الشيخ خالد الجندي يكتب: ثورة انتصار لمقاصد الشرع الشريف
الشيخ خالد الجندى
لقد أبت سُنة الله تبارك وتعالى فى خلقه أن يتاجر أحدٌ بالله ورسوله، ويتخذ من الدين مطيّة للوصول إلى مآربه الدنيوية؛ ولذلك لا نعجب حين نجد كتب السنة الصحاح تصدّر أحاديث النبى -صلوات الله عليه وآله- بالحديث الشريف الذى رواه سيدنا عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- والذى قيل عنه إنه نصف الدين: «حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِىِّ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ».
وقوله -صلوات الله عليه وآله- «إلى دنيا يصيبها»، أى أن غرضه ليس الله ورسوله، بل دنياه التى يطمع فيها؛ ولذلك وجدنا آية الله تتحقق أمام أعيننا فى الثلاثين من يونيو عام 2013.
مرّ عامٌ كامل على الشعب المصرى وهو فى حالة من الاحتقان والاستياء ممن كان يظن فيهم أنهم من يسعون لمصلحة البلاد والعباد عملاً بشرع الله كما ادعوا، فإذا بالشعب يجد أمامه رأى العين أن الدين كان وسيلة للحكم، وأن شعار (الإسلام هو الحل) كلمة حق أريد بها باطل.
ولذلك هيأ الله لشعب مصر (خير جنود الأرض)، كما ورد فى ما عن عمرو بن العاص -رضى الله عنه-: حدثنى عمر -رضى الله عنه- أنَّه سمع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: «إذا فتح الله عليكم مصر بعدى فاتخذوا فيها جنداً كثيفاً؛ فذلك الجند خير أجناد الأرض، فقال له أبوبكر: ولمَ ذلك يا رسول الله؟ قال: لأنهم فى رباط إلى يوم القيامة».
إن الله قد هيّأ لهذا الوطن العزيز خير أجناد الأرض ليحموا عرينه ويذودوا عن حياضه كل ما من شأنه أن يهدّد الأمن القومى، فكان النصر والتأييد من الله تبارك وتعالى.
ولكن لا ندرى كيف توهّم بعض المنخدعين والمغترين أن هذه الثورة العصماء محاولة لهدم الإسلام؟! وحاشاه أن يُهدم، وهو دين ربنا وعصمة أمرنا.
وحينما نعود إلى بيان القيادة العامة للقوات المسلحة، فى الأول من يوليو 2013؛ ندرك مدى الحرص على الوطن لآخر لحظة، قبل اتخاذ قرار خارطة الطريق فى الثالث من يوليو 2013، فنجده ينتصر لكل المقاصد الشرعية التى نادى بها ديننا الحنيف، ونصّ عليها علماؤنا، وهى: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعِرض.
ونضيف إليها: حفظ الوطن؛ لأنه لولا الأمن القومىّ، لما استطاع المرء حفظ المقاصد الخمسة السابقة.
وحرص البيان على التحذير من الانقسام والضياع الذى حذرنا منه رسولنا الكريم -صلوات الله عليه وآله- فقال: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا، قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْكم غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ تُنْتَزَعُ الْمَهَابَةُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيُجْعَلُ فِى قُلُوبِكُمُ الْوَهْنُ، قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ».
ونلمس فى هذا البيان الرفق مع الشعب الذى عانى كثيراً، فكان لزاماً على القوات المسلحة الباسلة أن تحتضنه وتلبى مطالبه.
ولعل بيان الثالث من يوليو 2013 الذى تلاه وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى ووضع خارطة الطريق استجابة لثورة شعب، وبداية بناء الدولة وعودتها، وهذا ما رأيناه متحقّقاً منجزاً أمام أعيننا بعد إحدى عشرة سنة من التعمير والإنجازات سياسياً واجتماعيّاً وصحيّاً، ولا يزال نهر العطاء يتدفّق بوجود رئيس حريص على مصالح البلاد والعباد، وبطانة صالحة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
وصدق الله تبارك وتعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ» (البقرة: 204 - 207)