تقرير دولي: تطبيق سيناريو انخفاض «معدلات الخصوبة» يوفر 93.34 مليون جنيه في إنفاق مصر
مصر اهتمت بوحدات تنظيم الأسرة لتقديم حملات التوعية للسيدات لمواجهة الظاهرة
«ماذا لو استمر انخفاض معدلات الخصوبة».. سؤال طرحه مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، انطلاقاً من الأهمية القصوى للقضية السكانية، حيث أظهرت مصر سجلاً حافلاً فى إدارة النمو السكانى حتى عام 2008، عبر ضخ استثمارات فى تنظيم الأسرة ورفع معدلات الصحة الإنجابية بما ساهم فى حدوث انخفاض مثير للإعجاب فى البلاد لمعدل الخصوبة الكلى من 4.5 إلى 3.0 ولادات لكل امرأة بين عام 1988 و2008. ولو استمرت الخصوبة فى الانخفاض لوفرت الحكومة 17.6 مليار جنيه بالقيمة الحقيقية فى جميع القطاعات الثلاثة «التعليم والصحة والإسكان» فى 2019-2020، وكان قطاع التعليم سيشهد أعلى وفورات بنحو 9.8 مليار جنيه يليه قطاع الصحة ثم الإسكان.
استجابة لارتفاع إجمالى معدل الخصوبة أطلقت مصر الاستراتيجية القومية للسكان فى مصر 2015-2030 التى حددت التحديات السكانية الرئيسية ما بعد يناير 2011، والمتمثلة فى انخفاض الموارد العامة لتنظيم الأسرة، وانخفاض الحملات الإعلامية وتزايد الفقر، والتأثير المتزايد للتيار السلفى المتشدد، والذى يعارض تمكين المرأة وتحديد النسل، واستمرار التفاوتات الجغرافية فى مؤشرات السكان والتنمية.
ووفق تقرير لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، فإن التغيرات الديموجرافية تؤثر على الازدهار الاقتصادى عبر التغيرات فى معدل الإعالة العمرية ونسبة السكان فى العمل، فمثلاً تؤدى زيادة نسبة الأشخاص فى سن العمل القادرين على العمل إلى زيادة الدخل عبر الالتحاق بسوق العمل، حيث ارتفعت نسبة الأفراد فى سن العمل خلال الفترة من 1990-2010 لتبلغ 63% عام 2010، ثم بدأت فى الانخفاض حتى بلغت 61% عام 2020.
ويمكن القول إنه لو استمرت معدلات الخصوبة فى مصر فى الانخفاض بعد عام 2000 بنفس وتيرة الانخفاض التى شهدتها خلال الفترة من 1970-2000 لكان بإمكان مصر أن تبتعد عن التكاليف المرتبطة بارتفاع النمو السكانى، حيث كان من المتوقع أن يصل معدل الخصوبة فى عام 2020 إلى 1.96 مولود لكل امرأة بدلاً من 3.26 فى عام 2020 وعدد السكان كان سيصل إلى 92.6 مليون نسمة بدلاً من أن يصل إلى 101.7 مليون نسمة فى عام 2020.
وأكد تقرير لمركز المعلومات أنه كان من الممكن أن ينخفض معدل الإعالة العمرية إلى 50%، ولا يرتفع إلى 64%، خصوصاً مع ارتفاع عدد السكان القادرين على العمل بعد عام 2011، حيث إن معدل الإعالة أمر بالغ الأهمية، فكلما كانت النسبة أقل يعنى ذلك ارتفاع نسبة الأفراد فى سن العمل، وانخفاض نسبة الأشخاص المعالين «غير المُنتجين»، ما يعنى وجود فرصة لزيادة الإنفاق العام على قطاعات مختلفة مثل الصحة والسكان والتعليم بالإضافة إلى توافر وظائف أكثر.
وفى تقرير للبنك الدولى، أشار إلى أن المدخرات المفقودة أى المعدلة حسب التضخم والتى تمثل فرصة ضائعة على مصر نتيجة عدم استمرار معدلات الخصوبة فى الانخفاض تُقدر بإجمالى 93.46 مليار جنيه خلال الفترة «2007-2008 و2019-2020» فى الإنفاق العام على الصحة والسكان والتعليم، وهى مقسمة كالآتى: 27.48 مليار جنيه فى قطاع الصحة، و18.79 مليار جنيه فى قطاع الإسكان، و47.19 مليار جنيه فى قطاع التعليم.
