«جحيم الدائري».. حكاية 4 أيام من النيران المشتعلة ورعب الأهالي
البرلمان: الإزالة الفورية هي الحل.. والأهالي: تحويشة العمر راحت
حريق عقار فيصل
فور أن تطأ قدماك شارع الطالبية بمنطقة فيصل، تشم رائحة دخان الحريق الذي عرف بـ«حريق الدائري»، حيث لا صوت يعلو في المنطقة عن العقار وما ألم به من حريق استمر لـ4 أيام، تسبب في تعطل مروري للسيارات على الطريق الدائري، ومحاط بمخاوف وذعر من تساقط أجزاء منه على المواطنين في الشوارع بشكل مفاجئ.
بداية الواقعة كانت مساء السبت، حينما تلقت الحماية المدنية، بلاغا باندلاع النيران داخل مخزن أحذية في شارع المطبعة بمنطقة فيصل، وهو مكون من 13 طابقا، ما جعل الإدارة العامة للحماية المدنية تدفع بـ12 سيارة إطفاء في محاولة للسيطرة على الحريق.
اشتعال النيران مرة أخرى لليوم الثاني على التوالي
وبعد ساعتين من نشوب الحريق، اشتعلت النيران مرة أخرى بشكل أضخم، بعد أن أعاقت مواد سريعة الاشتعال إطفاء الحريق وساعدت في زيادة الاشتعال، ما تسبب الحريق في إغلاق الطريق الدائري وإجراء تحويلات مرورية، وتشكيل لجان هندسية للتأكد من السلامة الإنشائية للعقار.
صباح اليوم التالي تجددت اشتعال النيران في «عقار فيصل» المحترق، والسبب أضحى معروفًا، بعد أن تبين من التحريات الأولية أن ماسا كهربائيا في الطابق الأرضي تسبب في اشتعال الحريق على مساحة ألف متر داخل مخزن أحذية وامتد للطابقين الأول والثاني من العقار.
العالقون على الدائري بسبب الحريق يستغيثون: بقالنا 5 ساعات عاوزين نروح
ورصد «الوطن»، شكوى بعض المواطنين العالقين بسبب التكدسات وتوقف الطريق الدائري، حيث يقول مصطفى حجازي، أحد المواطنين العالقين على الطريق، منذ الـ12 ظهرا، إنه كان متجها من طريق بنها الحر إلى المعادي، حتى وجد تكدسا مروريا لم يشهده من قبل، عند محور روض الفرج أعلى الطريق الدائري.
فيما قالت هبة محمد إنها بداخل السيارة ومعها طفلان، ووالدها المسن، الذي يحتاج إلى دواء، مؤكدة أنها لا تعلم ما يحدث حتى الآن إلا أن المعلومات التي وصلت لها أن هناك حريقا ضخما بإحدى مناطق الهرم، مستغيثة برجال الحماية المدنية «يا ريت حد يلحقنا عايزين نروح».
استمرار الحريق لليوم الثالث
استمر الحريق حتى الإثنين، وأعلنت الإدارة العامة للمرور، برئاسة اللواء محمود عبدالرازق، مدير الإدارة العامة للمرور، استحداث تحويلات مرورية جديدة على الطريق الدائري بمحيط عقار فيصل المحترق.
التحقيق مع مالك عقار فيصل: أصيب باختناق.. وأسس إمبراطوية الأحذية
وبدورها، أمرت نيابة شمال الجيزة، باحتجاز سمير حمودة، مالك برج فيصل ومخزن ومنفذ بيع أحذية لحين ورود تحريات أجهزة الأمن بشأن الواقعة، وتبين من التحقيقات بإشراف المستشار أحمد شورب، المحامى العام، ومحمد شحاتة، مدير نيابة مركز إمبابة وكرداسة، أن المتهم «سمير» يمتلك البرج المكون من 13 طابقًا ويحوى نحو 105 شقق سكنية، على مساحة نحو ألف متر بالقرب من الطريق الدائرى، وأنه أصيب نتيجة الاختناق من الحريق، ونُقل إلى المستشفى تحت حراسة أمنية مشدّدة.
عام 2013، أسس سمير حمودة أكبر عقار على الطريق الدائرى، كما ذاع صيته، بعد إنشائه شركة «إس إتش»- اختصارًا لاسم مالك العقار- للأحذية الرياضية بذات العمارة، واتخاذه من «البدروم» ودورين «ميزان» فوقه مخزنًا ومنفذًا لبيع الأحذية بالجملة والقطاعى، لتدشين إمبراطوريته فى استيراد الأحذية من الصين، وبيعها.
وقف عمليات الإطفاء بأمر من اللجنة الهندسية
وبعد ساعات من الإطفاء، أمرت لجنة من كلية الهندسة تم استدعاؤها لمتابعة الحريق، بوقف عمليات الإخماد بشكل مؤقت، خشية انفجار أعمدة المسلح نتيجة اصطدام النار مع مضخات المياه، ما قد يؤدى لكارثة، وتركها تأكل بعضها البعض وتهدأ، لحين انخفاض معدل النيران بالمكان.
