القمص بولس الأنبا بيشوي: البابا شنودة لم يترك الورقة والقلم وكان يترفع عن الرد على الإساءة لشخصه
القمص بولس
بداية من عام 2008 حتى 2012 تولى القمص بولس الأنبا بيشوى مهمة سكرتير البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، وقال فى حواره لـ«الوطن»، إنه عاصر الأيام الأخيرة للبطريرك المتنيح، وكشف عن تفاصيل تلك الأيام فى حياة البابا الراحل.
هل يمكن أن تخبرنا كيف التقيت البابا شنودة؟
- من المتعارف عليه ضمن الطقوس الكنسية أن يقوم البابا برسامة الرهبان، وعندما كنت طالب رهبنة فى مارس 1998 جاء البابا شنودة إلى دير الأنبا بيشوى وألبسنا «الجلابية البيضاء»، وهو طقس قبل الرهبنة. وقام برسامتى راهباً فى دير الأنبا بيشوى، ثم رسمنى كاهناً فى 2008، وكنت المسئول فى الدير عن رسم الأيقونات القبطية بحكم دراستى، وكان البابا مهتماً بتعمير الأديرة، وكان يأتى لمتابعة أعمالى وأنا كنت أرى هذا الأمر بركة كبيرة. وفى 2008 انتقل الأب الراهب الذى يخدم مع البابا شنودة إلى السماء، لذلك تم الاتفاق بين البابا والأنبا صرابامون، رئيس الدير وقتها، على أن أتولى خدمة السكرتارية مع البابا. ثم دخلت الدير فى مارس 1998 وخدمت معه بالكاتدرائية بالقاهرة حتى وقت النياحة.
حدثنا عن السنوات الأخيرة من حياته؟
- فى بداية خدمتى مع البابا شنودة كان مقر السكن الخاص بى بالمقر البابوى، بعدها قام البابا بمنحى قلاية (سكن) بجانب غرفته، وكنت ملازماً لقداسته بشكل دائم فى جميع تحركاته داخل مصر، وخلال الـ4 شهور الأخيرة كنت مقيماً معه داخل السكن الخاص به بسبب حالته الصحية.
سكرتيره لـ«الوطن»: شخصية قوية لا تقبل أى قيود.. ولم يكن يعلن عن أحزانه أو حالته الصحية للآخرين
وكان معروفاً أن البابا من الشخصيات القوية التى لا تقبل أى قيود أياً كانت حتى وإن كانت من الأطباء، ولم يكن يعلن عن أحزانه أو حالته الصحية للآخرين، فكان يغسل الكلى لسنوات دون أن يعلن هذا أو يُشعر أياً من الشعب أو المترددين على الكاتدرائية. كما أنه كان يحافظ على الأصوام الكنسية التى تتخطى أعدادها الـ200 يوم مهما كانت حالته الصحية، وأحياناً كنا نحاول جعله يتناول المكملات الغذائية المرتبطة بعملية غسيل الكلى، لكنه كان يرفض بشدة ويصر على إكمال الصوم، رغم أنه كان على العكس مع شعبه تماماً، فكان يعطى الحل (التصريح) للآخرين، سواء من الشعب أو الأساقفة أو الرهبان بعدم الصوم للحفاظ على صحتهم أو لدواعى العلاج وغيرها.
خدمتك كسكرتير للبابا جاءت فى ذروة الأحداث السياسية والطائفية التى مرت بها مصر، حدثنا عن تلك الفترة؟
- الخدمة مع البابا شنودة كانت ممتعة لكن شاقة، فمنذ عام 2008 إلى 2012 كانت الأحداث متلاحقة، بداية من أحداث العمرانية، مروراً بتفجير القديسين، ثم الثورة، ثم التنحى، وجاءت بعدها مشكلة الزواج الثانى، عندما ألزمت المحكمة الكنيسة بتزويج أحد المسيحيين مرة ثانية وهو ما يخالف العقيدة، وفى تلك الفترة لم يكن أكثر المتفائلين يعتقد أننا سنخرج من تلك المشكلات، لكن البابا شنودة كان متفائلاً جداً، وكان يردد أن كل هذا سينتهى. وعندما كان يُقال للبابا إنه متفائل، كان يقول «أنا لا أؤمن بالتشاؤم والتفاؤل إنما أنا مؤمن بالله ضابط الكل».
لم يتوقف عن القراءة رغم خضوعه لجلسات غسيل الكلى ومشكلات العمود الفقري
البابا كان محباً للقراءة والكتابة حدثنا عن هذا الجانب من شخصيته؟
- البابا شنودة عانى لسنوات مشكلات فى العمود الفقرى، وكان يخضع لجلسات غسيل الكلى، وخلال فترة علاجه لم يكن يتوقف عن القراءة أو الكتابة، فكان يقرأ الخطابات الرسمية أو من الشعب، يلتقى بنا كسكرتارية أو الأساقفة لمناقشة الموضوعات الخاصة بالكنيسة. وكان لدى البابا فى السنوات الأخيرة 4 مواعيد ثابتة وهى عظة الأربعاء، واجتماع لجنة البر، وعظة الثلاثاء فى الإكليريكية وعظة المرقسية بالإسكندرية كل أسبوعين، وكان دائماً يحتفظ بقصاصات من الورق فى «جيوب الجلباب» لتدوين أى فكرة أو معلومة جديدة. أما داخل قلايته فكان يقضى أغلب الوقت على مكتبه وسط الأوراق والكتب، وعندما اشتد عليه المرض، كان يبقى بالسرير لفترة طويلة فينقل الأوراق والكتب إلى مكان وجوده، وكان يكتب جميع عظاته. والعظة الوحيدة التى لم يكتبها كانت العظة الأخيرة بتاريخ يوم 7 مارس 2012 بعنوان الذكاء، فكان يشعر دائماً أنها أمانة، وعندما أخبرته أنه يعظ الشعب منذ أكثر من 40 عاماً ولا يحتاج إلى تدوين عظاته، قال «أنا ماتعودتش أعمل حاجة كده، الناس اللى بتيجى بتدينى وقتها وأنا لازم أديلهم من وقتى».
الروتين اليومى
روتين البابا اليومى لم يتغير منذ أول يوم توليت فيه مهام السكرتارية وحتى يوم النياحة، كان يومه طويلاً للغاية ونومه وطعامه قليلين للغاية، كان يستيقظ الساعة الرابعة والنصف صباحاً، يبدأ يومه بقراءة الإنجيل والكتاب المقدس. ثم يطلب الجرائد اليومية، وكانت أكثر من 30 جريدة يقرأها يومياً، فكان يتابع العناوين والصفحة الأولى والثانية من الجريدة، وإذا وجد عنواناً مهماً، كان يطلب أن نقوم بإعداد التقرير ليقرأه. وعندما يكون هناك خبر أو تقرير أو مقال خاص بقداسته يُنشر على المواقع الإلكترونية، كان يطلب إخراج التعليقات ويقول «هاتها أقرأها» لأنه كان يخشى أن نخفى عنه التعليقات السلبية أو الهجوم. وكان باقى اليوم يتم بناءً على المواعيد المحددة مسبقاً ومواعيد العظات، لكن يومه كان ينتهى فى الواحدة صباحاً.