يصر الدكتور عمرو حمزاوى -عضو «لجنة سياسات» جمال مبارك الأسبق، والمعروف أكاديمياً وفضائياً بأنه زعيم «كتائب شهداء الليبرالية - الجناح السياسى لجماعة الإخوان»، خلفاً لمؤسسها وزعيمها الهارب محمد البرادعى- على وضع رقبته تحت المقصلة بين الحين والآخر، معتقداً أن انشغالنا بحرب الإبادة التى تخوضها جماعته الإرهابية وحلفاؤها فى أوروبا وأمريكا ضد الشعب المصرى.. يمكن أن يلهينا عن ملاحقته وفضح مواقفه الملتبسة، المتهافتة، وأكاذيبه التى لا تستند إلى منطق أو واقع.
كان الدكتور حمزاوى قد اشتكى مؤخراً من التضييق عليه إعلامياً، وقال فى إحدى «تويتاته» إن أصوات الدولة الأمنية والتشويه الزائف، المعتاد، لكل مدافع عن الحريات وحقوق الإنسان، تمنعه (من الظهور فى وسائل الإعلام)... و«رغم ذلك لست من المنسحبين أو الصامتين انتظاراً (...) ولهذا سأسعى دائماً إلى المشاركة التليفزيونية الجادة»!. وعلى الفور.. التقط الإعلامى محمود سعد هذه الاستغاثة واستضاف حمزاوى فى برنامجه «آخر النهار».. وليته ما فعل. فقد بدا مرتبكاً، متناقضاً، «عرقاناً»، لا يستطيع أن يميز حتى بين وظيفة «رجل السياسة»، ودوره هو كـ«محلل سياسى». وحاول -بكل ما أوتى من تقعر وفذلكة وتشويح بـ«أنسيال حبنا»- إقناع مشاهديه بأنه «صوت محايد»، لكنّ معظم أصحاب المداخلات لقّنوه درساً فى كيفية التعاطى مع واقع.. يكتوون وحدهم بنيرانه.
طلب حمزاوى تحقيقاً فى أحداث العنف الأخيرة، لكنه لم يكلف نفسه مشقة الإقرار بأن عنف الدولة (الحرس الجمهورى والمنصة واعتصامى رابعة والنهضة) كان رد فعل مشروعاً وحتمياً، بينما عنف الإخوان (الذى غطى كافة ربوع مصر) كان إرهاباً ممولاً ومنظماً وسافراً. وقال إنه كان يفضل استنفاد كل الوسائل السياسية قبل فض الاعتصامين، وهذا دليل قاطع على أنه إما كان مغيباً أو منحازاً للجماعة. فما من حدث استنفد «وسائل سياسية» مثل فض هذين الاعتصامين اللذين استمرا قرابة شهر ونصف، وبلغ صبر الدولة و«ضبط نفسها» حداً جعلها تسمح بتدخل وسطاء دوليين، تطاول بعضهم على هيبتها وحرية قرارها. ومع أن الدكتور «كل حاجة والعكس» يقر بأن الاعتصامين كانا مسلحين فإنه يرى أنه كان ينبغى مراعاة «حرمة الدم». وأنا أقدر له «حنية» قلبه ورهافة مشاعره وجهوده المخلصة للتعافى من جرثومة «الأخونة»، لكننى أسأله: كيف؟. ولماذا لم يتصدَّ هو وكتائبه الليبرالية لرصاص هؤلاء المعتصمين بدلاً من أجهزة الأمن؟!
