محمد عبدالظاهر يكتب: الإسكندرية.. المكان والزمان
محمد عبدالظاهر
فى كل مرة يزور فيها السيد الرئيس مدينة الإسكندرية ترتسم السعادة على وجه كل مواطن سكندرى وكل محب للإسكندرية.
فهى دائماً زيارة خير يهدى خلالها السيد الرئيس للمدينة إنجازات جديدة ومشروعات مهمة انتظرها كل مواطن سكندرى من أجل تطوير وتنمية المدينة، كما أن حزمة القرارات والتعليمات التى يصدرها سيادة الرئيس من أجل الحفاظ على ما تبقى من جمال الإسكندرية وردع المخالفين والمتعدين على حقوق الدولة قد أعادت الثقة والأمل الكبير فى عودة التنافسية السياحية للمدينة لتصبح فى المكانة التى تستحقها بين مدن العالم وتعود كما كانت عروس البحر الأبيض المتوسط، وهو ما جعل كل مواطن سكندرى يشعر بالسعادة بعد أن لمس بنفسه حجم الإنجازات التى تنفّذ بين كل زيارة وأخرى.
لقد أسعدت هذه المشروعات والمحاور المرورية كل مواطن سكندرى، كما أسعدهم أيضاً أن تحصل الدولة على حقها المسلوب من المتعدين على أملاكها، وأن تسترد حقها الضائع فى الحديقة الدولية، وأن يتم إيقاف التعديات على أملاكها وأراضيها، وأن يتم منع المخالفات التى دمّرت الإسكندرية، لقد شعر الجميع بحالة الرعب انتابت كل من استحل أموال الدولة واستغل أملاكها وتعدى وخالف وعاث فى المدينة فساداً سنين طويلة فى أيام الهوان.
كما أسعد الجميع القيام بعمل تخطيط مستقبلى وتوسع أفقى للمدينة وخلق محاور مرورية جديدة، كما أسعدهم أيضاً تطوير العشوائيات والقضاء عليها من خلال نموذج تطوير غير مسبوق للعشوائيات فى «بشائر الخير»، الحل السحرى الذى أنجزه السيد الرئيس للمدينة فى وقت قياسى بجهد مخلص من المحافظة والمنطقة الشمالية ومساهمات رجال الأعمال الشرفاء.
وكلها أمور تتم بمتابعة مستمرة من السيد الرئيس شخصياً، الذى أحب الإسكندرية فأحبه كل أهل الإسكندرية.
كما كان لقرارات وتعليمات السيد الرئيس بالتشديد على منع مخالفات المبانى وإحالة المخالف إلى المحاكم العسكرية وإزالة المخالفات فى المهد، حتى لا يستفيد المخالف من مخالفته، والتأكد من التزام المرخص له بشروط الترخيص من أجل الحفاظ على القيمة التاريخية والعمرانية للمدينة، بعد أن أصبح واضحاً للجميع أن سبب مأساة مدينة الإسكندرية هو التعديات ومخالفات المبانى والارتفاعات المخالفة، لأن الكثافات السكانية أصبحت أكبر من قدرة تحمل شبكة الطرق وشبكات المرافق، فأصبحت الإسكندرية مغلقة على نفسها، وزادت فيها أزمة المرور، وأزمة النظافة، وطفح الصرف الصحى، وغرقت الإسكندرية فى موسم الأمطار لعدم قدرة شبكة الصرف على تحمل صرف هذه المبانى المخالفة. كما أصبح من الطبيعى أن تنقطع المياه والكهرباء وأصبحت المدينة لا تتحمل الزائرين والمصيفين.
