رئيس مجلس الإدارة:

د. محمود مسلم

رئيس التحرير:

مصطفى عمار

تصوير:

عز الدين وهدان

07:51 م | الخميس 24 سبتمبر 2020
كتب: عزالدين وهدان
على درجات عقاره، جلس بهدوء شديد كالذي يغلب على منطقته المتواجد بها الحي السويسري بمدينة نصر، لا يقطعه سوى أصوات أنفاسه المتسارعة التي يحاول بها كبت دموعه التي تغلي بداخله متفوقة على ألم السرطان، بينما ينظر للشارع بأعين مترقبة حزينة تأمل عودة نجله من عمله كعادته، ولكنها بعد اليوم بات أمرًا مستحيلاً لاستشهاده.

قبل ساعات قليلة، كان العقيد عمرو عبدالمنعم، يؤدي عمله في سجن طرة برفقة عدد من رجال الأمن، ليتفاجأ بمحاولة 4 إرهابيين تابعين لتنظيم "داعش" المحكوم عليهم بالإعدام يحاولون الفرار من السجن، ليتصدى لهم مع أصدقائه بجسارة، ليودعوا الحياة أثناء أداء الواجب، ليترك خلفه العقيد الشهيد طفلتين في عقدهما الأول من العمر، وأسرة بسيطة كانت تعتمد عليه في المقام الأول.


"كان عكازي وإيدي ورجلي، هو أول فرحتي وأكبر حزني".. بصوت متهدج وحلق جاف من شدة الإعياء عقب دفنه لجسد نجله الأكبر الشهيد العقيد عمرو عبدالمنعم، بمقابر الأسرة في مدينة نصر، يتحدث والده عبدالمنعم إبراهيم خليل، الذي شهد اليوم أسوأ كوابيسه "كنت فاكر أنه هو اللي هيدفني مش أنا"، محاولا كتم دموعه، التي لم يتمكن من حبسها حتى جعلته غير قادر على الحركة أو صعود منزله، ليجلس على كرسي بإحدى درجات عقاره، بعدما سيطر الحزن بجانب كبر السن على وجهه السبعيني.



المكالمة الأخيرة بين الأب ونجله الراحل كانت قبل يومين للاتفاق معه على موعد نقله إلى مستشفى الأورام للتحضير لجلسة الكيماوي، والتي اختلفت كثيرا عن المكالمة التي تلقاها قبل ساعات بشأن استشهاده، خلال اتصال أحد أصدقاء الشهيد بوالدته ويخبره بإصابة "عمرو" قبل الإفصاح عن وفاته، قائلا: "هو هدية من ربنا جابهالنا وخدها مننا دلوقتي.. ربنا يقوينا ويصبرنا على فراقه".



بخلاف الحزن البالغ الذي يسيطر على الأب، ما زالت الأم غير مدركة حتى الآن رحيل نجلها، فتحاول جاهدة الهروب من تلك الحقيقة عبر ترتيب المنزل أو الحديث مع أفراد أسرتها الذين سارعوا لمساندتها، بينما يسيطر على ذهنها ذكرياتها مع العقيد الراحل وفترات طفولته، لتتجه لجمع صوره السابقة التي تحتفظ بها منذ أعوام، فيما ما زال اسمه ملتصقا بلسانها فتنادي شقيقه الوحيد باسمه عن غير قصد.