محمد خان: «قبل زحمة الصيف» كسر لـ«تابوه» السينما الأخلاقية
مشهد من الفيلم
بالرغم من تاريخه الطويل فى العمل السينمائى، فإن المخرج محمد خان، ما زال يحمل فى داخله روح الشاب، الذى درس السينما فى لندن، ومارسها فى بيروت، وساهم فى صنع تيارها الجديد فى القاهرة، وحصد جوائز عن إنتاجه الإبداعى من مختلف المهرجانات الدولية حول العالم، ليعود «خان» مرة أخرى إلى الساحة بإطلاق الفيلم الـ25 فى مشواره السينمائى، مثيراً الجدل بمشاهد نسيتها السينما المصرية منذ عقود مضت، لتعود مرة أخرى فى «قبل زحمة الصيف»، وتجد طريقها إلى دور العرض السينمائى فى شهر أبريل الحالى، ليعرض الفيلم تحت لافتة «للكبار فقط»، رغم عزفه لسيمفونية بصرية فريدة، قادها المخرج محمد خان، الذى نناقشه فى الحالة التى طرحها فى «قبل زحمة الصيف»، وفى حواره لـ«الوطن» يتحدث عن الفيلم، وترشيحه لغادة شهبندر لكتابة السيناريو، والتعديلات التى أجريت عليه، إضافة لموقفه من تقديم فيلم عن الثورة، والأزمة الأخيرة التى أثارها انسحابه من مهرجان مسقط السينمائى.
المخرج الكبير لـ«الوطن»: مشهد القُبلة يعتبر عاملاً محفزاً للشخصيات
■ ما الفكرة التى أردت طرحها فى «قبل زحمة الصيف»؟
- الفيلم هو حالة ليس من اللازم أن يعبر عن فكرة، أو يناقش قضية بعينها، ينقلها المخرج للمشاهد بالملعقة، ولكن يجب أن تثار تلك الأفكار فى ذهن المشاهد تلقائياً، فلكل متلقٍ الرغبة فى التعامل مع الفيلم من وجهة نظره الخاصة وفقاً لرؤيته الشخصية، واتهام الفيلم بأنه يعبر عن طبقة واحدة غير صحيح، فالفيلم به عدة طبقات اجتماعية، وفى النهاية يسعدنى توحد المشاهد مع رؤيتى، ويسعدنى أيضاً تفاعله مع الفيلم بتبنى رؤية مختلفة عن رؤيتى، فأنا لا أستطيع فرض فكرة بعينها على المتلقى، ولكن كان اختيارى أن يقدم الفيلم من وجهة نظر «جمعة» الذى يراقب، حيث ينتمى إلى طبقة اجتماعية معينة، ولكنه يطل على طبقة اجتماعية مغايرة، ويحاول أن يكتشفها.
أرفض وصف اعتراضى على «مسقط السينمائى» بالأزمة.. وتدخل الرقابة الحكومية فى اختيار أفلامه سبب رفض الفيلم
■ وما المعايير التى اعتمدت عليها فى اختيار فريق عمل الفيلم؟
- اختيار الممثلين يكون بناء على الأدوار التى شاهدتهم فيها من قبل، وبالنسبة لهنا شيحة، جذبنى أداؤها فى مسلسل «موجة حارة»، مما دفعنى لترشيحها للدور، لأن لديها القابلية لتجسيد شخصية «هالة سرى»، أما هانى المتناوى، فقدم دوراً جيداً فى فيلم «هرج ومرج»، ولفت نظرى دور أحمد داود فى مسلسل «سجن النسا»، بالإضافة إلى لانا مشتاق، التى تجمعنى بها علاقة صداقة، وقدمت معى من قبل دوراً صغيراً نسبياً فى فيلم «فتاة المصنع»، أما بالنسبة لماجد الكدوانى، فقدراته التمثيلية المميزة واضحة فى مختلف أعماله، وفى النهاية نجحوا فى تأدية المطلوب منهم، لخروج العمل بالمستوى المطلوب فى شكله النهائى.
■ لماذا اخترت التعامل مع الكاتبة غادة شهبندر رغم عدم تقديمها لكتابات سابقة؟
- صداقتى بغادة شهبندر وراء ترشيحها لكتابة سيناريو الفيلم، ففى الوقت الذى بدأت فيه الفكرة لدىَّ، بعد عودتى من إحدى القرى السياحية، فكرت فى صناعة فيلم عما يمكن أن يفعله أشخاص يعيشون وحدهم فى مكان كهذا، وكان الدافع الأول لاختيار غادة هو انتماءها لطبقة اجتماعية مماثلة للطبقة التى يدور حولها الفيلم، لذلك كانت أكثر قدرة على تجسيد هذا العالم، والتعبير عنه بشكل جيد فى كتابتها، بحكم درجة قربها منهم، وكان هذا سبب تشجيعى لها لكتابة السيناريو، الذى كتبته فى البداية بالإنجليزية ثم ترجمناه للعربية، وبالفعل جمعتنا مجموعة كبيرة من الجلسات، حتى بدأت الشخصيات تتبلور أمامنا، ليخرج العمل بعد ذلك فى شكله النهائى.