فيما يتعلق بتكاليف الرفاهية البديلة، أظهر تقرير البنك الدولى أن استمرار الانخفاض فى معدلات الخصوبة كان من شأنه أن يزيد نصيب الفرد من الناتج المحلى الإجمالى بزيادة أكبر من المستويات المُحققة بنحو 4.4% والتى تمثل نحو 2000 جنيه لكل فرد، وبزيادة إجمالية قدرها 149.8 مليار جنيه فى الناتج المحلى الإجمالى لعام 2019، كما أن نسبة الادخار من الناتج المحلى الإجمالى كان من المفترض أن تحقق 21%، بدلاً من 13.9% المُحققة فعلياً فى عام 2019، الأمر الذى يعزز الاستثمارات والشعور العام بثمار التنمية.
أرقام ودلالات ضخمة كشفت عنها بيانات وزارة المالية لحساب الإنفاق العام على الصحة العامة للفترة «2007-2008 و2019-2020»، حيث وُجد أن الإنفاق الحقيقى التراكمى الفعلى لقطاع الصحة بلغ 586.2 مليون جنيه، وذلك مقابل 558.84 مليون جنيه على حسب التوقعات بأثر رجعى فى حال استمرار انخفاض معدلات الخصوبة، ما يعنى أن المدخرات الحقيقة الضائعة فى الإنفاق العام على الصحة فى هذه الفترة إذا لم ترتفع معدلات الخصوبة، تصل إلى 27.36 مليون جنيه بمتوسط 4.69% من الإنفاق العام الفعلى الحقيقى على الصحة، الأمر الذى وصفته بيانات وزارة المالية بالمبلغ الكبير.
وهنا يمكن القول إنه كان من الممكن توفير 93.34 مليون جنيه فى الإنفاق العام الحقيقى على الصحة والإسكان والتعليم معاً لو أن معدل النمو السكانى اتبع الاتجاه الهبوطى فى سيناريو انخفاض الخصوبة بأثر رجعى للفترة من 2007-2008 و2019-2020، وقدرت هذه الوفورات الضائعة فى هذه النفقات بنحو 8.93% من الإنفاق الحقيقى على الصحة والإسكان و11.62% من الإنفاق الحقيقى على التعليم فى 2019-2020.
وعلقت الدكتورة ابتسام إسماعيل، أستاذ الصحة العامة بكلية الطب بجامعة المنيا، على مشكلة الزيادة السكانية بصفة عامة، قائلة: «تمثل الزيادة السكانية إحدى أخطر المشكلات الكبيرة التى تؤرق الاقتصاد المصرى وتعوق التنمية فى كل المجالات والتى تمثل تحدياً كبيراً للتنمية المستدامة فى جميع الدول».
أستاذ «صحة عامة»: تفضيل إنجاب الذكور أحد أسباب زيادة السكان
وبررت الدكتورة ابتسام إسماعيل فى حديثها لـ«الوطن»، أسباب الزيادة السكانية، بزيادة عدد المواليد مع تحسن الحالة الصحية، إضافة إلى العادات والتقاليد التى تؤيد الزواج المبكر، وتفضيل إنجاب الذكور، والإنجاب المباشر بعد الزواج، وعدم استخدام وسائل تنظيم الأسرة، وعدم الاكتفاء بطفلين، كما أنه ما زالت ثقافة الإنجاب التى تكونت عبر أزمنة طويلة فى المجتمع المصرى مرتبطة بالعزوة والسند.
وأشارت «إسماعيل» إلى أن ارتفاع النمو السكانى يؤثر بصورة مباشرة على القطاع الصحى، فعلى الرغم من جهود الدولة المصرية المبذولة للنهوض بالقطاع الصحى، إلا أن النمو السكانى المتزايد يمثل تحدياً يلتهم تلك الجهود؛ فالارتفاع فى معدلات الزيادة السكانية يعنى زيادة الطلب على الخدمات الصحية بكافة أشكالها ومستوياتها.