على أية حال فقد جرى ما جرى، وأثبتت الأيام أن كل دعاوى المصالحة وحرمة الدماء والحلول السياسية لم تكن إلا «شفرة».. لعل «الجماعة» تفهم أن من الأفضل أن تنجو بنفسها من «هولوكوست» مؤكد إذا دخل الشارع طرفاً فى المعركة!. لكنها أبت واستكبرت وأوغلت فى إرهابها لتخسر -أو هى تكاد تخسر- كل شىء. أما ذروة التناقض واللخبطة فى حديث الدكتور حمزاوى فهو الجزء المتعلق بما سماه «تدخل الجيش فى الحياة السياسية». يقول الدكتور «حافظ مش فاهم» إن التعريف الأكاديمى لهذا التدخل يسمى «انقلاباً عسكرياً»، وهو ما ينطبق على «30 يونيو». وعندما ذكّره محمود سعد بأن الجيش تدخل أيضاً فى «25 يناير».. أقر بأنه كان هو الآخر «انقلاباً عسكرياً». وقد سبق لحمزاوى أن وصف «30 يونيو» بأنه «انقلاب ناعم»، وتفهمتُ ذلك وقتها، باعتباره واحداً من «مرتزقة 25 يناير» الذين ردتهم «ثورة 30 يونيو» إلى حجمهم الطبيعى. وقلت فى مقال سابق فى مجلة «7 أيام» إن حديثه عن «النعومة» لا يدهشنى، وإصراره المحموم على إقصاء الجيش من المشهد السياسى ربما يستند إلى كونه لم يؤدِّ خدمته العسكرية: لم «يقف انتباه» بالساعات، ولم يزحف على بطنه إذا أخطأ، ولم يُحجَز فى معسكر لأن ذقنه غير حليق أو شعره طويل أو حذاءه لا يلمع، ولم يقف نوبتجية ليل فى صحراء لا نهائية، تخايله فيها أشباح الذين استشهدوا فى حروب مصر ضد العدو الإسرائيلى! لكنه فى إطار بحثه الدؤوب عن موطئ قدم فى مشهد «ما بعد 30 يونيو»، وجد نفسه مضطراً لوصف «25 يناير» بأنه «انقلاب». وهكذا: من حيث أراد أن يتفادى ورطة.. أوحل نفسه فى تخريجة بائسة هى أن الانقلاب فى الحالتين -25 يناير و30 يونيو- بدأ بـ«تحرك شعبى»!. أما ذروة التناقض فكانت فى قوله: «أيدت 30 يونيو لإنهاء نظام الإخوان الاستبدادى.. ورفضت وما زلت أرفض تدخل الجيش فى الحياة السياسية»!.
لا أفهم لماذا يُكِنّ حمزاوى كل هذه الكراهية للجيش، رغم أن تدخله هو الذى ضمن لـ«25 يناير» و«30 يونيو» نجاحاً قَلَب كل الحسابات. ولعله يعرف أن الجيش لم يكن أمامه فى المرتين سوى ثلاثة خيارات: أن ينحاز للشعب.. وهو ما حدث بالفعل، أو ينحاز للنظام الحاكم ونواجه وضعاً شبيهاً بالحالة السورية، أو يلتزم الحياد وتحترق مصر فى أتون حرب أهلية. وإذا كان عداؤه للجيش يستند إلى مخاوف ليبرالية من الحكم العسكرى.. فهذا حقه، لكننى أذكره بما قاله الفريق السيسى: «شرف الدفاع عن مصر بالنسبة للجيش أهم وأسمى كثيراً من شرف حكمها»، وأذكره أيضاً بأن مصر تحملت الحكم العسكرى ستين عاماً رغم مساوئه، لأن انحيازه الأول والأوحد لـ«الوطن» و«الدولة»، بينما أطاحت بالحكم الدينى بعد سنة واحدة فقط لأنه حكم إرهابى صريح، خان «الوطن» وسعى بكل طاقته إلى هدم «الدولة». وحتى إذا لم يكن ذلك مبرراً للقبول بـ«حكم عسكرى» فإننى أسأل الدكتور حمزاوى: هل لديك وجه سياسى «مدنى» واحد يصلح رئيساً لمصر فى المرحلة المقبلة؟ هل ترى -بعد خروجين كاسحين للمصريين فى 25 يناير و30 يونيو- أن ثمة من يمكن أن يتوافقوا عليه إذا جرت انتخابات رئاسية خلال الأشهر المقبلة؟ ألا ترى أن المحنة ستطول، وأن مصر أحوج من أى وقت مضى إلى... «جنرال»؟ ألا تشعر أن الناس فى البيوت والشوارع، فى القرى والمدن، فى الداخل والخارج، مهيأون تماماً لإعادة إنتاج «عبدالناصر»؟. ألا تشعر بذلك.. أم أن «مرآة الليبرالية عمياء»؟