ما دامت يده غير ملطخة بالدماء، فقد تجعله يدرك قيمة الحياة، ويتعلم من أخطاء الماضى، ويطوى الصفحة بما فيها.
استراتيجية شاملة وتنسيق واسع مع مؤسسات الدولة لدمج أصحاب العفو الرئاسي بعد خروجهم من السجن
ويبدأ «حياة جديدة» بالاندماج وسط أطياف الشعب المصرى، بمبدأ «لمّ الشمل» وجلوس الجميع معاً على طاولة وطن واحد، لا مجال فيه للانقسام والاختلاف والتعصب، بل الاتفاق على التعاون لبناء الجمهورية الجديدة بسواعد أبنائها.
ويأتى دور لجنة العفو الرئاسى من أجل ذلك الهدف، منذ إعادة تشكيلها وتفعيلها أبريل الماضى، بتكليف من الرئيس عبدالفتاح السيسى، للإفراج عن قوائم كثيرة من المحبوسين، بشرط عدم تورطهم فى قضايا عنف أو إرهاب، سواء بالتحريض أو الممارسة، والأهم إعادة تأهيلهم نفسياً لممارسة حياتهم بشكل طبيعى عن طريق الدمج المجتمعى لهم، وتذليل أى عقبات تحولُ دون ذلك، فضلاً عن إعادتهم إلى وظائفهم السابقة، وتوفير أخرى لغير العاملين منهم، وعودة الطلاب منهم لاستكمال دراستهم بشكل طبيعى، ورفع أسمائهم من على قوائم الممنوعين من السفر.
وعملت اللجنة لتحقيق الدمج المجتمعى والاقتصادى للمفرج عنهم، عبر استراتيجية شاملة، وتنسيق واسع مع مؤسسات وأجهزة الدولة، لتوفير فرص عمل لائقة لمن كانوا فى السجون، فضلاً عن تطبيق مفهوم الوقاية من خلال قطع الطريق على الجماعات المتطرّفة أو التنظيمات الإثارية دون محاولة استغلالهم.
«رضا»: الفرحة رجعت لبيتنا
حكايات الشباب المفرج عنهم رغم اختلافها، لكنها جميعاً تتفق على التمسك بالفرصة الثانية، خاصة بعد تسلم عدد كبير منهم وظائفهم، واستعداد البقية للخطوة المنتظرة، وهو ما يحكونه لـ«الوطن»، واصفين شعورهم تجاه الدولة بعد كل هذا الدعم، مثل رضا عبدالكريم عبدالجليل، صاحب الـ45 عاماً، الذى خرج من الحبس الاحتياطى بعفو رئاسى، بعد عامين و4 أشهر.
شعور الأب لثلاث بنات بدعم الدولة للمفرج عنهم، عوّضه عن تخلى الكثيرين عنه خلال فترة الحبس وبعد خروجه، وقال: «حسيت قد إيه الريس بيحافظ على ولاد البلد وبيرجع لهم حقهم»، مضيفاً أن أسرته وبناته أعيدت لهم الفرحة بخروجه من الحبس بعد فترة من الحرمان هجرتهم خلالها السعادة، مما جعله يصب تركيزه الأيام المقبلة على استعادة عمله السابق فى هيئة البريد، والاجتهاد فيه؛ من أجل بناء مستقبل أفضل له ولبناته وكذلك لمجتمعه.
«وسيم»: موقف محترم ونشكر من أسهم في العفو والدمج وإعطاء المحبوسين فرصا جديدة
الشعور نفسه يعيشه وسيم سليمان محمد الحسينى، صاحب الـ37 عاماً، بعد خروجه عقب 15 شهراً من الحبس احتياطياً، خاصة أنه أب لطفلين، ولم يكن يخطر بباله خلال فترة الحبس أن يجد مبادرة خاصة من الدولة لدعم المفرج عنهم من المحبوسين احتياطاً، الأمر الذى لم يكن موجوداً سابقاً. «موقف محترم جداً ونشكر كل من أسهم فى العفو والدمج وإعطاء المحبوسين فرصاً جديدة»، كلمات وصف بها «وسيم» شعوره تجاه دور لجنة العفو الرئاسى، وفكرة الدمج المجتمعى للمفرج عنهم، وإعادتهم إلى وظائفهم بتوجيه خاص من الرئيس السيسى، خاصة أنهم يواجهون التعامل بحذر وقلة الثقة من البعض بسبب فترة الحبس.