كما ساءت الحالة المزاجية للمواطنين بسبب هذه الأزمات وحرمت الارتفاعات المخالفة سكان العمارات الملتزمة من الشمس والهواء وأماكن انتظار السيارات بعد أن وصلت الارتفاعات إلى عشرين دوراً فى شوارع لا يزيد عرضها على ستة أمتار، وهى غير مسموح فيها بأكثر من أربعة أدوار، ففقد المواطنون الإحساس بالأمان فلا أحد يضمن السلامة الإنشائية ولا الصحية لهذه العقارات المخالفة ولا يعرف متى ستقع العمارة، وعلى من ستقع، ومن يتحمل الدم الذى سوف يسيل تحت أنقاضها؟
هل هو المقاول الذى خالف وقام بالبناء بدون ترخيص، أم المهندس الذى أشرف،
أم هو مسئول الإدارة المحلية الذى قام بعمل الإجراءات الورقية التى نص عليها القانون، وهى غير كافية للردع، ولا حول له ولا قوة بدون تعاون الأطراف الأخرى،
وهل السبب هو تأخر الشرطة فى الدراسات الأمنية قبل تنفيذ الإزالة، أم السبب تكدّس المحاكم بملايين القضايا للمخالفين، وعدم صدور أحكام سريعة ورادعة؟
وهل شركات المرافق التى تقوم بتوصيل المرافق للمخالف دون الرجوع للمحليات هى السبب، خاصة أنه الإجراء الوحيد الذى كانت تملكه المحليات للضغط على المخالف، ومنعه من الاستفادة من مخالفته، لحين انتهاء الدراسة الأمنية وتحديد موعد الإزالة؟
أم أن السبب هو ضعف التشريعات والقوانين وعدم تحديد المسئوليات، فضاعت المسئولية بين الجهات المختلفة.
ومع هذا التضارب وشيوع المسئولية، استمر المقاول يبنى بالمخالفة والأحياء تقوم بعمل قرار الإزالة وترسله إلى قسم الشرطة، ومحاضر المخالفات ترسلها إلى المحكمة.
والشرطة حملها كبير وتتأخر فى الدراسات الأمنية.
ومحاضر المخالفات بالملايين ومتداولة منذ سنين فى المحاكم ومشاكلها كثيرة.
وشركات المرافق تقوم بتوصيل المياه والكهرباء للمخالفين دون الرجوع إلى المحليات.
والمواطن يشترى السكن المخالف طالما وجد به المياه والكهرباء، خاصة أنه أرخص فى السعر من السكن فى العقارات المرخصة.
والمقاول المخالف يبيع الشقق المخالفة ويقبض الثمن بعد أن نكون قد ساعدناه على البيع بتوصيل المرافق للعقار المخالف بقرارات تساعده على بيع الشقق المخالفة، ويصبح من الأغنياء وكبار القوم ولا يسدّد حق الدولة من تحسينات وضرائب ومرافق وغيرها ولا يتأثر بالإزالات المتأخرة، لأنه باع شقق العقار بالكامل وتفرّغ ليمارس هوايته فى عمل بناء مخالف جديد، وتتهم المحليات وحدها بالفساد تمييعاً للقضية.
إن تحميل المحليات وحدها مسئولية المخالفات دون باقى الأطراف فيه إجحاف للمحليات، وضياع للحقوق والمسئوليات وترييح للضمير بعد أن أصبح واضحاً للجميع الآن أن صعوبة تنفيذ الإزالة يرجع إلى وجود أطراف كثيرة لا تجتمع إلا بتعليمات فوقية أو التزام قانونى، خاصة لو أضفنا إليها الساكن الجديد الذى اشترى من المقاول المخالف وسكن، ووصل المرافق تحت سمع وبصر الدولة وأصبحت لديه أسرة واستقر معها.
لذلك عندما أصدرت الدولة قرارات للتصالح لم يتقدّم للتصالح إلا نسبة ضئيلة جداً لأن صاحب العقار المخالف باع الوحدات السكنية وقبض الفلوس ومش فارق معاه والساكن اللى اشترى شباب غلبان دفع تحويشة عمره وعايش بالعافية، ولو حصل أى مشكلة فى العمارة بيكون عندهم صعوبة فى تجميع أى مبلغ لإصلاحها.
لقد أصبح السكوت على هذه المخالفات وأطرافها الكثيرة غير مقبول، ومعناه المزيد من المخالفات، والمزيد من العشوائيات التى تلهث الدولة لحل مشكلتها منذ زمن طويل ولا فائدة بدون محاسبة كل من يخالف.
فالقاعدة دائماً «لا بناء بدون ترخيص، ولا ترخيص بدون تخطيط، ولا مرافق بدون التزام بالترخيص».
علشان كده كانت أهمية قرار السيد الرئيس وتعليمات السيد رئيس الوزراء بإحالة المخالف إلى النيابة العسكرية والمحاكم العسكرية لردع المخالف نفسه وعمل الإزالة قبل أن يستفيد المخالف من مخالفته.
