يوسف زيدان: الإسلام السياسى فى مصر.. بلا مستقبل
أكد الدكتور يوسف زيدان، الروائى والمتخصص فى التراث العربى والمخطوطات، أنه تنبأ بسقوط الرئيس السابق محمد مرسى، وأدرك أنه لا يصلح للحكم، بعد 3 أشهر من توليه رئاسة الجمهورية، معتبراً أن 30 يونيو كان حدثاً ضرورى الوقوع، وأنه لا مستقبل لتيار الإسلام السياسى فى الوصول إلى الحكم مجدداً فى مصر.
وانتقد المفكر الكبير، صاحب «اللاهوت العربى» و«عزازيل»، التى أثارت جدلاً واسعاً، دستور 2012 ووصفه بأنه «كان تهريجاً»، مطالباً لجنة الخمسين للتعديلات الدستورية، ولجنة العشرة القانونية، بجعل الدستور «إنسانياً»، وتنقيته مما يسمح للحاكم بالاستبداد، كما طالب حزب النور بالعودة إلى مجالس العلم، والبعد عن اللعب السياسى المبتذل، بحسب وصفه.
أجرى الحوار:
■ نبدأ من 30 يونيو.. كيف رأيت هذا الخروج الكبير للمصريين بعد عام واحد من حكم الإخوان؟
- الشواهد كلها كانت تدل على أن الانفجار قد أوشك، وأن 30 يونيو صار حدثاً ضرورى الوقوع، ولا مناص من حدوثه. فقبل أن يعتلى الإخوان، ومن حولهم، سدة الحكم ويستولوا على السلطة ويسعوا لإعادة مجلس الشعب الهزلى الذى كان موجوداً، وأُلغى قبل فوز مرسى بالرئاسة، حذرت من اللعب بالدين فى مجال السياسة، وأن كل جماعة دينية، مهما كانت، تلعب اللعب السياسى فهى تنذر بخطر شديد، لأن من طبيعة الجماعات الدينية أن تحتوى فى ذاتها على بذور انشقاقها، لأن المعيار الذى يقيسون إليه، معيار لا ينضبط، وهو الإيمان الذى يزيد وينقص. والمعيار الآخر لهؤلاء هو مقدار انتماء الواحد منهم لجماعته، وهو أيضاً معيار لا ينضبط. وقد رأينا عبر التاريخ كيف انشقت هذه الجماعات على نفسها وأدت لخراب تام. ورأينا أيضاً ما حدث من خراب فى أفغانستان والعراق والصومال والسودان الذى تفكك، وسوف يزداد تفككا.
وقبل أن يتقدم الإخوان والسلفيون للكراسى السلطوية فى الرئاسة والبرلمان، كنت أحذر من ذلك، ولم أشارك فى المهزلة المسماة الانتخابات الرئاسية، وقاطعت الجولتين الأولى والثانية، وقلت كيف نسمح بإعطاء أصواتنا لمرشحين تقدموا لوظيفة لم يعلن عن حدودها وصلاحياتها بعد، وغير مهتمين بذلك؟ وهذا عندى أمرٌ خطير. فلما انتهى الأمر إلى ما انتهى إليه من منافسة بين شفيق ومرسى، قلتُ مجدداً إن الأول هو امتداد طبيعى جداً لنظام مبارك، والثانى لا يصلح أن يكون رئيساً، لكنه أتى على هون وأصبح الرئيس، فكتبت له مقالاً بعنوان: هل يقع الفرعون الجديد فى ثالوث سقوطه؟ وحذرته من 3 مطبات رئيسية قد تودى به، وتودى بالبلاد، أولاً: ينبغى ألا يغلب الانتماء المذهبى على الالتزام بالواقع المصرى والعربى. وثانيا: ينبغى ألا يفكر بطريقة مركزية وسلطوية لا تناسب العالم الجديد. وثالثا: كان تحذيراً من الوقوع فى خطأ وقع فيه مبارك، وهو احتقار المعارضين له. والعجيب أن مرسى ومن معه فعلوا الثلاثة أمور. فبعد 6 أشهر من حكمه قلت إن هذا الرجل لا يصلح، وبعد 6 أشهر طالبت بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لأن هذا السير المعوج سيؤدى لكوارث تلحق بمصر، والمنطقة كلها، والإخوان أنفسهم.[FirstQuote]
■ قلت إن «مرسى» لم يكن يصلح رئيساً.. لماذا؟
- الحقيقة أننا أخطأنا فى حق مرسى، عندما جعلنا منه رئيساً، وكان الأولى أن نعالجه. فهذا رجل تعرض لصدمة إثر تحوله من مسجون إلى رئيس، وهذه الصدمة تؤدى لحالة «اللا معيارية». ومرسى أصيب بهذه الحالة التى عزلته عن كل الأصوات إلا الهمس الذى يتم فى أذنيه. وبالتالى اندلعت 30 يونيو وخرج المصريون وكان أمراً طبيعياً ومتوقعاً.
