بين تكرار الترشح لدورة ثانية وغياب المنافس القوى يدور اللغط الداخلى والخارجى حول الرجلين اللذين ساقت الأقدار انتخاباتهما فى شهر واحد، هو مارس، وفى ظروف واحدة هى تكرار المحاولة لبوتين للمرة الرابعة وللسيسى للمرة الثانية؟! لم يكن مطلوباً من أحد أو جهة «دربكة» البحث عن منافس بعد أن شعر الجميع بأن المنافسة محسومة للسيسى، وأن المحاولة فضيحة متوقعة لفارق الأصوات بين السيسى وأى مرشح منافس حتى لو كان عنان أو شفيق. ورغم الفارق الكبير بين عنان وشفيق وكل من موسى والبدوى وآخرين ممن طُرحت أسماؤهم، فبخروج كل من عمرو موسى وحمدين وأبوالفتوح وثلة من مرشحى دورة عام ٢٠١٤ أصبح غيرهم «كومبارس» لا يليق بهم ولا بنا أن نقبل ترشحهم لهذا المنصب العالى الرفيع، وإن كان السيسى قال: «لن أسمح لفاسد أن يصل لهذا الكرسى» قاصداً مرشحاً بعينه، فالشعب يقول: «لن نسمح لمغمور فضلاً عن فاشل أن يصل لهذا الكرسى». ولعله من محاسن الصدف أن يترشح «بوتين» للمرة الرابعة بلا منافس، وحينما سألوه: أين المنافسون؟ قال قولاً صحيحاً وحقيقياً: أنا لست مسئولاً عن جلب منافس للترشح. وكانت الكاميرات أثناء تصريحه تنقل منظر الشرطة وهى تضرب زعيم المعارضة لترتيب مظاهرة دون ترخيص، وكأن «بوتين» يقول إن المنافسة الرئاسية شىء وخرق القانون شىء آخر. ولو حدث هذا مع مشروع مرشح رئاسى فى مصر لقامت الدنيا ولم تقعد. ولعل السيسى كان يقصد معنى قريباً من هذا حينما وجد المرشح الرئاسى السابق حمدين صباحى يتزعم حشداً من المعارضين تحت اسم «الحركة المدنية»، حيث حمل حديث الرئيس غضباً ودهشة من رجل شجعه كثيرون، ومن بينهم أجهزة الدولة، على الترشح، وفضّل المعارضة والمظاهرة والمسيرة والحركة على المنافسة السياسية الرئاسية التى خوضها هو تاريخ وهو مسئولية وهو شرف لمن ارتبط اسمه بها منافساً. وهنا سر الدهشة والغضب الذى بدا على الرئيس السيسى، أليست الانتخابات فرصة سانحة ونادرة لعرض البرامج والأفكار المعارضة للرئيس، أم أن المهم هو تهييج الشارع وتثوير الناس بكلام عام من قبيل «عيش حرية عدالة اجتماعية»؟.
