د. فخري الفقي يكتب: الجمهورية الجديدة.. المحاور وآفاق المستقبل
د. فخري الفقي
مع إطلالة يوم الثلاثاء الموافق الثانى من شهر أبريل عام 2024، يتم تنصيب الرئيس عبدالفتاح السيسى لفترة رئاسية جديدة، يعلن فخامته عن عهد جديد نحو بناء «الجمهورية الجديدة» التى أتطلع لأن تكون جمهورية جديدة فى محاورها الأساسية:
أولاً: فى أن تكون أكثر رسوخاً فى استقرارها وأمنها. وهنا لا يسعنى إلا أن أتوجه بالشكر الجزيل لإخوتنا وأبنائنا بالقوات المسلحة والشرطة المصرية على إخلاصهم وتفانيهم فى العطاء والمساهمة فى إنتاج خدماتهم الجليلة التى لا تقدر بثمن فى مجالات الدفاع، والذود عن تراب الوطن، وتوفير الاستقرار والأمن العام. فليهنأ شعب مصر وينعم بما يقدمه له أبناؤه الشرفاء. وهنا، لا عجب أن نرى كثيرين من أشقاء لنا فى دول الجوار وغيرهم يلوذون بمصر ليقتسموا مع شعبها ما توافر لهم من أمن وأمان واستقرار وهو ما افتقروا إليه وضاع منهم فى أوطانهم.
ثانياً: جمهورية جديدة يتسم اقتصادها باحتوائية النمو واستدامته، وأن يكون بنيانها أكثر صلابة، والذى لن يتأتى إلا بإصلاحات هيكلية عميقة وشاملة تتم بلا توقف، وبحيث تكون نهج حياة، بمعنى إصلاح ما تراكم من تشوهات هيكلية عديدة فى جسم الاقتصاد المصرى، ومعالجتها بمشرط جراح ماهر لديه رؤية وخبرة عميقة، يقود فريقاً من النخبة المتميزة فى كافة المجالات. صحيح أن أساسيات الاقتصاد المصرى سليمة من حيث تنوع قاعدته الإنتاجية وتعدد مصادره من النقد الأجنبى بدرجة تكفى، فى الأحوال العادية، لتلبية احتياجاته الاستيرادية وخدمة دينه الخارجى وتعزيز احتياطياته لدى بنكه المركزى. لكن المشكلة تكمن فى أن جسم الاقتصاد ليس بالصلابة الكافية التى تمكنه من مقاومة تداعيات الصدمات والأزمات العالمية والإقليمية التى لسنا طرفاً فيها، والتى ما أكثرها منذ أن بدأت تلك الألفية الثالثة. إن تعزيز صلابة الاقتصاد المصرى أصبحت هى الضمانة الأساسية التى تضمن مقاومة عوامل الضعف والوهن الذى أصابه نتيجة تلقيه الضربات تحت وطأة تلك الأزمات. وعليه أصبح الأمر يستوجب إصلاحاً جذرياً وعميقاً لعديد من التشوهات الهيكلية التى تمسك بتلابيب اقتصاد مصر فى جانبه الحقيقى، والتى من أبرزها:
أ. ضرورة تأهيل ودعم دور رائد للقطاع الخاص فى النشاط الاقتصادى فى ظل مناخ يتسم بالحياد التنافسى.
ب. ضخ مزيد من الاستثمارات (المحلية والأجنبية) فى شرايين الاقتصاد السلعى خاصة الزراعة والصناعة خاصة التكنولوجية، منها بحيث تكون بأحجام كافية لجنى وفورات التكلفة المصاحبة للحجم الكبير Economies of Large Scale، ومن ثم انخفاض أسعار منتجاتها بدرجة تمكنها من النفاذ بسهولة للسوق المحلية، وكذلك الأسواق الخارجية، وعليه، تكون مولدة للنقد الأجنبى اللازم لتفادى الأزمات المتكررة لشح العملة الأجنبية وتأثيراتها السلبية على قيمة الجنيه المصرى.
