يبدأ «إحسان» رئيس جمعية «المقهورون فى الأرض» وصاحب قناة «الرجال عائدات» فى تقديم برنامجه «سى السيد»، الذى يبدأ بلقطة قريبة إلى شاشة التليفزيون تعرض «لوجو» البرنامج والعناوين والتترات «الطربوش والعصا والشارب الغليظ».. يظهر «إحسان» على الشاشة فى ديكور يحتوى على سبورة كبيرة فى الخلفية، عليها رسم توضيحى لـ«سى السيد».. «إحسان» يهتف مردداً: كان يا ما كان.. فى العشرينات من هذا الزمان، ومين يقول للزمان ارجع يا زمان.. كان يوجد الرجل السلطان «أحمد عبدالجواد» المهاب فى منزله.. السيد المطاع الذى يخشى بأسه.. لا يجرؤ أحد فى حضوره على مجرد رفع البصر إليه.. الكل بمن فيهم زوجته من ممتلكاته.. كما هو الحال بالنسبة لكل ما فى حانوته من سلع.. هو حر يفعل ما يريد.. ولا يوجد من يوقفه عند حده.. ويقول له كفى.. والآن تبدأ حلقتنا بوصف تفصيلى لـ«السيد أحمد عبدالجواد». يتحرك «إحسان» فى اتجاه السبورة المرسوم عليها نموذج «سى السيد»، وكل جزء من جسمه يخرج منه سهم، وفى آخر السهم رقم.. ما يلبث أن يشير إلى أجزاء الرسم، مردداً: زى ما احنا شايفين نمرة (1) القامة، فهو طويل فارع الطول. (2) عريض المنكبين. (3) ضخم الجثة.. ذو كرش كبيرة مكتنزة (4) الجبة والقفطان فيهما أناقة وبهجة تدل على رفاهية وذوق وسخاء. (5) وجهه مستطيل الهيئة.. قوى التعبير.. واضح المعالم. (6) عيناه زرقاوان واسعتان. (7) أنفه كبير.. أشم.. متناسق. (8) شعره الأسود منبسط من مرفقه على صفحتى رأسه فى عناية فائقة. (9) فمه واسع بشفتيه الممتلئتين. (10) شنبه فاحم مفتول طرفاه بدقة.
ثم يستطرد: والآن نستعرض مظهراً من مظاهر السيادة عند «سى السيد»، بناءً على أوامره: المرأة بعد الزواج ماكانتش بتخرج من بيتها غير مرة واحدة بس.. للقبر.. علشان كده كان خروج الست «أمينة» لزيارة جامع «سيدنا الحسين».. ينطوى على كارثة بالنسبة لمصير علاقتها بـ«سى السيد».
الكاميرا تستعرض مجموعة من أعضاء جمعية «المقهورون فى الأرض»، متحلقين حول شاشة التليفزيون الموجود فى مقر الجمعية.. مع ملاحظة أن هناك شاشات أخرى تعرض فيلم «بين القصرين» ومشاهد إلحاح الأولاد على «أمينة» للخروج، بينما «إحسان» يُردد والجميع يتابعون فى اهتمام، وبعضهم يبكى، مستخدماً المناديل: طبعاً زى ما احنا عارفين أولاد «أحمد عبدالجواد»، وعلى رأسهم ابنه الكبير «ياسين» هم أصحاب فكرة خروج الست «أمينة» من البيت، وهذا له دلالة واضحة، هى التعبير عن تمرّدهم على الخوف من «سى السيد».. والخضوع لإرادته، لأنهم كانوا يشعرون بالارتياح عندما يخرج من البيت، ويسيطر عليهم الذعر أثناء وجوده فيه.
ثم وهو يتناول رواية «بين القصرين» يفتحها على صفحة معينة ويقرأ (مع مزج للقطات خروج «سى السيد» من المنزل ووداع الزوجة والأولاد له من فيلم «بين القصرين»)، فالنفوس تتلقاه بارتياح غير منكور على براءته كارتياح الأسير إلى صهيل السلاسل، وهى تنتقل عن يديه وقدميه ويعلم كل منهم أنه سيسترد حريته عما قليل فى الكلام والضحك والغناء والحركة دون ثمة خطر.. يعنى نستطيع أن نقول إن الأولاد فى تطلعهم التلقائى للحرية هم أول من شجّعها أن تخطو الخطوة الخطيرة.. (ثم مستدركاً) معانا اتصال من الأخ «أشجان سعد».. اتفضل. «أشجان» يُردّد متسائلاً فى دهشة: إزاى الست «أمينة» قبلت ببساطة تخرق العرف والتقاليد وتقهر الخوف وتخرج من البيت دون إذن «سى السيد» الجبار؟!.