تجارب العالم من لولا دى سيلفا فى البرازيل إلى بنك جيرامين فى أفغانستان إلى ماليزيا وإندونيسيا معلومة للجميع، فبدت كوكبة حمدين تكراراً لمنظر شهدته مصر أواخر ٢٠١٠ التى شهدت إنشاء برلمان موازٍ يعلم الجميع ماذا حدث به وقبله وبعده من تفكيك للدولة وتثوير للشباب وتزكية الحقد الطبقى وحرق الأخضر واليابس وفتح آمال الناس على أحلام وردية لن ترى الواقع اعتماداً على تصريح لهيكل الذى عاش بعد عبدالناصر حاقداً على السادات فسبّ أمه، وعلى مبارك فسبه هو شخصياً وادعى دون دليل أن أموال مبارك تريليونات، وفى التحقيق قال مجرد معلومات صحفية، وفى الشارع كان الناس على المقاهى يحسبون أن كل مصرى سيحصل على ٧٠ ألف دولار نصيبه من الأموال المنهوبة؟! فشاط الناس واستشاط المجتمع وتفككت الدولة، ولولا وحدة الجيش وإدارته لانتهت الدولة المصرية للأبد. والمشكلة الأكبر فى المشهد الرئاسى هى التكرار الغريب للوجوه المعارضة، وكأن أجيال المعارضة الشبابية قد اختفت أو نجح السيسى فى ضمها لصفه من خلال الفكرة الناجحة لمؤتمرات الشباب التى ضمت كثيراً من معارضين شبان لصف الدولة المصرية، وهذا نجاح يُحسب للأجهزة الأمنية التى لا يجب أن تنتظر أبداً حتى يخدع عواجيز الفرح السياسى هؤلاء الشباب الأغر بخدعة الديمقراطية والمدنية ضد الحكم العسكرى، فأى حكم عسكرى هذا الذى فوض فيه ٣٠ مليون مصرى السيسى رئيساً ثم فوضوه ثانية فى القضاء على الإرهاب؟ إن نفس وجوه المعارضة التى تظاهرت وظهرت فى وسائل الإعلام بالأمس هى التى ظهرت أيام حكم مبارك، فهل يتصورون أن مصر الشعب والدولة هى كما هى لم تتغير رغم حبس رئيسين وقيام ثورتين؟
إن المشترك الوحيد فى أحداث الماضى منذ مظاهرات الخبز فى يناير السبعينات وتهييج اليسار للعمال ومظاهرات يناير القرن الـ٢١ وتثوير الشباب لكلنا خالد سعيد وتهييج السياسيين بحوادث تزوير انتخابات مجلس الشعب إلى مناورات تهييج السياسيين بسبب عزوف مرشحى الرئاسة هو الرابط الوحيد الذى يجب أن نناقشه هنا. ولننظر: هل للسيسى ذنب فى اختفاء السياسة من الشارع؟ وبعيداً عن الحجة الجاهزة أن الأمن يقضى على السياسة، فهل استطاع أن يقضى عليها مع أحداث يناير أم فشل؟! إذاً هذا برهان على أن اهتمام الناس بالسياسة وتفاعلهم مع السياسيين هو الذى قلّ، بل وزهّد الناس فى برامج السياسة فى الإعلام، وأصبحوا يديرون القناة للكرة أو الطرب أو التسلية، وأن همّ الناس أصبح الحقيقة المرة: كيف تسببت أحداث يناير فى خسارة الدخل وضياع الموارد، وإعادة بناء ما تم هدمه بدلاً من بناء الجديد، وتوقف مورد للسياحة بخسارة ١٤ مليار دولار سنوياً يدفعها الناس الآن من جيوبهم، فكرهوا السياسة والسياسيين، وهذه هى الحقيقة المرة التى يجب أن يفيق عليها رموز المعارضة.
وختاماً: إن بلداً بلا سياسة لا يمكن أن يستطيع السيطرة على الرأى العام، وإدارة السياسة لا يمكن أن تدير الرأى العام بالإعلام أو المؤتمرات دون الأحزاب، ولا يمكن للأحزاب أن تنجح فى مهمتها إن أصبحت طبلة للحكومة أو ناراً تحرقها، ولا يمكن لبرامج الأحزاب أن يكون لها قبول فى الشارع دون أن تتمايز ولا تتشابه، ودون برامج قابلة للتطبيق على أرض الواقع وليست حالمة فى عنان السماء، وعليه فإن مهمة إعادة تنظيم العمل السياسى وتقوية الأحزاب وعودة دعم الدولة المالى والمعنوى والإعلامى لها أصبحت ضرورة حتى لا يكون لكل ثرى مصرى فنانة يتزوجها وقناة تليفزيونية يظهر فيها وجريدة يبوبها وحزباً يجد فيه نواباً ينفق عليهم ليدخلوا البرلمان فيستدعوا تشريعات تخدمه فى البرلمان؟!
* أمين عام مؤسسة السياسيون العرب