2000 عام في خدمة «بيوت الرب».. راهبات مصر على الدرب «عفة وطاعة»
الأديرة شاهدة على تفرغ الراهبات للعبادة والصلاة
«فقر اختيارى، وعفة، وطاعة» شروط ثلاثة لحياة كرست للعبادة والصلاة، عرفتها الفتيات المصريات منذ القرون الأولى للمسيحية، فلا شىء فى العالم يُردن سوى الصلاة والصوم والتعبد لله دون طلب شىء آخر.
أستاذ اللاهوت الدفاعى: تشابه كبير بين الراهبات والمكرسات
ويروى التاريخ عشرات الحكايات عن قبطيات ضربن مثالاً فى التقوى، وعلى مر السنين وضعت طقوس لتبرز الاختلاف ما بين الراهبة والمكرسة، فبدأ طقس الرهبنة النسائية نحو القرن الرابع الميلادى، بينما نظمت حياة المكرسات فى العصر الحديث، ولكن رغم الاختلافات الكبيرة بين النظامين والحياتين بقيت الشروط الثلاثة واحدة أمام من رغبت فى تكريس حياتها للمسيح.
يقول الدياكون زكريا عبدالسيد، الباحث فى التاريخ القبطى، إن فكرة الرهبنة فى المسيحية ظهرت مبكراً جداً، إذ بدأت داخل البيوت، مثل بنات فيلبس المذكور فى سفر أعمال الرسل، إن كان له «أربع بنات عذارى»، وفى مصر ظهرت بيوت العذارى، مثل تلك التى أودع فيها البابا ديمتريوس الكرام (١٨٨ - ٢٢٣م) زوجته، والأنبا أنطونيوس شقيقته، وكذلك رفيقات القديسة دميانة، اللاتى عشن معها فى القصر الذى بناه لها والدها والى البرلس.
باحث فى التاريخ القبطى: الأنبا باخوميوس أول من أسس أديرة للنساء
ولفت الباحث فى التاريخ القبطى لـ«الوطن» إلى أنه رغم أن القديسة دميانة أسّست بيتاً للعذارى، لكن لا نستطيع أن نطلق عليها لقب راهبة، إذ إن أول من أسس أديرة للنساء كان الأنبا باخوميوس أب الشركة (٢٨٥ - ٣٤٦م)، أى بعد استشهاد القديسة دميانة، وكان قد أسسه لأخته فى طبانسين، وبلغ عدد راهباته ٤٠٠ راهبة، ثم أنشأ ثلاثة أديرة فى أخميم وحدها، وأكمل هذه المسيرة الأنبا شنودة، رئيس المتوحدين (٣٣٣ - ٤٥١م).
وأشار الباحث إلى أن الرهبنة النسائية متأصلة فى التاريخ المصرى، إذ سجلت البرديات التى كانت تسجل التعداد السكانى أنظمة رهبنة البنات، ومنها بردية «خطابات دايديم والأخوات» أولئك النسوة اللائى عشن فى جماعة بعضهن مع بعض، وكن يقمن ببعض الأعمال التجارية كمصدر للرزق، وفى معبد سيتى الأول فى أبيدوس، وجد مؤلف من عدة كسر لمجموعة من خطابات رعوية كتبها الأب موسى لجماعة الراهبات اللاتى يعشن فى معبد أبيدوس، كما أوضحت مجموعة رسومات على حوائط المعبد (أكثر من 50 رسماً). الكثير من هذه الرسومات يسجل أسماء راهبات، ورئيسات أديرة، وبعض منها يصف راهبات كن يقمن بأعمال أو واجبات أسبوعية، مثل التنظيف، وجمع العسل، وبعض الأعمال الزراعية.