«إحسان»: الحقيقة علشان يمكن إقناع الأم بالخروج فى غيبة الأب، كان لا بد من اللجوء إلى سلطة أقوى من سلطة الأب فى تأثيرها على الأم، وهى زيارة «سيدنا الحسين»، وهى زيارة محبّبة إليها.. أستاذنا «نجيب محفوظ» يقول فى رواية «بين القصرين»: فلم تدرِ كيف استجاب قلبها للنداء، ولا كيف تطلع بصرها إلى ما وراء الحدود المحرّمة.. ولا كيف تراءت المغامرة ممكنة.. بل طاغية.. أجل لقد بدت زيارة «الحسين» عُذراً قوياً له صفة القداسة.. المهم أننا نستطيع أن نقول إن «سى السيد» استطاع أن يحبس «أمينة» ربع قرن، سجينة الجدران، ما عدا زيارات معدودات لأمها فى «الخرنفش» بضع مرات فى العام.. هذه المرات تذهب فيها داخل حنطور بصحبة «سى السيد»، لا تُسعفها الشجاعة حتى لاستراق النظر إلى الطريق.. (ثم مستدركاً) فيه واحد بيسألنى.. هل «السيد أحمد عبدالجواد» رجل تنقصه المشاعر الإنسانية؟.. أقول له.. لا.. لكن هو يتبع عقله فى كل شىء له علاقة بكرامة الرجل فى سلطته المطلقة، لأنه إذا لبّى نداء العطف وغفر لـ«أمينة» سيفلت منه الزمام.. إنه فى جملة واحدة حسم الأمر: (لا أحب أن أجدك هنا إذا عُدت ظهراً).. هذا هو رائدنا الهمام «السيد أحمد عبدالجواد».
هل تكره المرأة نموذج «سى السيد» بكل ما يمثله من سلوك وأخلاق؟ قوة وجبروت وسيطرة.. عندى لكم مفاجأة فى التقرير التالى.
مشهد (2): جامعة القاهرة.. فناء الجامعة.. نهار/ داخلى
«إقبال» أحد أعضاء الجمعية واقف ممسكاً بميكروفون فى مواجهة الكاميرا، وحوله بعض الفتيات متحلقات.. يمد يده بالميكروفون إلى إحداهن التى تُردد:
فتاة (1): ياى.. أحب طبعاً أتجوز.. «سى السيد».. دى حاجة (فانتستيك خالص).. المهم إنه يكون كريم وصرّيف.. ويجيب لى كل اللى أطلبه.
«إقبال» يُردد متسائلاً: وإذا اشترط عليكِ ماتشتغليش؟
فتاة (1): مش مهم، بالعكس.. يا ريت.. الشوارع زحمة والدنيا خانقة.. شغل إيه؟ سيبك.. يا ريت كمان يشترط أن مايبقاش فيه أطفال.. بلاش وجع قلب.
فتاة (2): هو فين «سى السيد» دلوقتى.. الشباب كاجول خالص ودول مابيعجبونيش.. وبعدين سيبك من الشعارات الخايبة اللى مصدّعين بيها دماغنا الستات إياهم بتوع الجمعيات النسائية عن المساواة والكلام الفارغ ده.
مشهد (3): عودة إلى ديكور الاستوديو
«إحسان» فى مواجهة الكاميرا يردد: .. وسلام عليك أيها الرائد الجبار.. والسيد المطاع «سى السيد أحمد عبدالجواد».. وإلى اللقاء.
بينما ينهض «إقبال» يهتف فى حماس والجميع يصفقون فى إعجاب وحرارة:
«إقبال»: وحبيبكم مين؟
الجميع: «سى السيد أحمد عبدالجواد».
«إقبال»: ورائدكم مين؟
الجميع: «سى السيد أحمد عبدالجواد».