النيابة الإدارية تفتح تحقيقا موسعا في حريق عقار الدائري
كما وجّه المستشار عصام المنشاوي، رئيس هيئة النيابة الإدارية، بفتح تحقيق عاجل أمام المكتب الفني لرئيس الهيئة للتحقيقات، في حريق الهرم، لبيان مدى سلامة الإجراءات التي شابت إنشاء العقار والمخزن سالفي الذكر، والوقوف على المخالفات والمسؤولين عنها من الجهات الإدارية المختصة، وعرض الأوراق عليه للتصرف في ضوء ما تنتهي إليه التحقيقات، حسبما صرح المستشار محمد سمير، مدير إدارة الإعلام والمتحدث باسم النيابة الإدارية.
خبير علوم جنائية يفسر سبب استمرار حريق الدائري
ومن جهته، قال اللواء ممدوح عبدالقادر، مدير الإدارة العامة للحماية المدنية بالقاهرة سابقا، إن طبيعة المخزونات والموجودات والمحتويات داخل مخزن عقار حي الهرم تشمل جلودًا وأخشابًا وأوراقًا ومواد ملتهبة، مثل التنر والبنزين والمواد اللاصقة والسولار.
وأضاف أن كل هذه الأشياء ينتج عن احتراقها درجة حرارة عالية تتخطى الـ200 درجة مئوية، ودخان كثيف في فترة وجيزة، ما يؤدي إلى صعوبة السيطرة عليه، خاصة في عدم وجود أي منافذ مناسبة للدخول والتعامل مع الحريق، فتكون عملية الإطفاء من خارج عمارة الهرم المشتعلة.
كواليس حريق عقار الدائري لليوم الرابع
لليوم الرابع على التوالي لا تزال النيران مشتعلة في عقار الهرم المتاخم للطريق الدائري ولكن بحدة أقل، الأمر الذي أجبر السكان على إخلاء البناية المكونة من 14 طابقا لتنحصر الخسارة فقط في الممتلكات دون وقوع إصابات أو وفيات.
نيران أمس لم تكن خافتة هكذا في اليوم الأول، والجميع توقع زيادتها مع الوقت، ولكن عناية الله حلت، وبدأت تطفي نفسها بنفسها وتبقى أجزاء بسيطة مثل الجمر لا تزال مشتعلة، حيث انحصرت الأضرار التي شهدها المبنى في سقوط سقف المخزن إثر احتراقه بالإضافة إلى انهيار أجزاء من المبنى والواجهة الخارجية.
أول تحرك برلماني بشأن «حريق الدائري».. إزالة فورية للعقار
96 ساعة كاملة، لم تهدأ خلالها النيران في تلك البناية الضخمة، ما تسبب في تحرك سريع من البرلمان، بقرار من لجنة الإسكان والمرافق العامة في مجلس النواب، برئاسة عماد سعد حمودة، بفتح ملفات البناء العشوائي في مصر، والتحقيق في تقاعس الجهات التنفيذية المختصة بتطبيق قانون البناء على المخالفين، على خلفية كارثة عقار الدائري المحترق، بعد أن كشفت التحقيقات عن مخالفات ارتكبها مالك العقار، الذي يضم 108 شقق سكنية، حيث طالبت اللجنة بـ«إزالة فورية» للعقار، مؤكدة أنه «الحل الوحيد».
حقيقة ميل عقار الجيزة: مجرد شائعات وتفجيره حل أخير
ومن جانبه، أكد مصدر أمني، إنه لا صحة لما تردد بشأن ميل العقار المحترق، وإذا وصل لحالة متدهورة، وكان وشيكا على الانهيار، فالحل يكمن في تفجيره من الأسفل، حتى يسقط ككتلة واحدة على الأرض، بدلًا من سقوط أجزاء منه على كوبري الدائري، وإلحاق الضرر به أو بأحد المواطنين.
وأوضح المصدر لـ«الوطن»، أن مرحلة تفجير العقار لم نصل إليها حاليًا، مشيرًا إلى أن الوضع حاليًا مستقر لحين إشعار آخر.
أهالي عقار الهرم المحترق: تحويشة العمر ضاعت وبقينا من سكان الشارع
«شقا عمرنا ضاع وبقينا مرميين في الشارع، ومش عارفين نروح فين».. بهذه الكلمات المختصرة الممزوجة بالبكاء المرير عبرت إحدى السيدات عن حالها، فيما كانت في حالة ذهول ونظراتها معلقة على البرج الذي التهمت النيران جدرانه، حيث تمتلك السيدة الثلاثينية شقتين داخل البناية المنكوبة.
وتقول السيدة التي فرَّت من الحريق بصحبة أطفالها الثلاثة بملابس المنزل، إن هاتين الشقتين هما «تحويشة العمر»، ونتيجة سنوات الغربة التي أبعدتها عن زوجها: «حطينا كل فلوسنا في الشقتين، كان حلمنا يبقى عندنا حاجة تمليك، بس خلاص كل حاجة راحت، واتحرقت مع النار اللي شايفينها بتعلى لحد ماهتوقع البرج كله، ومعاها فلوسنا اللي مامعناش غيرها».