البابا فرنسيس الأول.. عشر سنوات من الإنجازات والإصلاحات في مختلف المجالات
البابا فرنسيس يلتقط صورة سيلفي مع بعض الشباب
عشر سنوات مرت على انتخاب البابا فرنسيس رئيساً للكنيسة الكاثوليكية عُرف خلالها بإنسانيته ومساعدته للفقراء وإصلاحه الداخلى للكنيسة الكاثوليكية ومناهضته للعنف ضد النساء والدعوة إلى السلام، محدثاً أثراً كبيراً على جميع المستويات: الاجتماعى، والدينى، والسياسى، والاقتصادى فى العالم، أما عن الإنجازات التى حققها خلال السنوات العشر فهى:
الاهتمام بالفقراء ومعارضة ثقافة الهدر
على مر عشر سنوات تولى فيها البابا فرنسيس شئون الكنيسة الكاثوليكية وهو يهتم بالفقراء ويدافع عنهم فى جميع أنحاء العالم، بل ويشرف بشكل شخصى فى حالات الطوارئ على المساعدات التى يجب توفيرها لتلك الفئات.
وشهدت السنوات العشر لبابا الفاتيكان معارضة شديدة لـ«ثقافة الهدر» واعتياد العالم على هدر الطعام وعدم تقدير قيمته فى ظل معاناة العالم من الأزمات الاقتصادية وتزايد قوة النزعة الاستهلاكية لدى شعوب العالم.
كما دعا البابا الأرجنتينى إلى العدالة الاجتماعية بين الأشخاص، وأن تكون الاستراتيجيات الساعية إلى العدالة والخير العام، وأن تكون مستدامة اقتصادياً وأخلاقياً، كما نادى بعدم تهميش الأشخاص أو محاولة التخلص منهم لأن كل فرد هو عطيّة مقدسة وفريدة من نوعها، قائلاً: «كل واحد منا هو فى حاجة إلى الآخر، وحتى الضعف حين يعاش معاً يمكنه أن يصبح قوة تجعل العالم أفضل». وجاءت معارضة البابا فرنسيس لثقافة الهدر بالنفع اقتصادياً من خلال إعادة إطلاق العمل وتقدير الأشخاص والعائلات، محرراً العالم من عبادة المال الذى «يجب أن يخدم لا أن يحكم».
إعلان دستور جديد
سعى البابا فرنسيس، منذ انتخابه، لإصلاح الجهاز التنفيذى للكنيسة الكاثوليكية، تلك القضية التى شغلت رؤساء الكنيسة الكاثوليكية، إذ عين مجلساً استشارياً يتكون من ثمانية كرادلة (أساقفة) لإصلاح الإدارة المركزية للكنيسة الكاثوليكية، وكلفهم بمشروع تعديل دستور الفاتيكان.
وكان بابا الفاتيكان يتطلع لأن يكون لغير رجال الدين فى الكنيسة الكاثوليكية مزيد من المسئوليات، كما أراد إشراك النساء أيضاً بشكل أقوى فى قرارات الكنيسة، إذ كان يرى أن الإفراط فى المركزية يعقِّد حياة الكنيسة وديناميكية التبشير، بدلاً من مساعدتها.
فى الذكرى التاسعة لبابوية «فرنسيس» تم إعلان صدور الدستور الجديد للفاتيكان المسمى «إعلان الإنجيل» لتُترجَم بذلك طموحات البابا فرنسيس فى الإصلاح إلى إنجازات على أرض الواقع.
وجاءت وثيقة «إعلان الإنجيل» لتنص على «الاهتمام بالفقراء والضعفاء والمستبعدين فى جميع أنحاء العالم»، ويخصص البابا شخصياً المساعدات التى يجب توفيرها لتلك الفئات فى حالات العوز الشديد، وحماية القاصرين.
كما وضع نظماً واضحة وشفافة للنواحى المالية والإدارية فى الكنيسة الكاثوليكية، مع منح إمكانية تعيين العلمانيين من الرجال والنساء، إذ تقول افتتاحية الوثيقة الجديدة: «البابا والأساقفة والوزراء المعينين الآخرين ليسوا المبشرين الوحيدين فى الكنيسة»، مضيفة أن العلمانيين من الرجال والنساء يجب أن يكون لهم دور فى الحكومة والمسئولية.
وبناء على ما نصت عليه وثيقة «إعلان الإنجيل»، عين بابا الفاتيكان 3 نساء، كما عين 20 كاردينالاً ليصبحوا مستشاريه ومساعديه الكبار فى الفاتيكان وحول العالم، واختارهم من بين من يوافقون على رؤيته للكنيسة، وأوصى الكرادلة الجدد بالتعرف على المجمع الكنسى وإبداء اهتمامهم بالناس العاديين.