■ ما رأيك فى خارطة الطريق التى تم إعلانها فى 3 يوليو لإدارة المرحلة الانتقالية؟ وتوقعك لمستقبلها؟
- لا شك أن خارطة الطريق هى تعبير عن نوايا طيبة، وتصورات تناسب مصر فى المرحلة الحالية، ولكن العبرة ليست بالنوايا ولا التصورات. وحتى الآن، باستثناء بعض مظاهر العنف الذى يجرى من الفريقين.. أنصار مرسى وقامعيهم -وهو أمر متوقع فى مثل هذه الحالات- لا أرى شوائب تعوق خارطة الطريق، لكننى متريثٌ حتى تجلو الأمور، وحتى نستطيع أن نتخذ موقفاً سليماً، إن أصاب أصحاب السلطة حاليا أعناهم بالتأييد، وإذا انحرفوا قومناهم بالقول الناصح وبالمعارضة الشريفة وبإعلان الغضب.[SecondImage]
■ ما تقييمك للفريق السيسى؟
- هذا سؤال شديد العمومية، وبالغ الصعوبة فى الإجابة عنه.. أولاً لأنه مطروح بشكل مجانى فى مصر والبلاد العربية الآن، والناس فيه مختلفون، بين متعصب له ومتعصب ضده. فبالطبع أتباع الإخوان يرونه شيطانا رجيما وأكثرية المصريين يرونه مخلّصاً.
■ لكن ما تقييمك أنت؟
- أنا لا أؤمن بمسألة المُخلّص، وأقول دائما إن المُخلّص لا يخلص، وإنه لو لم تعمل الناس ما يجب عليها فلن يغير من حالها شيئاً.. الفريق السيسى قام بما عليه كقائد للجيش، لأنه رأى أن الجيش أُهين وقُتل جنوده وصار كيانه مهددا، وكان له أن يتحرك وتحرك الرجل بحكمة، فلم يصخب ولم يستعمل لغة زاعقة، بينما كان هادئا وهذا يُحسب له. وانتظر اللحظة المناسبة ليكون ضمن الحزمة المصرية التى تحرك الأحداث ولم يتخذ خطوات أسرع مما يجب، وبالتالى فهو معبر عن صالح الجيش أولا وصالح مصر ثانيا.. لا سيما أن صالح الجيش وصالح مصر صار شيئا واحدا فى مواجهة الإخوان، وأن لو كان الرئيس مرسى استمر شهورا لأصبحنا نتساءل عن هوية مصر ذاتها، ولو أكمل مدته فى تقديرى، لكانت مصر قد انتهت لعشرات من السنين. فبالتالى كان هذا التحرك ضروريا، فقد أزرى حكم الإخوان بالبلاد وأهلها، ومدوا أعينهم إلى بلاد أخرى، لتحقيق هذا الحلم الخرافى المسمى الخلافة الإسلامية، وهو وهم من فوقه وهم من تحته، واستعادة منقوصة لماض بعيد لا يمكن أن يتكرر، وتخليق لمصطلح الحاكم الذى ارتبط قديما بوصف خليفة، ولكن الخلافة ليست شرطا للحكم. كما قال دكتور على عبدالرازق، فى كتابه «الإسلام وأصول الحكم». فليست الخلافة شرطا لإقامة المجتمع الإسلامى، لكن الضحك على العوام من الناس بالدين وإيحاء الخلافة ماهو إلا إسفاف سياسى.[SecondQuote]
■ ما تقييمك لأداء الحكومة الآن؟
- طبعا الأحداث التى تجرى لها تأثير على أداء الحكومة. وهذه الحكومة لم تقض بعد عدة أسابيع، فمن المبكر جدا أن نطلق عليها أحكاما بالسلب أو الإيجاب. لكن كانت ملاحظتى الوحيدة التى كتبتها يوم تشكيل الحكومة، أنه أيا ما كان من وصفها بالحكومة الجديدة، فهناك صفة لا يمكن أن إطلاقها عليها وهى حكومة ثورية. لكن ربما كانت هذه هى المناسبة لفترة القمع التى تجرى حاليا. وبشكل عام علينا أن ننتظر شهرين على الأقل حتى نستطيع أن نرصد التوجهات العامة، ونفرق بين المسار العام للحكومة الحالية وبين التفاصيل الكثيرة التى قد نزل فيها لو حكمنا عليها الآن.[ThirdImage]