جـ. ضخ مزيد من الاستثمارات فى مجالات التعليم والرعاية الصحية والبحث العلمى والتطور التكنولوجى لرفع كفاءة رأس المال البشرى.
د. الإسراع بجهود الدولة فى التحول الرقمى وتعزيز الجهود فى دمج الاقتصاد غير الرسمى فى الاقتصاد الرسمى.
هـ . ضبط المنظومة الديموجرافية والزيادة السكانية.
ثالثاً: أتطلع لجمهورية جديدة يتمتع اقتصادها بمزيد من المرونة لينطلق فى تقدمه نحو آفاق النمو الذاتى، والذى لن يتأتى إلا بمواصلة الدولة لجهودها الحثيثة نحو القيام بوظائفها الثقيلة التى تنفرد بها وتتمتع بمزايا نسبية فى أدائها دون غيرها. هذه الوظائف تضم خدمات الدفاع والأمن والعدالة وتحديث البنية التحتية والتعليم والصحة وحماية البيئة والملكية، بما فيها الفكرية، والبحث والابتكار وتحقيق التوازن الاقتصادى والاجتماعى. هذه الوظائف تعد مهمة ثقيلة تنوء بحملها الجبال، لذا فإننى أتوجه بالتحية للقيادة السياسية لإقرارها وثيقة سياسة ملكية الدولة ودعم وتأهيل دور القطاع الخاص فى النشاط الاقتصادى، فى ظل مناخ يتسم بالحياد التنافسى كنهج جديد للسياسة الاقتصادية فى جمهوريتنا الجديدة. فالقطاع الخاص هو الأمل فى إرساء قواعد البنية الفوقية لزيادة الإنتاج والتشغيل والتصدير، هو القطاع الذى يملك القدرة على المناورة والتعافى السريع من تداعيات الصدمات والأزمات. لذا ليس مستغرباً أنه كلما تسارع نموه واتسعت رقعته، أكسب ذلك مزيداً من المرونة فى حركة ونمو الاقتصاد المصرى.
رابعاً: أتطلع لجمهورية جديدة أكثر إنصافاً وعدالة، فالإنصاف والعدالة الاجتماعية هى إحدى الوظائف الأصيلة للدولة، فى هذا الخصوص، أتوجه بالشكر للرئيس عبدالفتاح السيسى لتأكيداته المستمرة وتوجيهاته المتكررة للحكومة بضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية، لكونها تتصل بأمن مصر القومى. وهنا تكفى الإشارة إلى توجيهاته للحكومة بضرورة التنسيق مع البنك المركزى لبذل جهودهما الحثيثة نحو تعزيز شبكة حماية اجتماعية جديدة تتسم بقدرتها على حماية الطبقات الأكثر هشاشة واحتياجاً من الوقوع فى براثن الفقر والعوز. لذلك فإننى أتطلع إلى مزيد من خفض معدلات الفقر ورفع مستوى معيشة المواطن المصرى وتحسين جودة حياته فى ظل الجمهورية الجديدة، لكى يتبوأ الاقتصاد المصرى مكانته ويرتفع تصنيفه لمستوى الدول مرتفعة الدخل للفرد ليتعدى عتبة 13٫205 دولار وفقاً لتصنيف البنك الدولى فى هذا الشأن. ولكى يتحقق ذلك، لا بد من استمرار البنك المركزى فى اتخاذ سياسته النقدية الكفيلة بخفض مستويات الغلاء والتضخم وتحقيق الاستقرار فى الأسعار. أما الحكومة فعليها الاستمرار فى التعاون الوثيق مع «المركزى» باتخاذ السياسة المالية وغيرها من السياسات الكفيلة بتخفيف الأعباء المعيشية فى فترات الغلاء والتضخم، وخلق مزيد من فرص العمل وزيادة الأجور والمعاشات، وزيادة مخصصات البرامج الاجتماعية، والالتزام بتحقيق الاستحقاقات الدستورية فى مجالات الصحة والتعليم والبحث العلمى.