الإصلاح المالي
بعد مرور عامين على الاستقالة المفاجئة التى قدمها البابا بندكت السادس عشر، فى الحادى عشر من فبراير عام 2013، أحدث خليفته البابا فرنسيس منذ انتخابه فى مارس 2013 ثورة فى تنظيم الدوائر الاقتصادية فى الفاتيكان تحقيقاً للشفافية وتعزيزاً للرقابة فيما يتعلق بالجوانب المالية. أعاد البابا الأرجنتينى تنظيم نظام الرقابة المالية فيما يرتبط بالكرسى الرسولى عبر إنشاء أمانة عامة وهيئة للاقتصاد، وعملية توحيد لعدة مجالس بابوية، أحد أقطابها يتكفل بالأعمال الخيرية والآخر للجوانب العلمانية. واستكمل البابا فرنسيس خطوات الإصلاح التى أطلقها البابا بندكت ولم يغلق بنك الفاتيكان بل قرر إصلاحه بعد الفضائح المالية التى عصفت به بسبب فتح حسابات مالية لأشخاص محظورين، واستخدامها لأغراض غير مشروعة بتواطؤ من مسئولين بالبنك فاسدين.
وفى العام الرابع من تولى البابا فرنسيس وضعت الدولة الإيطالية الفاتيكان على «القائمة البيضاء» للدول التى لديها مؤسسات مالية تعاونية، لتُنهى سنوات من عدم الثقة فى بنك المؤسسة الرسولية بدولة الفاتيكان. وتم وضع نظم واضحة وشفافة للنواحى المالية والإدارية فى الكنيسة الكاثوليكية ضمن الدستور الجديد للفاتيكان المسمى بـ«إعلان الإنجيل» الذى صدر فى العام التاسع من تولى البابا البالغ من العمر 86 عاماً.
مواجهة المثلية والتحرش
كافح البابا فرنسيس، خلال عشر سنوات من توليه رئاسة الكنيسة الكاثوليكية، فضائح الاعتداءات الجنسية والتحرش بالأطفال، واصفاً إياها بأنها عار على الكنيسة. وفى مواجهة تلك القضية أعلن عن أكبر تعديل فى قوانين الكنيسة الكاثوليكية منذ 40 عاماً، حيث شدد العقوبات القانونية على رجال الدين المدانين الذين يتحرشون بالقصَّر والفئات الضعيفة من البالغين والمختلسين أو الساعين لترسيم نساء، واضعاً التحرش الجنسى بالقصر تحت قسم جديد بعنوان «إساءات للحياة الإنسانية والكرامة والحرية»، بدلاً من العنوان المبهم السابق «جرائم تتعلق بالالتزامات الخاصة».
كما أصدر قانوناً يرغم الكهنة والأساقفة والرهبان والراهبات على التبليغ عن أى شبهة باعتداء جنسى أو تحرش، وكذلك عن أى تغاضٍ من مسئولى الكنيسة عن هذه الأفعال.
وأما عن موقفه من المثلية الجنسية، فاعتبرها تتعارض مع تعاليم الكنيسة الكاثوليكية، إذ رأى أن المثلية الجنسية ليست جريمة وإنما خطية، وحرم الكهنة المثليين من حق دخول المعهد الإكليريكى.
إلا أنه فى الوقت ذاته دافع عن حق المثليين فى تكوين أسرة ووصفهم بأنهم أبناء الله، وجاء ذلك خلال فيلم وثائقى عن حياته.
مناصرة المرأة ومواجهة العنف ضدها
وفى خطوة من البابا فرنسيس تُعد نهاية لهيمنة رجال الإكليروس على الكنيسة الكاثوليكية، أتاح البابا الفرصة أمام المرأة للمشاركة فى الخدمة الكنسية، إذ رأى أن المرأة بصفتها مساوية للرجل فى الكرامة فإنها تستطيع أداء كل الوظائف ما عدا التى تخص الدرجة الكهنوتية.
وإقراراً واحتراماً لدور المرأة ووفق الدستور الجديد الذى أعلنه البابا فرنسيس فى عامه التاسع البابوى، قام بتعيين 3 نساء فى مناصب مختلفة بالكنيسة الكاثوليكية، كما نادى بضرورة توفير حياة بشكل يتلاءم مع كرامة المرأة وأهمية تمكين الفتيات من متابعة دراستهن بدلاً من أن يتركن الدراسة ويصبحن أمّهات فى سنّ مبكرة.
كما ندّد البابا المحب للسلام بالعنف ضد المرأة، واصفاً العنف ضد النساء فى إحدى تغريداته عبر موقع التواصل الاجتماعى «توتير» بأنه «إساءة لله نفسه، وجرح مفتوح، ونتاج ثقافة قهر ذكورية»، داعياً إلى مساندة المرأة فى مداواة جرح اللامساواة والعنف.
ووصف المرأة بأنها منبع السلام الذى يولد منه السلام ويستمد منه العالم السلام، متابعاً أنه لتحقيق حلم السلام فى العالم لا بد من إفساح المجال أمام المرأة.
ونوه البابا فرنسيس فى مقدمة كتاب بعنوان «قيادة نسائية أكبر من أجل عالم أفضل» إلى أهمية التربية من أجل منح النساء الكفاءات والمعارف من جهة، والإسهام فى تغيير الثقافة الذكورية من جهة أخرى، مشدداً على أنه ما من حرية وعدالة وتنمية متكاملة وديمقراطية وسلام بدون التربية.