صداقتى بـ«غادة شهبندر» وراء ترشيحها لكتابة السيناريو.. وانتماؤها للطبقة التى نتعرض لها جعلها أكثر تعبيراً عنها
■ وهل قمت بإدخال تغييرات كبيرة على سيناريو غادة شهبندر؟
- تمت إضافة مشهدين، الأول لقُبلة على الشاطئ بين عشيقين من الأجانب، ليعتبر هذا المشهد بمثابة عامل محفز للشخصيات فى الفيلم فيما يتعلق برغباتهم، أما مشهد قيادة «هالة» لدراجة «جمعة»، فجاءت فكرته فى الليلة السابقة لتصويره، وكان بالنسبة لى يحمل أكثر من معنى، حيث يلمح للعلاقة بين «هالة» و«جمعة»، لأن الدراجة هنا تعبر عن «جمعة» شخصياً، وأن «هالة» تنظر إليه هى الأخرى بشكل ما، خاصة أن العلاقة تظهر طوال الوقت من جانب واحد يمثله «جمعة»، كما قمت بإضافة خط تحقيقات القضية التى يتورط فيها مستشفى الدكتور «يحيى»، الذى تركه له حماه ليديره مع شركاء آخرين.
■ إذا كان مشهد القبلة محفزاً للشخصيات فماذا عن مشهد موت الببغاء؟
- مع موت الببغاء اندفعت «ماجدة» فى التعبير عن مشاعرها، التى كانت تحبسها فى داخلها طوال الوقت، بالإضافة إلى أن المشهد يدفعنا إلى التساؤل، لماذا فتح «جمعة» باب القفص للببغاء، فهو حقد طبقى سطحى ساذج، يعكس مشاعر الشاب القروى، تجاه الطبقة التى يقوم بخدمتها، ويتضح ذلك أيضاً فى قيامه بالاستيلاء على علبة السجائر الخاصة بها، قبل أن يعيدها إليها مرة أخرى بعد ذلك.
■ هل ترى أن الهجوم على الفيلم قبل عرضه يعكس كبتاً مجتمعياً؟ وارتداء ممثلة لـ«المايوه» هل يجعلها جريئة؟
- المجتمع لا يعانى من الكبت، فهو يمارس فى الخفاء كل ما يرفضه فى العلن، وبالفعل جاء الفيلم لكسر تلك التابوهات، فمن غير المنطقى أن نحكم على السينما أخلاقياً، فعلى مدى تاريخ السينما كانت حرة، بعيداً عن الأحكام، وكل من قدموها من قبل ما زلنا نعشقهم حتى الآن، سواء هند رستم، أو شادية، وفاتن حمامة، ونادية لطفى وسعاد حسنى، وبالتالى لا يعنى أن من وافقن على ارتداء «مايوه» أو تقديم مشاهد قبلات غير محترمات، أو نتعامل معهن باعتبارهن «مومسات»، وبالتالى أعتبر تلك النظرة رجعية ومتخلفة ومرفوضة بالكامل.
■ ولماذا قررت اللجوء لكسر هذا «التابوه» فى «قبل زحمة الصيف» تحديداً؟
- لم أقرر أن أكسر «التابوه» الآن فقط، بل على مدار فترة طويلة واجهت ذلك، سواء فى فيلم «بنات وسط البلد»، أو فيلم «فتاة المصنع»، الذى اتخذ منحى مختلفاً من حيث المعالجة، ولكن طبيعة «قبل زحمة الصيف»، والمكان والشخصيات سمحوا لى بتقديم ذلك بشكل أوضح.
■ وهل أغضبتك لافتة «للكبار فقط» على الفيلم؟
- أنا مع الرقابة على الأفلام، من خلال نظام التصنيف العمرى، ولم أرفض لافتة «للكبار فقط» أو «18+» بالنسبة لتصنيف الفيلم، ولكن بالطبع يظل المرفوض هو التدخل فى الأعمال بالحذف، بالإضافة إلى أن الرقابة هى مجموعة من الأشخاص المتغيرين دائماً، وتتغير رؤيتها على مدار الزمن، خاصة أنها تضم بنوداً عامة ومطاطة، مثل عدم المساس بالدين والأخلاق، وبالتالى لا تمتلك لائحة محددة.
■ لماذا المرأة تستحوذ على البطولة الرئيسية فى أغلب أفلامك؟
- لدىّ نظرة تعاطف مع المرأة، فأراها مظلومة، خاصة أن القانون الذى من المفترض أن ينصفها يضعه رجل، ويطبقه أيضاً رجل، فهى تحت رحمة الرجل، مهما تحدثنا عن حرية المرأة، أو العدالة والمساواة، هى بالفعل غير موجودة، بالإضافة إلى حبى للشخصيات النسائية، فهى مليئة بكثير من التفاصيل والأحاسيس، سواء «هيام» فى «فتاة المصنع»، أو «نجوى» فى «شقة مصر الجديدة»، أو حالياً «ماجدة» و«هالة» فى «قبل زحمة الصيف».
