«أطفال الشوارع» براءة تدفع ثمن «أخطاء الكبار»
«أطفال الشوارع» براءة تدفع ثمن «أخطاء الكبار»
بملابس رثة وأقدام حافية ووجوه متسخة يجلس الأطفال المشردون على قارعة الطريق، يواجهون حرارة الصيف، وبرودة الشتاء، منتظرين أن يرق قلب أحدهم ويمنحهم قطعة خبز يتناولونها فتسد جوعهم، وبين لحظة وأخرى تجدهم ينظرون للأطفال فى مثل سنهم بعيون دامعة حزناً على طفولتهم التى سُلبت منهم وجعلتهم ضحايا للتشرد، فلا يذهبون لمدرسة تضمن لهم مستقبلاً جيداً، ولا حضن والدين يمنحهم الأمان، ولا لعبة يلهون بها فتمنحهم السعادة. ويعد التفكك الأسرى «انفصال الوالدين» هو أحد أهم أسباب التشرد، حيث يتخلى الآباء والأمهات عن دورهم فى رعاية أبنائهم، ويلقون بهم فى الشارع غير آبهين لما قد يتعرضون له خلال تشردهم، بالإضافة إلى الفقر الذى يدفع الأسر للتخلى عن أبنائهم وتركهم فريسة للتشرد، فيضطر أبناؤهم لتحمّل مسئولية البحث عن عمل أو التسول ليوفروا لأنفسهم لقمة العيش أو ملابس تستر أجسادهم الهزيلة. ويواجه الأطفال المشردون الكثير من المشكلات والأخطار أبرزها الاستغلال الجنسى، والتعرض للاختطاف، أو للاستغلال فى أعمال التسول والسرقة، ومن يرفض ذلك يعيش مشرداً على الأرصفة منتظراً أن يرق قلب أحدهم له ويكفله أو أن تضمه إحدى دور رعاية الأيتام وترحمه من التشرد، بالإضافة إلى خطورة إصابتهم بالأمراض المختلفة بسبب عدم نظافتهم.
حكايات المشردين.. «جوع وتسوُّل وألم وإهانة ونوم على الرصيف»
يعيش الطفل «مروان» الذى لم يتجاوز التاسعة من عمره، حلماً مزعجاً وواقعاً مظلماً، بعدما وقع ضحية للتشرد، وأصبح ملجأه الوحيد هو أحد أرصفة منطقة الحواتم بمحافظة الفيوم، يؤويه نهاراً ويحتضنه خلال نومه ليلاً، بعد انفصال والديه وتزوج كل منهما من شخص آخر وألقياه هو وشقيقه الأكبر منه فى الشوارع، ثم تخلى عنه شقيقه الذى أخبره أنّه سيذهب ليعمل فى إحدى ورش ميكانيكا السيارات وسينام فيها ولا يستطيع أن يأخذه معه، وكان عليه أن يبحث عن وسيلة لكسب الرزق ومكان لينام فيه، فلم يعرف الطفل الصغير ماذا يفعل فافترش الرصيف فاقداً الثقة فى الآخرين، وانعدمت رغبته فى الحياة.
«مروان» ضحية التفكك الأسري وشقيقه تركه في الشارع وحيداً بلا عائل
ولفت «مروان» أنظار المارة الذين لاحظوا عدم قيامه بالتسول مثل باقى الأطفال، بل يرفض الحصول على مال من أى شخص ويأخذ ما يكفيه من الطعام فقط مما يقدمه له «أهل الخير»، ذلك المشهد تكرر يومياً لمدة أكثر من شهرين، وحينما اقترب منه صاحب أحد المطاعم بالمنطقة وسأله عن أسرته قال إنّ والديه متوفيان وليس له أحد، لكنه بعدما اطمأن له أخبره أنّ والديه انفصلا وتزوج كل منهما من شخص آخر وألقياه فى الشارع هو وشقيقه ثم تخلى عنه شقيقه وبقى هو وحيداً.
وتطوّع أحد الأشخاص حتى يكفل الطفل «مروان» صاحب الـ9 أعوام، واستأجر له شقة مقابل شقته وأحضر له ملابس وطعاماً وشراباً، وقرر إلحاقه بالمدرسة، ولكنه أراد أن يتكفل به بشكل رسمى فحرر محضراً فى قسم أول الفيوم، ولكن النيابة أمرت بإيداعه فى إحدى دور الرعاية.
