فى مجتمعنا العظيم بعض القضايا الجدلية تظل معلقة وبعض القضايا التى لا تقبل الجدل أو تتطلبه تطرح كقضايا رأى عام، ويفتعل فيها النقاش حتى تقتل بحثاً! هذه هى الحالة المجتمعية التى نحياها دون كلل أو ملل، وربما كان آخر نموذج يجسدها مؤخراً هو إثارة موضوع الحجاب مجدداً وبلا داعٍ، فمع كامل احترامى لآراء الجميع ممن يهاجمون أو يؤيدون ارتداء الحجاب فإن للدين رأياً يحترم وهو المرجعية الحقيقية، كما أننى أرى من خلال وجهة نظرى المتواضعة الآتى: أولاً أنه لا داعى مطلقاً لإثارة أى نعرات عنصرية فى هذه الفترة، خاصة ما يتعلق بالدين، نظراً لحساسيته الشديدة وقدسيته بالطبع، وهنا مكمن المسئولية الحقيقية للمثقفين وهى العمل على جمع شتات المجتمع بدلاً من تعريضه لمثل هذه الهزات والقنابل الموقوتة التى تزيده انشقاقاً وتفسخاً، ثانياً أتصور أن كل مدعى الليبرالية الحقيقية عليهم ألا يهاجموا الحجاب إيماناً منهم بالحرية الشخصية لكل فرد بشكل عام وبحرية المرأة بشكل خاص فى ارتداء الحجاب أو عدم ارتدائه، خاصة أننا لا نستمع لأحدهم وهو ينتقد ارتداء الملابس العارية بل تندرج تحت بند الحرية الشخصية، ثالثاً أعتقد أيضاً أن الحجاب قد حسم من قبل غالبية علماء الدين الإسلامى بأنه فريضة وأن إثارة هذا الموضوع على نحو يجعل منه قضية رأى عام والحشد ضده لهو أحد أنواع التجاهل والإهانة والضغط على الأزهر الشريف والمؤسسات الدينية وكذلك الضرب فى صحيح الدين، رابعاً لم يعد من المستساغ إلصاق الدين بالإخوان، فالتفرقة أصبحت الآن واجبة لعدم خلط الأوراق، خاصة أن شماعة الإخوان أصبحت تستخدم الآن كثيراً لتمرير بعض الأفكار والرؤى والأطروحات الدينية والسياسية من قبل البعض حتى تكتسب قضاياهم أهمية ومشروعية سياسية (وفقا لاعتقادهم) وهذا قد أصبح ملحوظاً جداً فى الآونة الأخيرة، حتى أثير موضوع الحجاب كما لو كانت محاربته هى إحدى القضايا الوطنية، لأنها من محاربة الإخوان وبالتبعية محاربة الإرهاب! خامساً أطالب قادة الرأى بإثارة قضايا أكثر نفعاً وجدوى لمجتمعنا وما أكثرها، كإصلاح منظومة الصحة والتعليم والبطالة والإسكان والإدمان وارتفاع معدلات العنوسة والطلاق والإصلاح السياسى والاقتصادى والهجرة غير الشرعية، وقبل كل هذا وذاك مكافحة الإرهاب بنشر صحيح الدين الإسلامى بعيداً عن الفكر التكفيرى أو الفكر المتهتك الذى يحارب الدين، مع ضرورة أيضاً مواجهة الإسلاموفوبيا فى الغرب وتعريف المسلمين بالدين الإسلامى الصحيح قبل تعريف الغرب بها! إنها قضايا لا حصر لها لمن أراد الإصلاح الحقيقى الشامل ولمن أراد القيام بدوره التثقيفى التنويرى بالمجتمع فى هذه الفترة، ولنترك الحجاب جانباً الآن ونحترم أفكار ومشاعر السواد الأعظم من المصريين والعرب بل والشعوب الإسلامية ولا نتهم الحجاب بما ليس فيه ولا نبنى أيضاً منابر خلافية وجدلية لن تقدم أو تؤخر! وإلى اللقاء الأسبوع المقبل.