"ماتبسطهاش أكتر من كده".. جملة الراحل "عبد السلام النابلسى" الشهيرة فى فيلم "شارع الحب" عندما كان "حسب الله" يدعو أن يبسطها الله عليه فتفاجأ بـ "حلة الملوخية" تنهمر فوق رأسه وتغرقه بها "سنية ترتر" التى قدمتها الكوميديانة "زينات صدقى".
يبدو أنه وبعد أن ظللنا نضحك على هذه الجملة عقد من الزمان من منطلق الكوميديا وتداولناها ورددناها فى مواقف كثيرة من أجل البسمة مضطرين الآن لترديدها مجدداً ولكن بدافع الاستغاثة وطلب النجدة... "ماتبسطهاش أكتر من كده"!
المشهد العبثى الذى نعيشه هذه الفترة وتحديداً منذ 2011 فى ظل التغنى بأهمية الحرية ووضع مفاهيم خاصة تتوافق مع الغرض الحقيقى لامتلاكها أصبح عبئاً على الجميع وربما بمن فيهم أصحاب المشهد نفسه فقد اقتنع الكثيرون أن الحرية مطلقة وبلا سقف وتحت رايتها كل شئ مستباح والمؤسف والمفجع أن يمتد هذا المبدأ الـ "مزور" من الشارع إلى وسائل الإعلام التى تقتحم حياة ملايين من الأسر بمختلف أعمارها بجانب تطويع الـ "سوشيال ميديا" لترسيخ هذا المبدأ وتحقيق الغرض الشيطانى لهذه الحرية المزعومة.
بعد ليلة سعيدة قضاها الملايين متابعين منتخبهم الكروى فى بدء استعداداته لكأس العالم بأول مباراة ودية مع "البرتغال" أحد أقوى الفرق مقدماً عرضاً مطمئناً لحد كبير فرحت به جماهيره إذ يفاجأ الجميع بصدمة تسريب حوار شخصى وخاص بين مقدمى الاستوديو التحليلى بتصنيف (+18) فى اختراق سافر عنوانه "شاهد فضيحة..." لتسأل ما هو تفسير الحرية التى تخترق بها حوار خاص بين أصدقاء مهما كان أسلوبه وتسجله وتنشره على الملأ.. من أعطى لك الحق فى ذلك؟ وفى أى قاموس من الحريات يندرج هذا العمل إلا فى باب حرية الجواسيس؟!
صحيح لا يُعفى الكباتن الكبار سناً وقامة من الخطأ الفادح وهو الاستهتار بوجودهم فى "ستوديو هوا" والحديث بحرية زائدة كانت لابد وأن تكون بها قدر كبير من التحفظ تحسباً حتى لخروج مفاجئ على الهواء أو خطأ تقنى يسبب ذلك خاصة أنه على رأسهم بطل التسريب أبرز أعضاء اتحاد الكرة وصاحب الهدف اليتيم فى تاريخنا بكأس العالم والذى أذاقنا به كؤوس الذل والمعايرة والمحاصرة حتى وصولنا مرة أخرى فى 2018.. ولكن ومع كل هذه الاعتبارات لا يحق لأحد تسجيل محادثات شخصية واستخدامها فى أى غرض مهما كان بل ونشرها للجمهور فى جريمة مكتملة الأركان تستوجب العقاب الرادع.
الحقيقة أن صاحب هذه "الفضيحة" لم يفضح شخصيات مشهورة كما يعتقد ولكنه فضح دونية الأخلاق المصاب بها هو وفئة كبيرة أصبحت تتلذذ بالفضائح تحت راية الحرية السوداء التى تستبيح أى شئ لتحقيق نشوتها المريضة!
لون آخر من توابع هذه الحرية السوداء عندما تستيقظ على صدمة جديدة وهى مداخلة لرئيس نادى الزمالك فى البرنامج الوحيد الذى يفتح له الهواء على مصراعيه لاستثماره فى تحقيق مشاهدات عالية يصفى حساباً مع مدير التعاقدات للنادى الأهلى ويرد على تصريح سابق له بصفة شخصية وفجأة وبدون سابق إنذار أو مبرر يتطاول على رئيس النادى الأهلى أيقونة الاحترام قبل الموهبة والتاريخ الكروى ويصفه بتشبيه "حيوانى" الأمر الذى تسبب فى أزمة كبيرة واحتقان أكبر لإهانة رمز النادى الأهلى والذى تجتمع على احترامه كل الانتماءات الكروية والرياضية وعلى رأسها الانتماء الأبيض نفسه!
رغم محاولة مقدم البرنامج مقاطعته سريعاً وإنقاذ الموقف قبل أن يتورط معه إلا أنه أصر على تكرار التشبيه أكثر من مرة فى عادة لا يستطيع التخلص منها وأصبحت تحتاج وقفة حاسمة صارمة مما دفع رئيس النادى الأهلى لإصدار قراره من قلب رحلته العلاجية بملاحقته قضائياً بشكل يتناسب مع أخلاقياته التى ترفض الانزلاق فى مستنقع التلاسن والفضائح .
المشهد الذى أصبح خارجاً عن السيطرة أشبه بـ "البالوظة" كان لابد وأن يكتمل وبثقل يتناسب مع هذه "الرهرطة" التى يعانى منها.. وكنا ننتظر من رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أن يعاقب أصحاب الوقائع السابقة ونلجأ إليه لإيقاف التجاوزات فى وسائل الإعلام والخدش والمسئ وهو ما لم يحدث.. إضافة لقرارات متعددة بإيقاف مذيعين وتحويلهم للتحقيق وتهديد قنوات بالغلق وغرامات لم ينفذ منها شئ على أرض الواقع.
فى ظل أحداث كارثية مكثفة ومتلاحقة يفصل بينها فقط أيام يبرز السؤال الذى يفرض نفسه وبقوة الآن ... من يملك محاسبة كل هؤلاء ويحافظ على صورة الإعلام المصرى الذى من المفترض أنه انعكاس لصورتنا عربياً ودولياً؟ ليدفعنا بدوره لإجابة واحدة أصبح لا بديل عنها وهى "قلبة الترابيزة" بعودة وزارة الإعلام يترأسها شخصية قوية تمتلك هيبة وخبرة إعلامية وفكر متطور ليكون هناك ضابطاً لهذا الإعلام الذى تحول إلى ما يشبه "البالوظة" السائحة التى ليس لها "ملكة"!
عملياً وفنياً لا تستطيع أعتى السيارات الفارهة الانطلاق وتجاوز أهدافها طالما هناك تهالكاً فى الـ "مساعدين" والتى لن تستطيع أن تحملها فى إنجاز طريقها إلا أمتاراً قليلة لتتسبب فى "خراب" باقى مكونات السيارة .... هكذا تماماً الدولة التى تتجه بكل توجهاتها للانطلاق بهيئتها الفارهة فتعيقها الـ "مساعدين" المتهالكة والتى آن الأوان لتغييرها بأحدث إصدار يتناسب مع الطريق الوعر حتى لا تتسبب فى انقلاب السيارة بمن فيها!
المشهد الإعلامى الذى أصبح لزجاً يتحرك متلجلجاً كـ "البالوظة" يطلب الآن باستنجاد واستغاثة تصحيح الـ "سكريبت" أو إعادة كتابته من جديد بما يناسب المرحلة وإنقاذه من الغرق بعد انحرافه وانزلاقه فى بئر عميق فى حالة من... "السقوط فى بئر البالوظة"!