«حصار الدستورية»: 18 يوماً من الترهيب لتعطيل القضاء

أنصار الإخوان خلال حصار المحكمة الدستورية العليا «صورة أرشيفية»
2 ديسمبر 2012.. يوم لن تنساه مصر، إذ شهد واقعة «حصار المحكمة الدستورية»، فى واحدة من أبشع الجرائم التى ارتكبها تنظيم الإخوان الإرهابى فى حق القضاة، خلال فترة تولى محمد مرسى حكم البلاد، ومحاولة تنظيمه منع المحكمة من الانعقاد حتى لا تنظر فى حكم حل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور وتقضى ببطلان مجلس الشورى.
التنظيم منع انعقادها للنظر فى حكم حل «الجمعية التأسيسية» وبطلان «الشورى» بأوامر صفوت حجازى
جاء حصار المحكمة عندما أعلنت عن تحديد جلساتها لنظر الطعون المقدمة على تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور وعدم دستورية قانون معايير انتخاب أعضائها، وعدم دستورية قانون انتخاب أعضاء مجلس الشورى الذى يهيمن عليه حزب الحرية والعدالة المنبثق عن تنظيم الإخوان، ليعطى صفوت حجازى الإشارة لأتباع التنظيم الإرهابى بالاحتشاد أمام مقر المحكمة الدستورية بمنطقة المعادى فى محافظة القاهرة، وغلق الطريق وافتراش الأرصفة، ليفاجأ القضاة صباح يوم نظر القضية بمنعهم من الدخول وبالهتافات العدائية ضد المحكمة وأعضائها، حيث تظاهر حوالى 5 آلاف شخص أمام مقر المحكمة.
18 يوماً ظلتها المحكمة الدستورية العليا تحت الحصار من قبَل الإخوان، وسبقها حصار التنظيم الإرهابى وأنصاره لمجلس الدولة فى نفس الدعاوى عدة أيام.
نصب الإخوان منصة أمام بوابتى الدخول للمحكمة الدستورية العليا، ووضعوا مكبر صوت عليها، رددوا فيه الهتافات المناوئة للمحكمة وقضاتها، ورفعوا لافتات وشعارات تؤيد الإعلان الدستورى الصادر وقتها، ومشروع الدستور المطروح للاستفتاء، متهمين قضاة المحكمة الدستورية بالسعى لـ«هدم مؤسسات الدولة المنتخبة»، وجاء من بين الهتافات التى رددها المتظاهرون: «عيش.. حرية.. حل الدستورية»، «الشعب يريد حل المحكمة الدستورية»، «يا قضاة الدستورية اتقوا شر المليونية»، وغيرها من الهتافات، كما رفع المتظاهرون لافتة أمام المحكمة كتبوا عليها «إن الحكم إلا لله»، كما رفعوا صور محمد مرسى.
ونظراً لهذه الأجواء والمحاصرة لم يتمكن مستشارو المحكمة الدستورية العليا من الحضور وأداء عملهم اليومى، وقررت المحكمة تأجيل عقد جلساتها إلى أجل غير مسمى، وفى محاولة للتنصل مما جرى ناشد القائم بأعمال رئيس حزب الحرية والعدالة فى حينها، وهو عصام العريان، المتظاهرين عدم التعرض للقضاة، وكتب عبر حسابه الخاص بـ«تويتر»: «ونحن فى بدايات التحول الديمقراطى نمارس ونصحح مع المسيرة الديمقراطية، لا يجوز تعطيل القضاء، لا من جانب القضاة، ولا من جانب المتظاهرين، أرجو من المتظاهرين أمام المحكمة الدستورية عدم التعرض لقضاتها».
وشهد محيط المحكمة الدستورية العليا تعزيزات أمنية مشددة ومكثفة، تمثلت فى عشرات العربات المصفحة وعربات نقل الجنود، وسيارات الإسعاف والإطفاء، وتم عمل حواجز وأسيجة أمنية مشددة من مئات من الجنود أمام مقر المحكمة بينهم وبين المتظاهرين.