خامساً: أتطلع لجمهورية جديدة أكثر ذكاء ورقمنة، يكون فيها التحول الرقمى والذكاء الاصطناعى بمثابة محركات الدفع لها نحو التقدم، وبما يضمن تقليل تدخل العنصر البشرى فى التعاملات والمعاملات فى كافة القطاعات. هذا التحول الرقمى هو الكفيل بكسر شوكة البيروقراطية المعوقة لحركة النشاط الاقتصادى فى مصر. فى هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن البيروقراطية ليست عيباً فى حد ذاتها، فهى أسلوب للإدارة بالقواعد المكتبية، لكنها تطبق فى الدول المتقدمة بالشكل الذى يجعلها محفزة وجاذبة لمزيد من الاستثمار والإنتاج من ثم لمزيد من التقدم، أما فى الدول النامية والدول الناشئة ومن بينها مصر فهى بيروقراطية معوقة للاستثمار والإنتاج ومن ثمَّ نمو النشاط الاقتصادى.
وأخيراً وليس آخراً، أتطلع لجمهورية جديدة أكثر اخضراراً وصداقة للبيئة، جمهورية تصبح استثماراتها الخضراء هى سمة حياة المصريين. وهنا الحق يقال بأن مصر حققت خلال العشر سنوات الماضية إنجازات فى هذا المحور المهم مقارنة بدول عديدة فى العالم. لقد قطعت مصر على نفسها أن تبلغ استثماراتها العامة الخضراء نسبة 50% عام 2024/ 2025. وفى هذا الخصوص، تتطلع القيادة السياسية نحو الإسراع بتنفيذ استراتيجية التحول إلى الاقتصاد الأخضر التى تتناسب مع رؤية مصر 2030، وأن يتضمن برنامج عمل الحكومة فى الفترة الرئاسية القادمة التوسع فى استخدام التكنولوجيا النظيفة، والتوسع فى مشروعات إنتاج الطاقة الجديدة والمتجددة، والاستفادة من الإمكانيات الطبيعية الهائلة التى تتمتع بها مصر من مصادر لإنتاج هذه الطاقة، وهنا تجدر الإشارة إلى الإنجاز الذى حققته مصر بإنشاء أكبر محطة للطاقة الشمسية على مستوى العالم بمنطقة بنبان بأسوان، ومشروعات طاقة الرياح بالزعفرانة والجبل الأسود بخليج السويس، واستهداف الوصول بمساهمة الطاقة المتجددة إلى نسبة 42% من إجمالى الطاقة الكهربائية المنتجة فى عام 2035. كما اتخذت مصر خطوات ملموسة للتوسع فى إنتاج الهيدروجين، وتوطين هذه الصناعة فى مصر. هذا إلى جانب المبادرة التنموية الكبرى «حياة كريمة» التى تمثل نقلة تنموية شاملة فى حياة 60 مليون مواطن من أبناء الريف المصرى، وفى مجال معالجة مياه الصرف تتوسع الدولة فى إنشاء محطات معالجة مياه الصرف لتصبح صالحة للزراعة، وتنفيذ النظم الزراعية المستدامة. وفى مجال مشروعات النقل النظيف يتم تنفيذ عديد من مشروعات النقل الجماعى الحضارية صديقة البيئة (المو نوريل والقطار الكهربائى السريع والخفيف وتوطين صناعة السيارات الكهربائية)، هذا إلى جانب تشجيع دور القطاع الخاص فى دفع عملية التحول الأخضر للاقتصاد المصرى. وفى مجال تمويل المشروعات الخضراء فى مصر، أصدرت مصر أول سنداتها الخضراء بقيمة 750 مليون دولار فى سبتمبر 2020، الذى يعد واحداً من أهم الإصدارات التى تمت بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى تلك الفترة.
* رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، مساعد مدير تنفيذى بصندوق النقد الدولى سابقاً