بريد الوطن .. ذكرياتي مع بائع الصحف
ذكرياتي مع بائع الصحف
٢٥ عاماً ظل محمد فيها أهم شخص لما يمثله عمله الذى يقوم به بالنسبة لى وهو بيع الصحف.. كنت أنتظره كل يوم بشغف شديد.. كنت أنظر للصحف والمجلات وبعض الكتب نظرة أخرى أعمق وأجل من ذلك، فكنت أعتقد بأن الدنيا بعد طبع كل جريدة أو كتاب وبعد قراءة أى صحيفة أو مجلة أو كتاب فى أى علم أو تخصص ستحدث إضافة للدنيا وللفكر وللعقل الإنسانى، كانت بينى وبينها علاقة ملؤها الاحترام. محمد الذى قد يراه البعض متشرداً صعلوكاً لا مهنة لحمله الصحف والتسكع بها فى الطرقات ونواصى الشوارع والميادين وكأنه يؤدى طقساً مقدساً.. كان ينظر لمهنته قبل أن أنظر إليها بشىء من القداسة، لما تحمله الصحف والكتب من رسالة لمحاربة القبح وقتل الجهل والتقريب بين البشر، قابلته أمس بعد فترة طويلة من الانقطاع ولكن حاله تبدل، انطفأت نظرته أصبح أقرب لشبح، فسألته وأنا أعلم بالجواب أكثر منه، لماذا أنت على هذه الحالة السيئة؟ فقال بأسى: لم يعد للجرائد والقراءة سوق كما تعرف، وأصبحت بلا عمل ولم أتخيل نفسى أعمل غير هذه المهنة، فقد قتلها الإنترنت وأجهز عليها تماماً، وكان معه أعداد قليلة من الجرائد، ثم قال لم أبع منذ الصباح إلا نسخة واحدة، فربتُ على كتفه مواسياً ثم لا أعرف ماذا أقول، محمد تائه لأنه متمسك بعالمه الأثير الجميل. ولكن ذلك العالم: ترك محمد غير مأسوف عليه إلى غير رجعة.
إبراهيم الديب
يتشرف باب «نبض الشارع» باستقبال مشاركاتكم المتميزة للنشر، دون أي محاذير رقابية أو سياسية، آملين أن يجد فيه كل صاحب رأي أو موهبة متنفساً له تحمل صوته للملايين.. "الوطن" تتلقى مقالاتكم ومشاركاتكم على عنوان البريد التالي bareed.elwatan@elwatannews.com