رؤية «وسيم» لطفليه بعد فترة الحبس كانت الأجمل والأصعب فى الوقت ذاته، لأنه لم يرهما طوال فترة حبسه، برغبة شخصية منه، مما جعل اللقاء بينهم لا تصفه كلمات بسبب المشاعر المتبادلة، وتابع: «حسيت إنى كنت ميت ورجعت للحياة».
الشعور بالرضا يتملك رأفت أحمد زكى منذ خروجه من الحبس الاحتياطى، منتظراً العودة إلى عمله لبدء حياة جديدة، وإغلاق صفحة الماضى، وعيش حياته بشكل طبيعى مع زوجته وابنه: «فرحان إنى رجعت لبيتى وحياتى، والحمد لله على كل حال». وتابع: «كلنا بنحب الوطن وحريصين على سلامته واهتمام الرئيس بالمفرج عنهم ودعمه لهم يزيد اهتمامهم ومحبتهم للوطن، ونبذ الخلافات حول محطة يجتمع فيها الجميع دون خلاف».
ويرى أن دعم الدولة للمفرج عنهم بدمجهم مجتمعياً بلا أى تعقيدات أو مشكلات للعودة إلى مستقبل يزيل من نفوسهم أى آثار وأضرار نفسية من فترة الحبس، ويطرد من نفوسهم أى شعور بالضجر أو الكراهية والحقد، فضلاً عن نبذ المشاعر السلبية، واستعادة الشعور بالانتماء والوطنية، وهو ما يُبشّر ببدء مرحلة جديدة.
عبدالمؤمن: اعتبرتها بداية لأكون إنسانا جديدا والمشاركة بالكلمة الطيبة لا بالصدام والخلاف
لم يتوقع صاحب الـ48 عاماً أن تساعده الدولة أو تهتم به بعد الخروج من الحبس، وبعد سماعه حديث الرئيس السيسى، بدأ يشعر بالاطمئنان، ولم يخِب ظنه، وقال: «خرجت لاقيت كل حاجة تمام ومتسهلة ومفيش مشكلات بتقابلنى»، فما زال عبدالمؤمن أحمد على قوة عمله كباحث فى مديرية التضامن الاجتماعى، وينتظر عودته رسمياً إلى وظيفته، فضلاً عن هوايته ككاتب وروائى فاز بالكثير من الجوائز الأدبية المصرية والعربية، مما يجعله مشتاقاً للعودة للعمل بتفانٍ.
ويرى «عبدالمؤمن» أن الدرس المستفاد من تجربته هو الابتعاد عن كل ما يُعرّض للمساءلة القانونية، والالتزام بالقانون، وهو ما يضعه أولوية فى تعاليمه لأبنائه، مضيفاً: «الحبس سواء سياسى أو جنائى صعب ومؤلم جداً للنفس.. والعاقل من يتعظ، لذلك أحمد الله على الفترة السابقة، وأعتبرها بداية لأكون إنساناً جديداً، والمشاركة الصحيحة فى أى قضية تكون بالكلمة الطيبة أو الفكر البنّاء لا بالصدام والخلاف».
ويشمل العفو باقى عقوبة المسجونين فى بعض القضايا الجنائية غير المخلة بالشرف، ممن قضوا نصف المدة، ومن غير المحكوم عليهم فى قضايا قتل عمد ومخدرات، أو إخلال بأمن الوطن، وبموجب شروط خاصة يحدّدها القرار السيادى، بينما لا يسرى العفو الرئاسى على المحكوم عليهم فى الجرائم الخاصة بالجنايات والجنح المضرّة بأمن الحكومة من الخارج والداخل والمفرقعات والرشوة وجنايات التزوير.