■ كيف تقيّم استقالة الدكتور البرادعى من منصبه كنائب للرئيس إثر فض اعتصامى رابعة والنهضة؟
- الدكتور محمد البرادعى، فيما أرى وكما قلت سابقا، هو شخصية محترمة بشكل عام، لكننى لم أُصدم فيه عندما ترك منصبه وغادر مصر. ولو راجعت مواقفى ستجدنى قبل ثورة يناير، قلت فى ندوة إن البرادعى يتاجر بالأمل المصرى ولا يبذل من الجهد بقدر ما يسعى للاتجار بالأمل. وقد أغضب كلامى هذا بعض الأصدقاء، وكتبوا مقالات ضد رأيى هذا، وغضضت عنها الطرف، ولم أتوقف عندها كثيرا، لعل الأيام تثبت ما قلت أو تثبت أننى مخطئ، فنحن نستشرف المستقبل ونتفهم الواقع ونعطى رأيا. عندما تولى البرادعى منصب نائب الرئيس أسعدنى ذلك، ورأيته رجلا مناسبا، لكن عندما حذر أنه إذا تم فض اعتصام رابعة سوف يستقيل انتابنى قلق شديد من كلامه هذا، لأنه لم يطرح بديلا، ما كان لمثل هذا الاعتصام أن يستمر إلى يوم القيامة أو رجوع «مرسى»، فرجوع مرسى أمر يشبه انتظار يوم القيامة، لأنهم جماعة قامت قيامتهم وانتهى أمرهم ولا مجال لرجوعهم لحكم مصر بأى حال من الأحوال.. وموقف البرادعى وجدته غريبا جدا، فما الحل إذن وأنت نائب الرئيس؟ هل نترك الحال يتدهور وتتعطل المصالح العامة وينهار قطاع السياحة؟ فهو لا يطرح بديلا، لكنه قال ما يراه هو من زوايته كمتاجر بالأمل.. فلما فُض الاعتصام تخلى عن الأمر، فحزنت لكننى لم أصدم، ورأيت فيما فعله شيئا يشبه الفرار من الزحف، وإن كان يظل رجلاً محترماً، لكنه غير محارب، ولا مستعد لقتال، وخلص بنفسه وترك من خلفه البلاد وأهله، وهذا عندى فى المجال السياسى من الكبائر.
■ من المفترض أن تنتهى المرحلة الانتقالية الحالية بانتخابات رئاسية مبكرة.. ما الصفات التى يجب توافرها فى الرئيس القادم لمصر؟
- أن يكون حكيماً، وعاقلاً، وغير مندفع، وألا يكون موالياً للجيش إلا فى حدود المسموح به والصالح العام.
■ هل ترفض رئيساً من خلفية عسكرية؟
- أرفض أن يكون منحازاً للمؤسسة العسكرية، بصرف النظر إن كان من خلفية عسكرية أم لا.
■ ولكن كل رئيس عسكرى، بالتأكيد سيكون منحازاً لمؤسسته؟
- لا، ليس شرطا، فمبارك كان من خلفية عسكرية، لكنه لم يكن منحازاً للجيش إلا من ناحية الشكل، وإلا ما فكر فى التوريث، لأن التوريث ضد العقيدة العسكرية، وغاب عنه هذا، وهو رجل عسكرى. ولا أدرى حتى الآن كيف كان هذا الرجل يفكر؟ كيف كان الجيش سيقبل بجمال مبارك رئيساً للجمهورية، وقائداً أعلى للقوات المسلحة!
■ الجيش قبل بـ«مرسى والإخوان»، فهل كان سيرفض ابن الرئيس الذى حكم 30 عاماً؟
- الجيش قبل «مرسى» على مضض، ولم يطل صبره عليه. وهم محقون فى هذا بالمناسبة.