الموضوع كبير ويحتاج إلى فهم مجتمعى لهذه المشكلة وعلى الأقل التوجيه للمواطن بعدم شراء عقار مخالف، وأن تمتنع شركات المرافق عن توصيل المرافق للمخالف، حتى تسهل عملية الإزالة للمخالف الأصلى، بدلاً من الاصطدام بأسرة لا ذنب لها إلا أنها اشترت الشقة بضمان قيام الدولة بتوصيل المرافق، وكأنها شريكة للمخالف فى تشجيع المواطن على الشراء.
وعلى شرطة الكهرباء وشرطة المرافق اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالف وتحصيل حق الدولة. وعلى الأحياء عمل الإجراءات الورقية المضبوطة، وتكون المخالفات باسم المالك الأصلى، من واقع سجلات الضرائب العقارية «العوايد» للقضاء على ظاهرة «الكحول»، والتسهيل أيضاً على القضاة والمحاكم لإصدار أحكام رادعة وسريعة تساعد فى وقف هذه الظاهرة التى دمرت الإسكندرية ومعظم المحافظات، وعلى مجلس الشعب أن يسارع بتعديل قانون الإدارة المحلية والقوانين المرتبطة بها بمعرفة الخبراء المتخصصين دون أصحاب المصالح من أجل الحفاظ على ما تبقى من تاريخ المدن والحفاظ على أرواح وصحة المواطنين
والكلام عن مصادرة العقار يجعلنا مرة أخرى ندور فى فلك الإجراءات القضائية التى لن تنتهى لأن الطعن على قرار المصادرة حق لكل مواطن وتتدخل فيه أطراف أخرى كثيرة، من باع ومن اشترى، وتستمر القضايا فى المحاكم سنين ولا يعلم أحد النتيجة فى النهاية ستكون لصالح مين، وقد ينهار العقار المخالف الذى تم بناؤه دون إشراف، وبدون الالتزام بالسلامة الإنشائية، ولا الاشتراطات الصحية، ونتحمل جميعاً ذنب من سيموت تحت الأنقاض.
لا بد أن يعلم الجميع أن الدولة قوية وتستطيع أن تحصل على حقها فى تكاليف الإزالة والتحسينات وتكاليف المرافق وغيرها بالطرق القانونية، ومنها الحجز الإدارى، وهو أقوى من المصادرة وإجراءاتها القضائية الطويلة، حتى لو صدر الحكم بأحقية الدولة فى المصادرة، وقد لا نستطيع أن نستفيد من العقار، خاصة أننا لا نضمن السلامة الإنشائية لهذه العقارات، وقد ندخل أيضاً فى خلاف مع الساكن الذى اشترى من المخالف واستقر فى الوحدات السكنية.
كما أن إيقاف إصدار تراخيص جديدة لمدة محددة جائز بأسباب يراها المحافظ ويوافق عليها المجلس المحلى، وفى حالة عدم وجود مجلس محلى يوافق عليها السيد رئيس مجلس الوزراء.
وإنما إيقاف الرخص التى صدرت بالفعل وبدأ العمل فيها بقرار جماعى فهو غير جائز لأنها تحصنت، وإنما يمكن إيقاف ترخيص بعينه رأت جهة إصدار الترخيص أن الترخيص به مخالفات وتعرض على المحافظ بأسباب الإيقاف، وبالطبع لا يمكن إيقاف إصدار تراخيص الترميم للعقارات التى تحتاج إلى أعمال ترميم لخطورة ذالك على الجميع.
والكلام الآن على أن الرخصة ستتحول إلى عقد ملزم للطرفين، فى واقع الأمر الرخصة فعلاً عقد ملزم للطرفين، ولا يحصل صاحب الترخيص على المطابقة التى تسمح له بتوصيل المرافق إلا إذا التزم بهذه الرخصة كاملة دون زيادة أو نقصان «ومن هنا نفهم أهمية عدم توصيل المرافق فى منع المخالفات». وللأسف لا ينطبق ذلك على المخالف الذى يقوم بالبناء بدون ترخيص، ضارباً عرض الحائط بكل القوانين والقرارات وحقوق الدولة، ورغم ذلك نسمح له بتوصيل المرافق بقرارات تخالف القانون والعدل والمساواة مع من التزم وقام بالحصول على التراخيص ودفع حق الدولة كاملاً، وحافظ على أرواح المواطنين.
كل الشكر للسيد الرئيس الذى لم يبخل على الإسكندرية بمال أو جهد أو متابعة أو قرارات.
حفظ الله مصر وشعب مصر وجيش مصر ورئيس مصر.
مصر فوق الجميع.