بطرس دانيال يكتب: «رسول السلام» ينتصر لـ«كبرياء الإنسانية»
بطرس دانيال
نحتفل هذا الشهر بعشر سنوات لحبريّة البابا المتواضع ورسول السلام والمحبة بين البشر. كم من المواقف الإنسانية التى قام بها فى هذه الفترة، مبيناً بمثله الصالح كيف أنه لا يميّز بين غنى وفقير، ملك أو خفير، عقيدة أو أخرى، بين متهم أو برىء.
ومن هذه المواقف نجده راكعاً أمام بعض السجناء مثل العبد الذى يغسل أرجل أسياده، ومن داخل سجن ريجينا كويلى فى وسط روما، يغسل البابا فرنسيس كل عام أقدام 12 سجيناً، حتى إن أحد الأشخاص المسلمين بكى بكاءً مراً، أثناء تقبيل البابا أقدام السجناء، الذين بكوا تأثراً بهذا الموقف المؤثر، وذلك ضمن طقوس (خميس العهد)، لمحاكاة بادرة التواضع من المسيح تجاه تلاميذه قبل ليلة آلامه.
ولم يتوقف «نصير الإنسانية»، الذى اعتاد النزول متخفياً فى ملابس كاهن بسيط والسير على قدميه فى الضواحى ليساعد المحتاجين، عند هذا الحد، بل دعا خلال طقوسه المقدسة، إلى إلغاء عقوبة الإعدام لأنها غير إنسانية ولا علاقة لها بالمسيحية، مؤكداً حق جميع الفقراء والمهمشين من كل الأديان والأجناس، فى كل مكان حول العالم، فى أن يعيشوا حياة كريمة تليق بإنسانيتهم ولا تهدر كبرياءهم.
قلب «البابا فرنسيس» موازين كثيرة، منذ أول يوم تولى فيه كرسى القديس بطرس، فلم يوافق على استخدام السيارة المصفحة الخاصة به، ولكنه فضّل ركوب الأوتوبيس مع باقى الإكليروس، كما أنه رفض السكنى فى المقر البابوى ومكث فى دير القديسة مرثا فى حجرة بسيطة متواضعة، ووصل به الأمر أنه أثناء تناول الوجبات كان يقف فى الطابور ليأخذ دوره فى إحضار الطعام.
ومن ينظر إلى ملابسه سيكتشف أنها بسيطة جداً، وحتى الآن لم يوافق على استخدام السيارات الفارهة ولكن البسيطة العادية التى يمتلكها أى مواطن، تاركاً الزجاج مفتوحاً ليستطيع أن يصافح الجميع، وعندما ذهب إلى اليونان وجد الأساقفة الذين استقبلوه بسيارات فارهة، قال لهم: «ما هذه الماركات العالمية؟!»، وفضّل ركوب سيارته البسيطة، حتى إنهم خجلوا منه، وعند توديعه إلى المطار استقلّوا السيارات العادية.
فـ«مَنْ رَفَعَ نفسه وُضِع، ومَنْ وضع نفسه رُفِعَ. أنا السَيد والمُعلّم قد غسلتُ أقدامكم، فيجب عليكم أنتم أيضاً أن يغسل بعضكم أقدام بعض» (يو 13: 13-14)، هذه الكلمات قالها السيد المسيح لتلاميذه عندما غسل أقدامهم، وظل يطبقها البابا فرنسيس البسيط المتواضع المُحب فى حياته اليومية.
وهذه لم تكن المرة الأولى للبابا فرنسيس التى يغسل فيها أقدام سجناء أو فقراء أو مهمشين، من جميع الأجناس والديانات، حيث اعتاد القيام بهذه الطقوس كل عام وفى مناسبات عدّة، ما سيدفع جميع رجال الدين فى أنحاء العالم لتطبيقها بكل تواضع ويشعرون بأنهم خدّام للناس وليسوا أسياداً.
وإذا تأملنا تصرفات وأعمال البابا فرنسيس سنكتشف أنه بابا السلام والمحبة والتواضع أينما ذهب، حيث يردد قائلاً: «واجب علينا أن نُعلّم الأجيال القادمة أن الله خالق السماوات والأرض، وليس بحاجةٍ إلى حماية من البشر، بل على العكس، هو الذى يحمى البشر، كما أن الله لا يرغب مُطلقاً فى موت أبنائه، بل فى حياتهم وسعادتهم». لذلك ينزل البابا متخفياً فى ملابس كاهن بسيط ويسير على رجليه فى الضواحى ليساعد المحتاجين، ويوجد فى برنامجه الأسبوعى يوم ليأكل فيه مع الفقراء والمساكين، ومن يستطيع أن ينسى صورته عندما قبّل الرجل الأفريقى الملىء بالأمراض الجلدية، والتى كانت مثار دهشة العالم؟! هذه أشياء قليلة عن سر حُب الناس للبابا فرنسيس. وكم من الزيارات التى يقوم بها بين البلاد حتى ينشر السلام والوئام بينهم، وأخيراً كان فى الكونغو وجنوب السودان بأفريقيا ليقرّب القلوب بينهم. من يريد أن يتعلّم من هذا المثل الصالح الجلى أمام أعيننا؟ إذا فعل زعماء العالم مثل هذا.. كم سيتغيّر مصير العالم!!!