«الغيطانى» مراسلا حربيا «إحنا دمّنا كاكي»
جمال الغيطانى
على مكتبه ظل محتفظاً بذكرياته من حربَى الاستنزاف وأكتوبر المجيدة، ومعها شارة العبور التى كانت «أثمن ما يملك» الروائى جمال الغيطانى الصحفى والمراسل الحربى المقيم والمقاتل على الجبهة فى فترة من أهم فترات التاريخ المصرى، إذ عمل صاحب «التجليات» مراسلاً عسكرياً على الجبهة لـ«أخبار اليوم» فى الفترة من 1969 وحتى 1976 ليشهد ويسجل بطولات الإنسان المصرى خلال التدريبات الشاقة وإعادة بناء القوات المسلحة وعمليات حرب الاستنزاف قبل سنوات من معجزة العبور العظيم فى 1973.
نصف قرن من الزمان مضى على هذه الأحداث التاريخية التى صححت الخريطة وعدّلت مسار التاريخ، ولكن عندما تقرأ كتابات الغيطانى عن هذه الوقائع وحكايات «الغريب» تشعر بالذكرى نابضة ومضيئة وملهمة للمستقبل.
ما يزيد على ست سنوات قضاها الغيطانى على الجبهة المصرية مراسلاً حربياً لمؤسسة «أخبار اليوم»، هو والمقاتلين، فى مواجهة متجددة يومياً مع الموت، ذلك الموت الذى لا بديل عنه إلا النصر واسترداد الأرض والكرامة، خلال هذه السنوات راح الغيطانى يدوّن حكايات الأبطال وبطولاتهم من شتى أرجاء المحروسة على الجبهة، جميعها تكشف دور البشر المنسيين فى صنع النصر وكتابة التاريخ، ليردد على مسامع أبنائه كلمات تحمل الكثير من الدلالات ترديد الخبير الذى رأى عن قرب «إحنا دمنا كاكى».
بطولات المصريين على الجبهة خلال حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، يرويها الغيطانى شاهداً ومقاتلاً حكايات نابضة بالحياة لأبنائه يوثق من خلالها سيرة وطن بأكمله، إذ يسجل بطولات المقاتلين على الجبهة بشكل روائى إنسانى بأبعاد تاريخية وكأنه يُفسح المجال لكل شخص ليكشف عن دوره فى صنع معجزة أكتوبر.
ولا غرابة فى ألا يكتفى الغيطانى بدور المراسل والصحفى، إذ هو فى الأصل يكتب منطلقاً من قاعدة الأدب، الأكثر رسوخاً وعمقاً، فهو كعادة الأديب يتلقى الأحداث بصورة مختلفة، فيكوّن مفرداته لتنضوى الوقائع والشخصيات والأحداث والتاريخ جميعها ضمن مشروعه الإبداعى.
والغيطانى المولود فى قلب صعيد مصر، وتحديداً فى جهينة بمحافظة سوهاج 9 مايو عام 1945، فى اليوم الأخير من الحرب العالمية الثانية، نشأ فى قاهرة المعز التى ارتحل إليها مع أسرته، وبعد أن أنهى دراسته الإعدادية، ورغبة منه فى التخفيف عن كاهل والده، واستعجالاً للاستقلال المادى عن الأسرة، التحق بإحدى المدارس الفنية بقسم فن السجاد الشرقى ومارسه لمدة 6 سنوات.
«عصامياً» بدأ تثقيف نفسه بالقراءة مبكراً بشراء الكتب من باعة الكتب القديمة بجوار الأزهر، فتعرّف إلى التراثين العربى والعالمى من خلال هذه المكتبات الثرية، وفى عام 1959 كتب أول قصة له، واستمر فى ممارسة شغفه فى الكتابة حتى عام 1963، وهو العام الذى نُشرت له فيه أول قصة قصيرة فى مجلة «الأديب» اللبنانية، كما نشر مقالاً فى مجلة «الأدب» التى كان يصدرها أمين الخولى.
تتالت مرات النشر فى الصحف المصرية والعربية، إلى أن أصدر الغيطانى أول كتاب له فى مارس 1969 «أوراق شاب عاش منذ ألف عام» وكان يضم خمس قصص قصيرة كُتبت كلها بعد النكسة، وهو الكتاب الذى أحدث ضجة، فكتب عنه محمود أمين العالم، وكان يرأس مجلس إدارة «أخبار اليوم» فى ذلك الوقت، ذهب إليه الغيطانى ليتعرّف عليه، فعرض عليه «العالم» العمل فى الصحافة، ومن هنا دخل الغيطانى إلى عالم الصحافة، إلى أن طلب منه موسى صبرى العمل فى التحقيقات الصحفية، ليسافر إلى الجبهة فى العام نفسه ويكتب عن الوضع فى السويس فى ذلك الوقت، وقرر موسى صبرى أن يكون الغيطانى مراسلاً حربياً لجريدة الأخبار فى العام نفسه.