لن أدخل فى مهاترات تسمية ما حدث يوم 30 من يونيو الماضى، وما إذا كان ثورة شعبية أم انقلاباً عسكرياً، فقد استغرق هذا الأمر الكثير من الأحاديث دون التطرق لعقيدة الجيش المصرى الأمنية ومقوماتها المتمثلة فى أمن الحدود والدفاع عن الأرض، وأمن المؤسسات داخل الدولة ثم أمن المواطن. وهكذا جاءت ثورة شعبية مؤيدة بجيش مصر الذى يعرف حدود تحركه وأبعاده. ولذا يكتسب هذا الجيش مكانة خاصة فى نفوس المصريين وعقيدتهم، ولدى المتيقنين من معانى الإسلام وأحاديث رسوله الواصفة لهم بخير أجناد الأرض، على عكس تجار الدين من المتأسلمين والإخوان الذين يعشقون لىّ الألفاظ وتفسيرها كما يحلو لمصالحهم، إلى حد وصف الجيش بالعسكر وهو لفظ لا علاقة لنا به، لكونه لا يعبر إلا عن الشكل البغيض للانكشارية العثمانية وجنود المماليك فى حقب التاريخ المصرى، وتشبيهه تارة أخرى، بصفاقة يُحسدون عليها، بالجيش الإسرائيلى فى تعامله مع حماس! ورغم كل هذا يطرح السؤال ذاته فى تلك اللحظة: هل يمكن أن يعود المصريون إلى ترديد عبارة «يسقط حكم العسكر» مجدداً بعد انتهاء الموجة الثانية من ثورة 25 يناير والتى حدثت فى 30 يونيو؟ الحقيقة نعم، وهذا أمر وارد ما لم نحدد وجهتنا. فعلى الرغم من قناعة نسبة كبيرة جداً من المصريين بأن جيشهم هو الحامى للأرض والعرض وهو الملجأ الذى افتقدوه طيلة مدة عامين ونصف أعقبت ثورة يناير، إلا أنه ليس بالحب وحده تعيش الشعوب، ولكن بالثقة والوضوح والحسم. فالشعب الذى خرج يوم 30 يونيو فى نحو 33 مليون مصرى فى كافة الشوارع والميادين فى كل أنحاء مصر، خرج كافراً بوجوه تسببت فى أزمته منذ الإصرار على الإعلان الدستورى والاستفتاء عليه فى 19 مارس 2011 وقاده اللواء ممدوح شاهين عضو المجلس العسكرى الذى توافقت أفكاره مع أهواء الإخوان فى أن تكون انتخابات البرلمان والرئاسة قبل وضع الدستور! ثم كان عضواً بتأسيسية الدستور التى أصر عليها الإخوان مرتين، وأهدتنا هذا الدستور الفاسد دون أن ينسحب من التأسيسية اعتراضاً على ما بها من هذى. ثم يلعب القدر لعبته للمرة الثالثة فيناسب الرجل، سعد الكتاتنى القيادى الإخوانى رئيس حزب الحرية والعدالة! ليكون السؤال الطبيعى والمحبط للمصريين: لماذا استمرار الرجل فى الصورة بعد ثورة خرجت رافضة لمن هم على شاكلته؟ ثم يكتمل الإحباط حينما نرى فى الصورة المستشار حاتم بجاتو عضو اللجنة الانتخابية التى أهدت لنا مرسى رئيساً، وكان أن كوفئ -رغم كل أحاديث الجماعة عن القضاء الفاسد- باختياره وزيراً للشئون القانونية والمجالس النيابية، فلا يقفز من المركب إلا صبيحة يوم مظاهرات 30 يونيو حينما رأى الحشود الغاضبة، ودون أن يبرر لنا صمته على كل ممارسات الشورى لتمرير قوانين التمكين الإخوانية. وتزداد الصورة كآبة وأنت ترى مواقف حزب النور السلفى المستفزة واتصالاته المعلنة وغير المعلنة بالأمريكان، وبجواره الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح وكلاهما لم يشاركا الشعب ثورته، ولم يؤيدا إسقاط الشرعية عن رئيس مهتز لم تجن مصر من ورائه غير الخراب. أطالب نفسى وشعبنا بالصبر حتى لا تفتت قوى السلفيين المناصرة للإخوان وحدتنا التى استعدناها بخروجنا يوم 30 يونيو. ولكننى أطالب جيشنا ورئيس الدولة المؤقت بالحسم فى تحقيق الهدف الذى حددناه فى خارطة طريق رائعة. نريد جيشاً حامياً للجمهورية، ورئيساً حاسماً متيقظاً لعامل الوقت مع كافة المتلاعبين بالدولة التى نحلم بها، فنحن لا نريد دولة «هجين» تأخذ من هذا ومن تلك، نريد دولة مدنية يرأسها القانون ويحاسب فيها الفاسد والفاشل أيضاً دون مجاملة أو محاباة. النور والإخوان ومؤيدوهما هم العدو فاحذروهم حتى لا نسمع مجدداً «يسقط حكم العسكر».