■ وهل معنى ذلك أن صبر الجيش قد لا يطول على رئيس مدنى جديد؟
- الجيش المصرى مؤسسة وطنية، ولا يجب النظر إليه باعتباره كياناً منفصلاً عن المصريين، أو مستقلاً.. ولكن قادة الجيش الكبار تكون لديهم رؤية لما فيه صالح الجيش وصالح البلاد. فإذا كان ذلك فى حدود المسموح به، فلا بأس. أما إذا كان صالحهم كقادة أهم عندهم من صالح بقية المصريين فهذا لا يمكن السكوت عليه، وبالطبع سنعود للمعارضة لو حدث ذلك، مثلما كنت أعارض المجلس العسكرى أيام حكمه وأندد بممارساته، لا سيما أن الوضع يزداد خطراً بوجود بعض الرقعاء الذين يتنادون كذباً وزوراً لكل الحكام، فإذا جاء حاكم عسكرى مجدوا فى الشخصية العسكرية، وإذا كان إخوانياً أعلنوا أنهم أبناء المشروع الإسلامى، وأنهم كانوا مع الإخوان وساندوهم. وهؤلاء يؤثرون سلباً على البلاد ومستقبلها.
■ نعود لاستكمال المواصفات التى يجب توافرها فى الرئيس القادم المنتخب؟
- أن يكون مثقفاً ومتعلماً تعليماً جيداً، فهذا شرط أساسى، لأن مجتمعنا يعانى من الجهل الشديد، ولن يستطيع شخص لم يتعلم تعليما جيدا، مثلما كان الحال مع د. مرسى، الذى أقام فى أمريكا 10 سنوات، فلم يجد حتى تعلم اللغة الإنجليزية، وكأنه لم يذهب هناك، ولم يأت من هناك، فهو ليس هنا. لكنى لا أريد أن أعرض به، لأنه انتهى زمنه وانطوت صفحته، وتلك أمة قد خلت. لكن أتخذه مثالاً، فهو لم يكن أستاذاً جامعياً مرموقاً ولم يبدع فى شىء.
■ على ذكر صفات الرئيس القادم.. ما تقييمك للمستشار عدلى منصور، الرئيس المؤقت للبلاد؟
- رجل قاض كبير، وهادئ، ومحترم، ويليق بكونه رئيسا مؤقتا.[ThirdQuote]
■ بعيداً عن المرحلة الانتقالية.. ما قراءتك لمستقبل جماعات الإسلام السياسى فى مصر بعد فشل أول تجربة حكم للإخوان؟
- لا مستقبل للإسلام السياسى فى مصر، على المدى المنظور. قد تكون هناك عمليات عنف، أو تجمعات دينية ذات طابع سياسى جديدة، أو بعض الهرج الفقهى بالفتاوى المؤثرة على الناس.. ولكن كمستقبل لسلطة سياسية ممسوحة بطابع دينى، إسلامى أو مسيحى، فلا أرى. والوعى السياسى العام للمصريين تطور خلال السنتين الماضيتين بأكثر مما تطور خلال 30 عاماً مضت، ولا أظن أن المصريين من السذاجة بحيث يكررون هذه التجربة مرة ثانية.
■ كيف يمكن للدولة أن تتعامل مع قواعد الإسلام السياسى الموجودة بالمجتمع وإنجاز ملف المصالحة، بعيداً عن المواجهات الأمنية ضد من يحملون السلاح؟
- كلمة المصالحة هذه، كلمة مطاطة وواسعة الدلالة، وقد استهلكت كثيراً، حتى كادت تسير إلى غير معنى. وهذا ليس دور الدولة فحسب، إنما هو دور المثقفين وأساتذة الجامعات المخلصين لمكانتهم وليس المتاجرين بها، وهذا أيضاً دور للإعلام لكنه لا يقوم به، سواء الإعلام القومى أو الخاص.
فالإخوان حسب ما أرى، ليسوا طيفاً واحداً، فهناك الكبار الذين أسميهم الكهنة، وصاروا الآن مسجونين، وهناك العوام من الإخوان القرويين والمدنيين، وهؤلاء فى العادة بسطاء، حتى لو كانوا من خريجى كليات الطب والهندسة. ويجب دمجهم فى المجتمع المصرى والتعايش معهم.