وأصدرت «الدستورية العليا» بياناً وقتها يتضمن تعليق أعمالها لأجل غير مسمى بسبب حصار مؤيدى محمد مرسى مبناها، ووصفت الاحتجاجات بأنها «اغتيال معنوى لقضاتها». وقالت المحكمة، فى بيانها، إن قضاتها تبيَّن لهم لدى اقترابهم من المبنى أن هناك خطراً يتهدد سلامتهم «فى ظل حالة أمنية لا تبعث على الارتياح»، ووصفت ما يدور حول المبنى بأنه «يوم حالك السواد فى سجل القضاء المصرى على امتداد عصوره»، وأشارت المحكمة إلى أن تعليق الجلسات جاء رفضاً للأجواء المشحونة بالغل والحقد والرغبة فى الانتقام واصطناع الخصومات الوهمية، واعتبرت أن أساليب الاغتيال المعنوى التى تمارَس ضد قضاتها هى التى قادت إلى هذا المشهد البغيض المفعم بالخزى والعار بما حمله من تشهير وتضليل وتزييف للحقائق، على حد وصفها آنذاك.
وفى 15 يناير 2013، عادت المحكمة الدستورية العليا إلى الانعقاد مرة أخرى لإصدار الحكم بعدم دستورية قانون تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، وحل مجلسى الشعب والشورى، واستمرت المحكمة فى الانعقاد على مدار عدة جلسات، انتهت فى 2 يونيو 2013، بإصدار حكم من الدستورية ببطلان تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، وحلها، وكذلك حل مجلس الشورى، مع الانتظار لحين انعقاد مجلس النواب. ولم تكن واقعة «حصار المحكمة الدستورية العليا» هى الواقعة الوحيدة للإخوان، بل حاولوا، خلال حكم محمد مرسى، فرض أجندتهم على القضاء، من خلال تعيين نائب عام بدلاً من النائب العام عبدالمجيد محمود، وسُمى وقتها «النائب الخاص»، وذلك فى إطار مخططهم لأخونة كل مفاصل الدولة، وهو ما يمثل نقطة من الانتهاكات التى تعرضت لها رموز الدولة الوطنية المصرية، حيث إن المحكمة الدستورية رأس القانون ومعيار الالتزام بالدولة الوطنية الحديثة.
عميد «حقوق طنطا»: واقعة لم تحدث فى العالم من قبل.. ومحاولة يائسة للتأثير على سير العدالة بإرهاب حراسها
وتعقيباً على واقعة حصار المحكمة الدستورية العليا، قال الدكتور مصطفى أبوعمرو، الخبير القانونى، عميد كلية حقوق جامعة طنطا، إن واقعة حصار المحكمة تمثل نقطة سوداء فى جبين المخططين والمنفذين لهذا العمل المشين، فى محاولة يائسة للتأثير على قضاة المحكمة الموقرين والتأثير على سير العدالة فى أسمى درجاتها وجهاتها حينذاك، ولكنهم فشلوا فى مخططاتهم الإجرامية بسبب بسالة وصمود كل من قصدوا التأثير عليهم وعرقلة عملهم بهذه المحكمة المرموقة والتى تحظى بمكانة سامية بين نظيراتها على مستوى العالم.
وأشار عميد كلية الحقوق بجامعة طنطا، فى تصريحات لـ«الوطن»، إلى أن حصار المحكمة هو الواقعة الأولى من نوعها فى العالم، أن يتم فرض حصار على أعلى محكمة قضائية فى الدولة، والهدف منها إرهاب المحكمة ككيان وإرهاب القضاة وحراس العدالة، ولكن فى حقيقة الأمر لم يحدث أى نوع من الإرهاب أو التأثر بهذا الحصار من قبَل المحكمة الدستورية العليا وأعضائها.
وأوضح الخبير القانونى أن حصار الإخوان لمقر المحكمة الدستورية العليا، لمدة 18 يوماً، سيظل مسطوراً فى السجل الأسود لمن قاموا به أو دعوا إليه، وستظل المحكمة رمزاً لشموخ القضاء المصرى وصرحاً للعدالة، وسيبقى القضاء ويذهب الأشقياء.