تغيـرات المنـاخ ضربة قاسية للموسم الزراعي
ارتفاع حاد لأسعار المحاصيل الصيفية وروشتة للحماية فى 2022
تغيـرات المنـاخ ضربة قاسية للموسم الزراعي
لم تنجُ الزراعة المصرية من آثار التغيرات المناخية التى ضربت العالم أجمع خلال الموسم الصيفى 2021، وتسبّب ارتفاع درجة الحرارة فى خسائر فادحة للكثير من المحاصيل الصيفة، وكان أكبر الخاسرين فيها محصولى المانجو والزيتون، وهو ما انعكس بدوره على أسعار هذين المحصولين بالارتفاع الحاد لأسعارهما نتيجة قلة المعروض، لكن ذلك لم يمنع تعرّض المزارعين لخسائر غير معهودة. وأجمع خبراء الزراعة على أن خسائر موسم المانجو -الذى لم ينته بعد- قد تصل إلى 75%، بينما من المتوقع أن تصل فى الزيتون إلى 80%، وأكد المتابعون للمناخ أن الزراعة هى أكثر الأنشطة تأثراً بالتغيرات المناخية، مما يستوجب وضع خطة وطنية للتكيّف معها وتوقع آثارها على الزراعة مبكراً، مع ضرورة إعادة تغيير مواسم الزراعة للموسم الصيفى والشتوى للمحاصيل الحولية التى عانت أشد معاناة هذا العام.
خبراء: 2021 الأكثر قسوة على الزراعة الصيفية والنتيجة «خسائر للمزارع وغلاء على المستهلك»
أجمع خبراء المناخ فى مصر أن العام الحالى للزراعة هو الأكثر قسوة على زراعات الموسم الصيفى، حيث تسبّب الصيف فى تراجع إنتاجية كثير من محاصيل الفاكهة بنسب تخطت 50% فى بعضها، وهو ما عرّض المزارعين لخسائر فادحة، وعرض المستهلك لموجة غلاء، وحرم كثيرين من الاستمتاع بأصناف الفاكهة وأهمها المانجو، ورغم أن السبب الرئيسى فى ذلك هو ارتفاع درجة الحرارة، فإن التذبذب الحرارى ما بين دفء وبرودة شديدة كان عاملاً رئيسياً فى تلك التغيرات.
«فهيم»: مجابهة التغيرات المناخية تستوجب في البداية تغيير مواعيد زراعة المحاصيل الصيفية بشكل عاجل
ويقول الدكتور محمد على فهيم، رئيس مركز معلومات تغير المناخ والطاقة المتجدّدة والنظم الخبيرة إن: «قضية التغيرات المناخية عالمية لها تأثيرات محلية فى مصر، ويُعد القطاع الزراعى الأكثر تضرراً، وهو الأكثر تأثيراً، إذ إنه يتسبّب فى اختلال ميزان الأمن الغذائى المصرى».
وأوضح أن أكثر الأنشطة ضعفاً فى البنية التحتية والأساسية المقاومة لأى تغيُّر فى المناخ هو القطاع الزراعى، فالدول الأوروبية مثلاً تتعرّض أحياناً لتغيرات مناخية حادة، لكن عندهم بنية تحتية لمواجهة ذلك وتجنُّب حدوث خسائر كبيرة، ومشكلتنا هنا فى مصر عدم وجود هذه البنية، كما أن الدول المتقدمة تعوض الفلاحين عن الخسائر، وطبيعة المزارع المصرى أنه بطىء فى الاستيعاب، لدرجة أنه قد يستوعب معلومة زراعية فى موسم كامل، وهذا البطء يسبّب مشكلات كبيرة جدّاً، خاصةً أن المؤسسات المعنية بإجراءات الوعى لا تقوم بواجبها، بل تكاد تكون مختفية، بسبب عدم اهتمامها أو نقص الكوادر العملية والبحثية.
وتابع الخبير فى تغير المناخ أن العام الحالى 2021 هو الأكثر تأثراً على مدار 40 عاماً بالمناخ المتقلب، وانخفضت فيه إنتاجية أغلب الفواكه والخضر، وتسبّبت التقلبات المناخية فى تساقط معظم أشجار الفاكهة، حيث إنها لم تستوفِ احتياجاتها من البرودة فى فصل الشتاء، لدرجة أن إنتاجية الزيتون والمانجو والتفاح والخوخ والعنب والبرقوق انخفضت، فى معظم المناطق بنسبة كبيرة للغاية، فلكى تدخل الأشجار فى مرحلة إنبات البراعم فى الربيع يجب أن تأخذ احتياجاتها من البرودة، مما يؤثر على معدلات التزهير والعقد، وهما مؤشران مهمَّان على مستويات الإنتاجية.