■ هل يستطيع حزب النور أن يلعب دور البديل للإخوان؟
- النزوع إلى السلطة سمة عامة فى البشر، إلا القلة القليلة، وأعضاء حزب النور بشر، فلا غرابة فى أن يسعوا للسلطة، لكن فيما يتعلق بحزب النور على وجه الخصوص، وأبيه الروحى الدكتور محمد إسماعيل المقدم، أرى أنهم أجلّ من أن يزجوا بأنفسهم فى المجال السياسى، فلديهم دور أساسى فى حفظ علوم الدين، لا سيما العلوم الرئيسية من الحديث والتفسير. وعلى حزب النور أن يقوم بالمهمة الأساسية له وهى العلم الدينى وليس اللعب السياسى، وفرصهم ضعيفة على كل حال سياسياً، ولا أظن أن الجمهور العام المصرى سيتقبل برحابة مشاركتهم السياسية، سواء لجأوا للشرق أو الغرب بعد كل ما جرى، وعليهم العودة للدعوة ومجالس العلم بعيداً عن الصخب السياسى المبتذل.
■ ولكن على المستوى الدينى، ألا يكون ذلك افتئاتا على دور الأزهر؟
- فى ذلك فليتنافس المتنافسون. والزيادةُ فى الخير خيرٌ. وإذا كان هناك خلاف، فذلك فيما ينفع ولا يضر، لأن الاختلاف الفقهى يرحم الناس، حيث يفتح أمامهم أكثر من سبيل.
■ البعض يرى أن نمو جماعات الإسلام السياسى ووصولهم للحكم فى مصر، وبعض الدول العربية جزء من مخطط أمريكى غربى.. ما رأيك؟
- نحن نميل للتفسير المؤامراتى عندما تنقص الأدلة، وعندما تصير الصورة مبهمة، والوقائع غير واضحة. أما إذا كان الأمر واضحاً ولا لبس فيه، فما معنى السير وراء نظرية المؤامرة. فبالطبع الغرب له مصالح، وكثيرٌ منها يضر ويخالف مصالحنا، ومن الطبيعى أن يعمل من أجل مصالحه هو، ولكن هذا سبب ثالث ورابع، ولدينا أسباب أولية أهم وأوضح وراء نمو الإسلام السياسى. أول هذه الأسباب هو الإهمال الشديد للريف والمناطق العشوائية وانحياز برامج التنمية الحكومية، طيلة الأربعين عاماً الماضية، للمدن، جعل هناك بطبيعة الحال مناطق صالحة لتفريخ الفكر المتطرف، ومنبعا لكل عابث بالعقول.. هذا سبب واضح، وعلينا علاجه بطريقة رشيدة.
علينا أن نمسك بزمام بلادنا بصرامة وحكمة، فالثورة التى تجرى منذ عامين ونصف، تخرج من الناس أسوأ وأفضل ما فيهم، وهذا السيئ الذى استعلن لا بد من الحزم فى مواجهته، وهذا الجيد لا بد من العناية به وتطويره. ثم نبحث من بعد ذلك عن الأيادى الخفية والأصابع الخارجية، وكل هذه التعبيرات المجانية التى يلجأ لها الناس عندما لا يجيدون حججاً جيدة.
■ هل غياب الديمقراطية أيضاً عن عالمنا العربى كان سبباً فى نمو تلك الجماعات؟
- طبعاً، ولكن للديمقراطية داءٌ ودواء، داؤها أنها تعطى للناس غير المتساوين حقاً متساوياً، ودواء الديمقراطية أن تكون الديمقراطية النيابية بديلة عن الديمقراطية المباشرة، التى كانت موجودة فى دولة أثينا القديمة، وأدت لقتل سقراط، ثم تطور الفكر السياسى الديمقراطى وأصبح نيابياً، بمعنى اختيار النائب المؤهل الذى ينوب عن الجماعة ويمثلها.
■ هل تؤيد إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً أم البرلمانية؟
- يجب إجراء انتخابات مجلس الشعب أولاً بالطبع، أو على الأقل فى نفس توقيت إجراء انتخابات الرئاسة إن أمكن. حتى نضمن تمثيلاً جيداً ومقبولاً للناس فى مصر، ثم بعد هؤلاء، أو معهم يكون الرئيس. ولكن البدء بالانتخابات الرئاسية سوف يكون مضراً.
■ هل تؤيد نظام انتخابات قائمة، أم فردى؟
- أنا لا أحب الدخول فى مثل هذه التفاصيل. والتطبيقات السياسية يجب فيها أن تتم مراعاة الثقافة المجتمعية والسكانية والاختلافات من محافظة لأخرى، وطبيعة المرحلة السياسية وظروفها والمناخ العام.
