ما زال الكثير منا يدور فى فلك بعض الأخطاء الشائعة التى تُغذّى ذاكرتنا التاريخية، بتصورات مربكة، ترسم فى أذهاننا إطاراً مشوشاً للعلاقات بين الإسلام والغرب.. مثلما يعتقد البعض أن الإسلام يعنى العرب، رغم أن الإسلام أكبر بكثير من العرب وحدودهم الجغرافية، حيث يمتد من إندونيسيا فى الشرق إلى المغرب فى الغرب.
يُحمّل البعض المسيحية العربية القيام بالدور الوطنى لهم تجاه الموقف من قضية القدس، فضلاً عن مسئولية الترويج للقدس، كقضية أرض ومقدسات إسلامية فقط دون الإشارة إلى المقدّسات المسيحية فى القدس.. رغم أن المقدسات المسيحية تفوق من حيث العدد المقدّسات الإسلامية، كما أن القدس هى مهد وحياة السيد المسيح. لقد تناسى من يتجاهل الحديث عن المقدسات المسيحية فى القدس أن أهمية المقدسات لا تتجزّأ، سواء كانت مسيحية أو إسلامية.
ومن المنطلق السابق، أرفض تماماً الفكرة التى يُردّدها البعض حول إمكانية أن يقوم المواطنون المسيحيون العرب بدور همزة الوصل مع المسيحية الغربية لتقديم صورة الإسلام الصحيحة. وفى ظنى أن هذا الطرح يخالف الواقع الحالى، سواء على المستوى السياسى أو المستوى المعرفى، لأنه فعلياً لا يُمكن للمسيحيين العرب أن يقوموا بمثل هذا الدور، لأنهم إذا قاموا به فى إطار من القيم والمبادئ الدينية من جانب، وبحكم الولاء والانتماء الوطنى من جانب آخر.. فسيصطدمون بالأجندة السياسية للدول الغربية وتوجهاتها لخدمة مصالحها المباشرة.. سواء كانت المعلنة أو غير ذلك. فكيف يستقيم هذا الدور غير المتكافئ؟ كما أنه ليس منطقياً، الاعتقاد بأن الغرب يعنى «المسيحية الغربية»، وهو طرح غير دقيق إلى حدٍّ ما.. لأن واقع المسيحية كدين يؤكد أنها فى انحسار داخل المجتمعات الغربية.. بعد أن حسم الغرب أمره بالفصل التام بين الدين والدولة، لذلك نجد المواقف السياسية فى العلاقات الدولية يتم الحكم عليها وفق المصالح والتوجّهات والأهداف الخاصّة.
أعتقد أننا كمواطنين مسيحيين ومسلمين وكأبناء للحضارة العربية مسئولون عن رفع التشويه عن الصورة الخاطئة للإسلام فى الغرب، وما يترتب على ذلك من ضرورة مقاومة محاولات الإقصاء والتصنيف.. إذ لا يجب التقوقع فى خندق معين، فإن كل عربى (مسيحى أو مسلم) يحمل فى خلفيته جزءاً من الحضارة العالمية، والعكس صحيح.
نحن من نُشوه صورتنا بأنفسنا فى الخارج.. بعد أن شوّهنا بعضنا البعض فى الداخل بالتخوين والتشكيك والإقصاء والاستبعاد والتهميش من الحقوق الوطنية والعدل والمساواة، لدرجة القتل والنحر والذبح والحرق والتدمير.
* نقطة ومن أول السطر
لم يكن هناك دين واحد فى أى حقبة من أى تاريخ ساد البشرية، وهو ما يحتم علينا الاعتراف بالاختلاف وبالتعدّدية، وعدم تديين المواقف السياسية والوطنية (مثل: أسلمة القضية الفلسطينية، وإهمال الموقف الإيجابى للمواطنين المسيحيين العرب).. فالخطاب الدينى العربى (المسيحى - الإسلامى) بشأن القدس هو خطاب وطنى بالدرجة الأولى.