الكعبة الثانية.. تبحث عن"استعادة التأثير" بعد الثورة
غالباً ما تؤثر الثورات فى أدوار كافة مؤسسات الدولة، فتتغير القيادات، وتتبدل السياسات، وتختلف التوجهات، ويرى الكثيرون أن هذا الأمر قد ينطبق على كافة المؤسسات المدنية، لكن الدينية فهذا أمر مستبعد ومستحيل، لكن البعض يتهم تلك المؤسسات، مثل الأزهر، بالتراجع وخفوت الهمة والعزيمة فى ظل النظام السابق، وبالتالى لا بد من ثورة فى دور المؤسسة ليعود من جديد شعاع نور يضىء للدنيا وسطية وسماحة الإسلام، دور يليق بمؤسسة عمرها أكثر من ألف عام، وصفها الدكتور عبدالحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقاً، بأنها «الكعبة الثانية فى الأرض التى حبا الله مصر بها».
يقول الشيخ عبدالحميد الأطرش: «إن للأزهر دوراً كبيراً فى المجتمع المصرى، سواء أكان ذلك قبل الثورة أو بعدها، فالأزهر على المستوى الأكاديمى حصن أخذ على عاتقه حماية الإسلام، ورفع رايته ونشر سماحته ويسره ووسطيته واعتداله، ففى مصر مدينتان للبعوث الإسلامية إحداهما فى القاهرة والأخرى فى الإسكندرية، يأتى إليها الطلاب الوافدون من أكثر من 96 دولة على اختلاف أجناسهم وألوانهم، حتى إذا حصلوا على شهاداتهم أوفدهم الأزهر إلى بلادهم دعاة للإسلام».[Quote_1]
وأضاف «الأطرش» أن ذلك الدور سيحدده الدستور، الذى ينبغى أن ينص على اعتماد الأزهر مرجعية فى كل المسائل الخلافية حول الشريعة الإسلامية، ولو أن أحداً سافر إلى أى دولة فى العالم، لوجد ما لرجل الأزهر من مكانة، ولكشف بنفسه كيف يُستقبل أعظم استقبال ويُحترم أشد الاحترام، وليس معنى أن شخصاً درس آية أو علم حديثاً أنه أصبح هو الذى يدعى لنفسه السيادة والمرجعية، فهم إن عرفوا شيئاً غاب عنهم أشياء، ولا بد من متخصص حتى يضع الأمور فى نصابها، وكما يقول المولى عز وجل: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون».
لكن الدكتور عبدالظاهر غزالة، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية سابقاً؛ يرى أن هناك حزمة من الأدوار غاب الأزهر عن لعبها فى المجتمع فى الفترة الأخيرة، أهمها أن الأزهر ابتعد عن دوره كمؤسسة لكل المصريين، بدخول شيخ الأزهر إلى «أمانة السياسات» فى الحزب الوطنى «المنحل»، فى حين يقر الجميع بأن منصب شيخ الأزهر دينى بحت واتصاله بالسياسة لا يكون إلا اتصالاً شكلياً، وهذا ما التزم به الشيخ الفحام، والشيخ جاد الحق، والشيخ عبدالحليم محمود، والشيخ البيصار، والشيخ طنطاوى.
ويقول الشيخ غزالة: ظهرت الجماعات الإسلامية لأن الأزهر لم يقم بدوره الدينى والدعوى فى ضوء التبعية للنظام الحاكم، وكان النظام الحاكم يمارس ضغوطاً على مؤسسة الأزهر فى ظل سياسة تكميم الأفواه، فولد هذا الضغط انفجاراً، ظهرت على أثره جماعات أكثر تشدداً.
على الجانب الأكاديمى، يرى الدكتور فوزى الزفزاف وكيل مشيخة الأزهر -سابقاً- أن الأزهر الشريف يمارس منذ قديم الأزل دوراً كبيراً كمؤسسة علمية ودعوية فى مجال الدعوة الإسلامية، بحيث يستقبل بعوثاً من عشرات الدول الأجنبية للدراسة فى الأزهر.
وفى المقابل، يرى الشيخ عبدالظاهر غزالة أن الدور الأكاديمى والتعليمى الذى يفترض أن يقوم به الأزهر تراجع بشدة قبل الثورة، بسبب حذف كثير من المناهج التى كان يتخصص بدراستها الأزهر، وإزالة الكتب الصعبة كـ«شذور الذهب» وأمهات كتب النحو والفقه والدعوة، فأصبح المدرسون غير قادرين على التمييز بين جامعة الأزهر وجامعات وزارة التعليم العالى، كما تراجع الاهتمام بالقرآن الكريم، فأصبح لا فارق -فى الكليات العملية على وجه الخصوص- بين خريجى الأزهر وخريجى بقية الجامعات.
فى الفترة التالية للثورة، ومع بدء التفكير فى إعادة صياغة الدستور، سعى كثيرون إلى جعل الأزهر مرجعية للدستور، وتتفق الغالبية العظمى من مشايخ الأزهر الحاليين والسابقين حول هذا الدور، حيث يقول الدكتور الزفزاف إن دور الأزهر فى المجتمع دعوى واجتماعى وسياسى، ولا بد أن يكون للأزهر المرجعية حتى يضطلع بنشر المفهوم الوسطى للإسلام، «فإن لم يكن للأزهر المرجعية؟، فلمن تكون؟».
ويتفق الدكتور عبدالظاهر غزالة حول جعل الأزهر المرجعية الأولى فى البت فى مسائل الخلاف حول مسائل الشريعة الإسلامية التى هى المصدر الأساسى للتشريع، قائلاً: «توكيل الأزهر كمرجعية للشريعة الإسلامية يجعله أكثر قدرة على القيام بدوره، فى نشر المبادئ الوسطية والفهم الوسطى للدين الإسلامى، ويسهم فى خروج الأزهر من عباءة النظام والسلطة، التى حاولت قبل الثورة بسط هيمنتها عليه».
أخبار متعلقة:
الأزهر الشريف.. فى قلب معركة «الدين والسياسة»
الكعبة الثانية.. تبحث عن"استعادة التأثير" بعد الثورة
«أعمدة»الجامع.. قِبلة علم أصابها التآكل
غاب عن الدعوة.. فظهر المتشددون والدعاة الجدد
أقباط: علاقة الأزهر بالكنيسة يحكمها توافق الإمام والبابا
1000 عام من منح الشرعية الدينية للسلطة.. وتأييد الثورات بعد نجاحها
الميزانية.. 6.8 مليار تلتهمها الأجور
د.أحمد عمر هاشم: الأزهر إرادة الله.. والسلفيون لن يسيطروا عليه
أحمد بهاء الدين شعبان: اليوم وزير الأوقاف سلفى.. ولا نعلم غداً من سيكون شيخاً للأزهر