يرى القمص عبدالمسيح بسيط، أستاذ اللاهوت الدفاعى، كاهن كنيسة العذراء بمسطرد، إن القديسة دميانة تُعد راهبة، حتى إن لم يكن طقس الرهبنة قد نُظم فى هذا الوقت المبكر، لأن بيوت العذارى فى ذلك الوقت كانت وسيلة للفتيات اللائى كرسن حياتهن للمسيح بأن يتفرغن للعبادة، وهو ما تكشفه سيرة القديسة دميانة الواردة فى كتب السنكسار، فهى منذ أن بنى والدها القصر لها تفرّغت كلياً للتعبّد هى والأربعون عذراء.
وأضاف «بسيط» فى تصريحاته لـ«الوطن»، أنه رغم التشابه بين الراهبات والمكرسات فى أنهن يلتزمن بثلاثة أمور هى «الفقر الاختيارى، والعفة، والطاعة»، لكن الاختلاف جوهرى بين الاثنتين، موضحاً أن الراهبة تعيش كل حياتها فى الدير، لا تخرج إلا للضرورة القصوى، أما المكرسات فخدمتهن فى العالم.
وأوضح «بسيط» أن للراهبة طقوساً تبدأ من لحظة دخولها الدير وخوضها فترة الاختبارات الروحية، ثم رسامتها راهبة بالصلاة عليها صلاة الموتى، لتبدأ حياتها كراهبة فى دير، موضحاً أن لكل دير نظامه وترتيبه للساكنين فيه، فتكون أوقات الصلاة والتعبد أكثر من أوقات العمل، مع الحفاظ على ساعات عمل يتلزمن بها داخل الدير، ويتم تلاوة الصلوات خلال العمل.
أما المكرسات، فقال عنهن «بسيط» إنهن ينذرن عفتهن أيضاً، لكن عملهن يكون فى المجتمع، موضحاً أنهن يأخذن رُتب شماسية، ويبذلن كل أوقاتهن فى خدمة المجتمع والكنيسة، ونجد لهن خدمات جليلة فى الملاجئ والمدارس، ومع بنات الكنيسة يرشدهن ويعلمهن، كما يعملن فى مشروعات بيوت التكريس كمشاغل الملابس لمساعدة الفقراء، وغيرها من الأعمال التى تتطلب الوجود فى وسط المجتمع.
وذكر الأستاذ أمير نصر، فى كتابه «كلمة عن الرهبنة»، أن خدمة المكرسات بدأت فى عام 1965 فى إيبارشية بنى سويف بمجموعة «بنات مريم»، ثم انتشرت فى أغلب الإيبارشيات، وفى عام 1985، كلف البابا شنودة الثالث اللجنة المجمعية للرعاية والخدمة بإعداد لائحة المكرسات فى الكنيسة، وتم توزيعها على جميع الآباء المطارنة والأساقفة، لدراستها ومراجعتها وعمل التعديلات المناسبة، حتى تم اعتماد اللائحة فى يوم 13 يونيو 1992.
ويتابع «نصر» أن اللجنة المجمعية للطقوس عام 1993 أعدت طقس رسامة المكرسات کشماسات وما يتبعه من تغيير الاسم وشكل الملابس وتعهد التكريس الذى تعلنه المكرسة أمام الأب المطران أو الأسقف الذى يقوم بالرسامة، وعليه يوضع النظام المناسب روحياً ورعوياً وإدارياً بالنسبة للمكرسات، إلى جانب الإشراف على جميع الأعمال والخدمات التى يقمن بها، كما يحرص الآباء على الاجتماعات واللقاءات الدورية المنتظمة معهن، لمتابعة حياتهن وخدمتهن، فضلاً عن تشجيعهن على اكتساب مزيد من الثقافة الروحية والدينية والعلمية، بالدراسة الدينية المتعمقة.
وأشار إلى أن مجالات خدمة المكرسات كثيرة ومتنوعة، مثل خدمة المسنين، والأيتام وذوى الهمم، والفقراء والمحتاجين، من خلال تقديم خدمات تعليمية وصحية، وتنموية واجتماعية.