الرصيف يحتضن «وليد» بعدما انفصل والداه وتزوج كل منهما
وفى شوارع إحدى قرى محافظة الفيوم، لاحظ الأهالى نوم الطفل «وليد» فى شوارع القرية، يكسوه التراب بسبب عدم استحمامه، ويجلس نهاراً منتظراً أن يعطيه أحد لقمة تسد جوعه، وليلاً أن يعطيه أحد غطاء يستره من البرد، وعطف عليه أهالى القرية، ولكن أصابتهم الصاعقة حينما علموا أنّ والده من عائلة ثرية ومعروفة، ولكنه انفصل عن والدته بعد ولادته بشهور قليلة فنشأ الطفل وهو لا يعرف والدته وظل برفقة والده حتى تزوج من سيدة أخرى اصطحبته للعيش معها فى محافظة أخرى.
وجلس «وليد» يروى مأساته لأهالى القرية الذين سألوه عن سبب بقائه فى الشارع، فأخبرهم أنّه لا يعلم شيئاً عن والدته فقد طلقها والده بعد ولادته، وكان يعيش برفقة والدته وجدته لأمه، ولكن والده تزوج من سيدة أخرى وسافر معها للعيش فى القاهرة، وتركه برفقة جدته، مؤكداً أنّ جدته طردته من المنزل عدة مرات نظراً لأنّ عمته مطلقة ولديها طفل فى نفس عمره وينزعجان من إمساكه بألعاب ابن عمته أو إمساكه بكتبه، فطرداه من المنزل. وكشف «وليد» أنّه كان يجلس فى شوارع قريته بقصر الجبالى بمركز أبشواى بمحافظة الفيوم، ولكن أهل القرية أعادوه لجدته ولكنها طردته عدة مرات وفى المرة الأخيرة هددته بقتله إذا رأته فى تلك القرية، فاستقل سيارة أجرة وذهب إلى إحدى القرى القريبة ومكث فى الشوارع لأنّه لا يعلم كيف يذهب لوالده ولا يعلم شيئاً عن والدته ولا يعلم ماذا يفعل.
واستغاث أهالى القرية بالمجلس القومى للأمومة والطفولة لتوفير حياة كريمة لـ«وليد» فى إحدى دور رعاية الأيتام، ولكنهم حينما أتوا فى اليوم التالى لم يجدوه، وقد هرب إلى قرية أخرى خوفاً منهم اعتقاداً منه أنّهم سيقبضون عليه ويضعونه فى السجن.
«صالح» رفض التشرد وعمل في مجزر آلى بالشرقية فقتله أصحاب العمل بعد حفلة تعذيب وحشية
وقبل شهرين شهدت محافظة المنيا واقعة مؤلمة، حينما تعرّض طفل يتيم أبَى التشرد وعمل فى مجزر دواجن بقرية ميت سهيل بالشرقية، إلى حفلة تعذيب انتهت بوفاته، حيث تعرض الطفل صالح صاحب الـ14 عاماً لحفلة تعذيب دامت 120 دقيقة انتهت بمقتله، بعدما طالب أصحاب المجزر بأجره اليومى الذى يبلغ 50 جنيهاً حتى يترك العمل ولا يأتى إليه مرة أخرى بسبب قيام أحد العمال الأقدم منه بمضايقته والضغط عليه طوال اليوم ويجعله يعمل دون راحة أو رحمة.
وبمناظرة جثته تبين أن جسد الطفل به آثار حروق وكدمات متفرقة موزعة على جثته، فيما أنكر أصحاب المجزر ارتكابهم الواقعة، قائلين إنهم عثروا عليه ملقى أمام المجزر فى تلك الحالة وبه تلك الإصابات، فيما أكدت تحريات المباحث أنّ الطفل كان يعمل فى المجزر منذ 7 أشهر ويتحمل مضايقات زملائه وأصحاب المجزر، ولكنه كان يتحمل بدلاً من التشرد فى الشوارع، وحينما قرر ترك العمل وطالب بمستحقاته المالية أحرقوه بالنار وضربوه حتى ساءت حالته الصحية فاصطحبوه للكشف عليه فى صيدلية قريبة من المجزر ونصحهم الطبيب بالذهاب به للمستشفى بسرعة لخطورة حالته، ولكنه توفى فور وصوله للمستشفى.