أعطنى حكومة ملهمة لأمنحك مواطناً مبدعاً بلا حدود، أعطنى ثروة بشرية لديها المعارف والمهارات والقيم والسلوكيات لأمنحك ثروة فى الإبداع وثورة فى الابتكار، تلك هى المعادلات البسيطة فى معانيها، الواضحة فى مراميها، المنتجة لأثرها، المرتبطة بغرسها والمرتقبة لثمارها.
عن كوكب دبى أتحدث، لن أذهب بعيداً إلى كندا أو شرقاً إلى كوريا الجنوبية، بل سأنقل لكم الآن نقلاً حياً ومباشراً يفصلنا عنه أيام، حيث احتضنت دبى عرساً سنوياً يعقد كل عام فى مثل هذا الشهر وهو «منتدى دبى لأفضل الممارسات الحكومية» فى نسخته العاشرة، وهو عرس يحج إليه كل من يعملون فى الوزارات والمؤسسات والجهات الحكومية فى الإمارات وخارجها من الطامحين نحو أفكار ليست فحسب من خارج الصندوق ولكن بلا صندوق، والآن إليكم غيض من فيض قصص النجاح التى حواها المنتدى ضمن فعالياته الملهمة:
أولاً: مجموعة من الشباب الإماراتى يقدمون مبادرات «مدروسة بكل عناية» وهدفها واحد لا ثانى له: كيف يتم الاستغلال الأمثل للحدث العالمى المرتقب فى استضافة دبى لأكبر معرض عالمى (إكسبو 2020)، إضافة إلى إطلاق «مسابقة دبى تبتكر» لتشارك الجهات الحكومية بحلول وأفكار إبداعية استعداداً لحدث غير عادى فى 2020، هكذا يكون الحصاد حين تُلهم الحكومات مواطنيها، فهل يوجد من سيستثمر فى طاقات 11.5% من الشباب المصرى العاطل عن العمل وفقاً للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء؟
ثانياً: رجل وقور متواضع اسمه الدكتور عبدالعزيز تركستانى، سفير السعودية السابق فى اليابان، يقدم قصة ملهمة عن كيف حقق طموحه وهو شاب فى أن يتقن اللغة اليابانية ويصبح مترجم الملك ثم سفيراً للمملكة فى اليابان لعدة سنوات أشاد خلالها إمبراطور اليابان بأخلاقه، وأرسل رسالة عنه إلى الملك مثمناً ومقدراً جهوده وتفانيه فى العمل؛ وبعد تقديم الرجل لقصة فصولها قيم راقية وإبداع وعطاء وتمكين وتطوير، يأتيه السؤال: أيها السفير الاستثنائى لخص لنا سبب هذا النجاح فى كلمة واحدة، ويقول وعينه تكاد تدمع، السر فى كلمة (الإخلاص)، لأنه لا يؤخذ من أحد ولا يمنح لأحد فهو علاقة بين الإنسان وخالقه، قالها الرجل بشهيق أتبعه زفير وصل إلى الجميع فى القاعة.
ثالثاً: نموذج آخر فى العطاء الإنسانى من عاصمة الرشيد «بغداد» اسمه «هشام الذهبى»، الذى قرر أن يهب حياته وشبابه لتأسيس «مؤسسة البيت العراقى» ليحتضن «أولاد الشوارع»، ويحكى رحلته فى العمل وتأهيل أبناء الشوارع من مسكن ومشرب وعلاج وتعليم ورعاية لينتقلوا إلى عالم الإنسانية بعد شريعة الغاب، ويتحفنا الرجل بأن أغرب قصة مرت عليه فى رحلته الثرية، أنه وجد طفلاً كان جل حلمه الحصول على ثلاث قنابل: الأولى ليفجر بها مدرسة لأنه حرم من التعليم، والثانية ليفجر بها السوق لأنه يرى الناس يشترون وهو لا يملك فلساً، والثالثة لقتل زوج الأم لأنه هو الذى أوصله إلى الشارع، وبعد رحلة التأهيل والتمكين يتحول من مشروع «قنبلة» إلى «موهبة» حيث حاز على أفضل جائزة فى العزف والموسيقى ليصبح الموهوب والشاب الواعد بعد أن كان الانتحارى المفقود. فهل سيحظى 16 ألف طفل شوارع فى مصر، وفقاً للمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية، بكيان مؤسسى وبيت مصرى لتحويلهم إلى مشاريع حياتية وليس قنابل وجرائم مجتمعية؟
حين تكون فى حضرة غايات حكومية نبيلة ومستدامة، وتوجهات مجتمعية فاعلة ومؤثرة عبر أفضل الممارسات وقصص النجاح المرتبطة بأفعال ونتائج لتمكين وإسعاد الآخرين، آنذاك تعلم كيف تصنع الأوطان نهضتها وتُرسخ مكانتها.