الدعوة للسلام بلا كلل
منذ أن تولى البابا فرنسيس رئاسة الكنيسة الكاثوليكية وهو يدعو إلى السلام بلا كلل، السلام بين الشعوب والسلام بين الأديان، وهو ما ظهر من خلال مواقفه خلال العشر سنوات التى تولى فيها.
ولا تمر مناسبة إلا ويدعو البابا فرنسيس للسلام، ففى عيد الميلاد الماضى دعا للسلام فى أوكرانيا، معبراً عن أسفه على الأطفال الذين تلتهمهم الحروب والفقر والظلم، كما أن له تغريدات عبر موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» يدعو خلالها للسلام بين البشر، مشيراً إلى أن السلام يبدأ من بين يدى الشعوب. وخلال مشاركته فى منتدى الحوار بين الشرق والغرب الذى جاء من أجل عيش الناس معاً فى سلام دعا إلى إسكات جميع الأسلحة فى العالم ورفع أعلام السلام من أجل وحدة البشرية، إذ يُعتبر البابا فرنسيس من أشد المعارضين لاستخدام الأسلحة.
وفى بداية توليه لعب البابا فرنسيس دوراً تاريخياً فى تحسين العلاقات و«إذابة الجليد» بين كوبا والولايات المتحدة الأمريكية، ويُعتبر هذا أول إنجازته التاريخية، وامتدت رسالة السلام إلى كولومبيا، إذ استطاع التهدئة بين الحكومة وإحدى الجماعات الثورية بعد صراع لقى خلاله 200 ألف شخص حتفهم خلال الفترة من 1954 وحتى 2012.
التسامح والتعاون مع الأديان والطوائف الأخرى
عمل البابا، البالغ من العمر 86 عاماً، على تحسين علاقة الكنيسة الكاثوليكية مع الكنيسة الأرثوذكسية منذ اللحظات الأولى لتوليه، كما سعى لنشر مبادئ التسامح والتعايش مع الأديان الأخرى.
وتجلى سعى البابا فرنسيس لنشر رسالة الوحدة والسلام بين الكنائس فى الاجتماع التاريخى الذى جمعه مع البطريرك كيريل، بطريرك الأرثوذكس فى روسيا بعد قطيعة بدأت منذ عام 1054م بسبب رفض الكنيسة الشرقية الاعتراف بسلطة كنيسة روما، وكان هدف الاجتماع استعادة الوحدة المسيحية لإنقاذ المسيحيين الذين يواجهون تهديداً بسبب العنف فى الشرق الأوسط.
كما شارك بابا الفاتيكان فى العديد من حوارات التسامح والتعايش بين الأديان لاستعادة الحوار الإسلامى المسيحى لنشر التسامح بين الأديان، إذ كان له دور بارز فى دعم المسلمين فى الغرب، كما رفض ربط الإرهاب العنيف بالدين الإسلامى، معتبراً أن الإسلام ليس دين عنف، كما استقبل عدداً من المهاجرين المسلمين غير الشرعيين وتولى بيده غسل أقدامهم، واصطحب فى طائرته الخاصة عدداً من الأسر السورية المسلمة اللاجئة من الحرب الأهلية، فى دعوة عملية منه للتعايش والتسامح. كما دعا إلى ضمان دخول الأماكن المقدسة بحرية فى القدس، قائلاً: «أتمنى أن يعيش الإسرائيليون والفلسطينيون وجميع سكان المدينة المقدسة جنباً إلى جنب مع الحجاج، تجربة جمال السلام والعيش فى أخوّة والدخول بحرية إلى الأماكن المقدسة، فى احترام متبادل لحقوق كل منهم».
كما وقعت دائرة الحوار بين الأديان بالفاتيكان مع مجلس حكماء المسلمين، مذكرة تفاهم مشتركة لتعزيز الحوار بين الأديان والثقافات، تنص على تشكيل لجنة مشتركة دائمة للحوار الإسلامى المسيحى، برئاسة الجانبين.
مصالحة السكان الأصليين لكندا
فى السنة التاسعة من حبريته قام البابا الأرجنتينى بزيارة اعتذار لجماعات السكان الأصليين فى كندا عن الانتهاكات التاريخية التى ارتكبتها الكنيسة الكاثوليكية فى حقهم فى المدارس الداخلية فى القرن الـ19.
وخلال زيارة الاعتذار ذهب إلى تلك المدارس التى كانت مخصصة لاستيعاب أطفال السكان الأصليين كخطوة أولى لتعزيز الشفاء من تلك الانتهاكات.
وخلال رحلة التوبة، كما وصفها، اعتذر البابا فرنسيس اعتذاراً وُصف بالتاريخى عن الانتهاكات التى فعلها المبشرون الكاثوليك فى المدارس الداخلية قائلاً «أنا آسف بشدة»، كما قبّل يد أحد الناجين من مدرسة سكنية. وقدمت الكنيسة الكاثوليكية أكثر من 50 مليون دولار نقداً ومساهمات عينية، بالإضافة لـ30 مليون دولار أخرى على مدى السنوات الخمس المقبلة.