الأسطى عبدالنبي.. فنان يحفظ التراث الإسلامي بـ«أهلّة ومآذن»
«عبد النبي»: الصنعة تعاني من قلة انتشارها وهكمل فيها لآخر يوم في عمري
تشاهدها في مهابة وإجلال.. فمن النظرة الأولى تمدك أهلّة المساجد بحالة روحانية، فمن المآذن تنطلق الأصوات لإعلان الصلاة، ومنها ينفتح عالم آخر من الإبداع ومهارة الحرفيين، فهي جزء أصيل من فنون العمارة الإسلامية، وداخل إحدى الورش القديمة بمنطقة باب الشعرية ما زال عبدالنبىي هنداوي متمسكا بالمهنة المتوارثة عن والده، ليسير على هداه وينقل أسرارها لابنه، مواصلا العهد في صناعة أهلّة المساجد، فهي بركة حياته ونور طريقه.
مرت أكثر من 40 عاما وأصوات الطَرق على النحاس لصناعة أهلّة المساجد ترافق الأسطى الستيني في تفاصيل يومه، متذكرا خطواته الأولى داخل الورشة، فكل ركن شاهد على ذكرياته في تلك الحرفة اليدوية، ورغم حصوله على شهادة دبلوم التجارة، فإنّ حبه المتوارث لصناعة الأهلّة جعله يختار طريق صناعتها: «الورشة هنا بقالها أكتر من 100 سنة.. كل جزء فيها شاهد على حياتى».
في السابعة من صباح كل يوم يبدأ «عبدالنبي» عمله برفقة شقيقه داخل الورشة، ورغم تجاوزه الستين من عمره، لكنه ما زال يعمل بيديه، يمسك المطرقة وينزل على الحديد بدقات محددة، لا يعيقه شيء في صناعتها رغم ما تحتاجه من مجهود شاق، وخلال حديثه لـ«الوطن» سرد الأسطى الستيني تفاصيل مهنته.
فالبداية دائما تأتي من التصميم الهندسي الدقيق الذي يحصل عليه «عبدالنبي»، ومن ثم التنفيذ بخطوات معدودة على النحاس، الخامة الأساسية في صناعة الأهلّة، وأحيانا ما تكون الألومنيوم، وما إن يحصل عليها حتى يتم تقطيعها وتشكيلها في أجزاء مختلفة منها قاعدة المآذن، وهي أشبه بالميكروفون، ثم تشكيل أجزاء الهلال والقمرة، وهي الأجزاء النهائية المميزة لشكل المآذن والأهلّة.
من يومين لأسبوع يستمر عمل الورشة بأكملها على المئذنة وهلالها، الذي تنتهي خطوات تصميمه بالتنظيف والتلميع اليدوىي حتى يستعيد بريقه، وبواسطة سيخ حديدي طويل يتم تركيب المئذنة أعلى الجامع وتنصب عليها الهلالة، وغالباً ما تكون في اتجاه القبلة، ورغم ما يبدو من بساطة تصميمه، فإنّه يحتاج لكثير من الدقة: «الصنعة فيها فن وتركيز شديد.. حبيتها وهفضل مكمل فيها لآخر يوم».
تصميم ورشة «عبدالنبي» للمآذن والأهلّة لم يتوقف فقط عند السوق المصرية، فرغم أنّ أكثر زبائنه من التجار الذين يعرضون بيعها، فإن الأسطى الستيني يتميز أيضا بتصدير منتجاته لدول الخليج: «صناعة الأهلّة مش منتشرة زي زمان.. عشان كدا بنصدرها للصعيد ودول الخليج».
تمسك «الأسطى الستيني» بمهنته اليدوية لم يكن نابعا فقط من الوراثة، فهي المهنة التي زرعت داخله صفاء الذهن والنفس: «علمتني الفن والصبر»، ذاق معها حلاوة العمر، ويجدد الشغف مع ابنه الذي اصطحبه منذ سنوات إلى الورشة ليقاوما معا من أجل بقاء المهنة.