■ ننتقل إلى القضية الأهم وهى الدستور.. بدايةً ما رأيك فى تشكيل لجنة الخمسين؟
- لا بأس بتشكيل اللجنة، وإن كنت أتمنى أن يكون بها عدد أكبر من الكتاب والمفكرين، وليكن النصف حتى. لأنه لا معنى لتمثيل مباشر لجماعة محلية داخل المجتمع، فقد يكون هذا المفكر أو العالم النابه أكثر تمثيلاً لكل الناس. ولكن بشكل عام أرانى متقبلاً للإجراءات التى تمت حتى الآن من لجنتى العشرة، والخمسين، وهؤلاء عندى ليسوا متهمين فى وطنيتهم، وعلينا أن نكف عن الأحكام المباشرة على الأشخاص، لأن هذا مراهقة فكرية وسياسية، ولا تؤدى لخير.
■ ما الكلمة أو النصيحة التى توجهها لأعضاء لجنة الخمسين؟
- لا.. ليس هذا من واجبى ولا دورى.
■ ما رأيك فى المادة 219.. وتمسك حزب النور بها؟
- على حزب النور العودة للدعوة ومجالس العلم، كما قلت قبل قليل، والكف عن هذا اللعب.
■ هل تؤيد إلغاء هذه المادة؟
- أعتقد أن وجهة نظرى أصبحت واضحة.
■ ما شكل الدستور الجديد الذى تريد أن تراه؟
- أن يكون إنسانياً، ولا يسمح لحاكم أن يستبد، وكل ما عدا هذين الأمرين يمكن علاجه. يجب أن يحافظ الدستور على الحقوق الأساسية للناس، وينظر إليهم باعتبارهم بشراً لا أتباعاً.
■ وكيف رأيت دستور 2012، الذى يتم تعديله؟
- تهريج. وكل ما أتمناه هو تجاوز نقطة الدستور سريعاً، لأن أمامنا عملا كثيرا وطريقا طويلا وشاقا، هذه العبارة كتبتها يوم تنحى مبارك، ويوم أُسقط مرسى.
■ بعيداً عن الدستور.. البعض يتهمك بأنك كنت مقرباً من السيدة سوزان، حرم الرئيس المخلوع حسنى مبارك؟
- لا، إطلاقاً.. أنا كنت ولا زلت بعيداً تماماً عن أصحاب السلطة، وسوزان مبارك لم ألتق بها إلا ثلاث مرات محددة، فى ثلاث مناسبات محددة: مرة كنت أقيم جناحاً للثقافة العربية فى فرانكفورت، وكنت منهمكا فى عملى، فجاءت وقالت لى: أنت رافع رأسى فى العالم. ومرة ثانية جاءت هى والملكة صوفيا إلى متحف المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، والمرة الثالثة فى مكتبة الإسكندرية أيضاً وقالت إنه بعد دورى فى مكتبة الإسكندرية يجب أن ألتفت لدار الكتب المصرية، ونادت على وزير الثقافة فاروق حسنى، ونبهت عليه هذا الأمر، وبعد شهرين عرض علىَّ منصب رئيس هيئة الكتاب، بدرجة نائب وزير، لكنى اعتذرت عن ذلك.
وسوزان مبارك لها ما لها، وعليها ما عليها، فهى قامت بدور فى مكتبة الأسرة، وتطوير المكتبات عموماً، ومنها مكتبة الإسكندرية، وهذا يُحمد لها. لكنها سعت لتوريث الحكم لابنها وهذا مما لا يُحمد لها.
■ من 25 يناير إلى 30 يونيو.. كيف تقيّم عملية التغيير فى مصر؟ وهل ترى أننا نسير فى الطريق الصحيح؟
- هناك حالة ثورية واحدة تعيشها مصر، ربما من بدايات الألفية الحالية، ولكن الثورة تم استعلانها فى 25 يناير 2011، وهى لها ولا تزال موجات ثورية مستمرة تعلو وتهبط، وليس هناك ثورتان كما يرى البعض.
ونجاح التغيير فى مصر، من عدمه، وارد، فكلا الأمرين مرهون بوعى الجماعة الوطنية. فأنا أرى دوماً أن الوعى وقود الثورة، وأى ثورة بدون وعى عميق، تصبح خطاً عشوائياً فى فراغ، ولذلك كان آخر كتبى صدوراً هو كتاب فقه الثورة، الذى أقوم فيه بعملية فهم وتعقل للفعل الثورى، كى يكون رشيداً.