وأشار إلى أنه بخلاف نقص الإنتاجية، هناك مشكلة أخرى ناتجة عن التغيرات المناخية، وهى جودة المنتج، فمن الممكن أن يحدث عدم انخفاض فى الإنتاجية، لكن تحدث مشكلة فى المنتج ذاته، بحيث يكون أقل جودة، ولا يتحمل التخزين أو التداول، أو يصاب بضعف فى التلوين أو النضج، وأحياناً تحدث زيادة فى التحديات التى تواجه المحاصيل، مثل زيادة انتشار الآفات والأمراض أو ظهور آفات جديدة، وما يزيد من عوامل الخطر أن درجة مرونة القطاع الزراعى منخفضة جدّاً، فهو قطاع «هش»، والمرونة هى قدرة الأشياء على تجاوز ضغوط تغيُّر المناخ.
وأكد «فهيم» أن المجتمعات الريفية المصرية من أكثر المجتمعات هشاشة ضد التغيرات المناخية، أى أنها أقل المجتمعات مرونة؛ فهناك مناطق كثيرة فى الظهير الصحراوى المصرى تعانى مثلاً من نقص فى كمية المياه، والمرونة هنا تعنى خطوات استباقية لمواجهة التغيرات، مثل تبطين القنوات والمساقى لزيادة مرونتها وتوفير المياه، والمثال الثانى هو تنوُّع الدخل فى المجتمعات الريفية، ما بين إنتاج زراعى وزيادة القيمة المضافة على المنتج الزراعى بالتصنيع، والتنوع المحصولى، هذا التنوع يعنى زيادة مرونة هذا المجتمع. ولفت رئيس «معلومات تغير المناخ» إلى أن مجابهة التغيرات المناخية تستوجب فى البداية تغيير مواعيد زراعة المحاصيل الصيفية بشكل عاجل وبعض المحاصيل الشتوية التى تأثرت بشكل كبير بالتقلبات المناخية العام الماضى، ومن المتوقع أن يكون تأثيرها كبيراً على الموسم الزراعى الصيفى الحالى.
من جانبه يقول الدكتور شاكر أبوالمعاطى، رئيس وحدة الأرصاد الجوية بمعمل المناخ الزراعى «إن التغيرات المناخية تعد أكبر التحديات التى تواجه العالم وتؤثر على الأمن الغذائى، فالقطاع الزراعى هو الأكثر ضعفاً وهشاشة بين القطاعات، وما شهده العام الحالى خير دليل على ذلك، ومما يدلل على أن التغيرات المناخية أصبحت واقعاً أن إحدى ظواهره كانت حرائق الغابات فى تركيا واليونان والجزائر، والسيول فى أوروبا والصين والفيضانات العالية فى ألمانيا والحرارة المستعرة فى شرق المتوسط هى الأكثر لفتاً للانتباه بين أحداث العالم».
وأوضح «أبوالمعاطى» أن التغير المناخى هو انحراف للعوامل المناخية عن معدلاتها الطبيعية، ومن تداعيات التغير المناخى تداخل الفصول أو حدوثها فى أسبوع أو شهر واحد، وقد حدث فى 2021 أن جاءت أيام شعر فيها الناس بأجواء حارة فى فصل الشتاء وأجواء مطيرة فى الصيف، وأصبح هذا الأمر ظاهراً، سواء للمواطنين أو العاملين فى القطاع الزراعى، وإذا نظرنا إلى آخر المواسم، مثلاً 2020، فقد حدث أن هطلت أمطار غزيرة لفترات طويلة، وأيضاً دخول صيف قاسٍ عام 2021، مما كان له عظيم الأثر على الإنتاجية الزراعية، حيث أدت الأمطار عام 2020 إلى تدنى إنتاجية محصول القمح، خاصة فى المناطق ذات الماء الأرضى المرتفع وسيئة الصرف، حيث تعرض المحصول للتلف بسبب تراكم المياه فى منطقة الجذور لفترات طويلة مع الإصابة بالصدأ الأصفر، حيث تهيّأت ظروف الإصابة.