■ هل واجهت صعوبات إنتاجية خلال عملك على الفيلم؟
- إنتاج الفيلم تطلب مشاركة 7 كيانات، فهناك أزمة كبيرة فى الإنتاج تعانى منها صناعة السينما، وبالنسبة لى تتكرر تلك المعاناة مع كل فيلم، فى الحصول على مصادر لتمويل العمل إنتاجياً، ويتطلب وقتاً كبيراً وجهداً حتى يبدأ الفيلم بالوقوف على قدميه، وبالفعل توقفت مجموعة من المشاريع بسبب أزمة الإنتاج.
■ لتفادى تلك الأزمة هل من الممكن أن تتعاون مع عائلة «السبكى» كما فى تجربة المخرج يسرى نصرالله فى «الوجه الحسن»؟
- بالفعل تعاونت معهم مرة واحدة فى فيلم «مستر كاراتيه»، للراحل أحمد زكى، ولكنهم كانوا فى بداية عملهم فى الإنتاج السينمائى، ولكن فى الوقت الحالى لا أمانع فى التعامل معهم بشروطى، وتنفيذ الفيلم برؤيتى وطريقتى الخاصة، دون تدخل من أحد، على أن يقتصر دورهم على إنتاج الفيلم فقط، وفيما يتعلق بيسرى نصرالله، فسمعت أنه عانى أثناء تنفيذ الفيلم.
■ لماذا قررت فى أفلامك أن تبتعد شخصياتك عن مناقشة الوضع السياسى؟
- لا يوجد هروب من الوضع السياسى، فهو موجود دائماً، سواء من خلال الفقر الذى يعتبر سياسة، أو الأمية، حتى فى «قبل زحمة الصيف»، السياسة حاضرة، رغم معالجتنا لطبقة اجتماعية معينة، لم تشعر بالثورة ولم تؤثر عليها، حتى شخصية «جمعة» لم تتأثر بالثورة، فالدخول لتلك المنطقة فى الفيلم سياسة.
■ قلت «الثورة لم تنضج بعد» لتقدم فيلماً عنها.. فهل ما زلت عند رأيك؟
- هذا صحيح بالفعل، ولكن الموضوع تعدى فكرة نضوج الثورة فقط، لأن الثورة سُرقت بالكامل، وبالتالى الرؤية ازدادت ضبابية، وأصبح من الصعب أن نقدم فيلماً عنها فى الوقت الحالى.
■ لماذا وصفت أزمتك مع مهرجان مسقط بـ«الإهانة الشخصية»؟
- لا أحب أن أصف ما حدث مع مهرجان مسقط بالأزمة، لأن إدارة المهرجان طلبت مشاركة الفيلم فى المهرجان، بعد مشاهدته خلال عرضه الأول بالدورة السابقة من مهرجان «دبى»، ثم علمت بخبر رفض الفيلم من شركة «mad solutions»، الموزعة للفيلم، بدعوى أنه دون المستوى، وهو ما أغضبنى بشكل كبير، خاصة مع إبلاغ هذا الرد للشركة الموزعة وليس لشخصى، ومن خلال علاقتى برئيس المهرجان أكد لى أن هذا غير صحيح، وأنه لم يرفض الفيلم، ولكن لجنة اختيار الأفلام بالمهرجان هى من رفضته، وأنا لا أصدق ذلك، لأنه لا يستطيع القول إن لديه رقابة حكومية داخل لجنة الاختيار، وفى النهاية هو مهرجان سينمائى صغير ومحدود على كل حال، بالرغم من مشاركتى فيه الدورة السابقة، وحصولى على جائزة عن فيلم «فتاة المصنع».
■ وما تقييمك لفيلم «نوارة» للمخرجة هالة خليل خاصة أنه يتعرض لثورة يناير؟
- منة شلبى قدمت جهداً كبيراً فى الدور بالفعل، ولكن لم يعجبنى خط الثورة فى الفيلم، فكان سطحياً إلى درجة كبيرة، بعد أن اختزلت الثورة فى استعادة الأموال المنهوبة، وتوزيعها على الفقراء، بالإضافة إلى النهاية التى كانت قاسية، وقاتمة وسوداوية، فأنا أحب من خلال أفلامى أن أقدم الأمل فى النهاية، فكنت أفضل أن تخرج «نوارة» على المبلغ المالى الذى لم تسرقه، وفى النهاية هذا حق المخرجة فى فيلمها، ولكن لا بد أن يقدم الفيلم أيضاً الأمل للمتلقى.
بوستر الفيلم