شهر رمضان مميز وذو مكانة خاصة عن باقى شهور السنة الهجرية، لأنه شهر الصوم، أحد أركان الدين الإسلامى. صوم عن الشراب والطعام من الفجر وحتى غروب الشمس، مع الابتعاد عن أى محرمات.. ولا يمكن لشهر رمضان أن يؤدى رسالته الروحانية بعد أن تم تفريغه من مضمونه مع تغيره من شهر «الحسنات» إلى شهر «الحسناوات»، وتحولت الابتهالات والدعوات إلى إعلانات وإعانات، واهتممنا فيه بـ«الترويح» أكثر من «التراويح»، وحتى هذا الترويح فقد بريقه بعد أن انقرضت مهنة الحكواتى من عشرات السنين، واندثرت فوازير رمضان منذ سنوات.. رمضان الآن شهر للأكل وليس للصيام، وللمتع وليس للزهد، وللكسل وليس للعمل، فالشهر الذى حقق فيه المسلمون أسمى وأعز انتصاراتهم عبر التاريخ، لن تتمكن فيه مثلاً من تحقيق أى تقدم سهل فى أى مصلحة حكومية تريد منها أى شىء من أى نوع.
الأصل أن شهر رمضان المعظم يحمل لنا دوماً رسالة تذكير بأصولنا وتراثنا، ومع ذلك فنحن لا نهتم.. بداية، رمضان شهر عربى أصيل، ومع ذلك أصبحنا نذكره مشفوعاً بالعام الميلادى! فنقول مثلاً: رمضان 2018!
رمضان به أيضاً لمحة فرعونية، فالجملة الشهيرة: «وحوى يا وحوى إياحه» تم تداولها لأول مرة فى عهد الدولة الوسطى الفرعونية، حين قرر «أحمس»، بدافع من والدته «إياحه» (واسمها الأصلى إياح حتب، ومعناه قمر الزمان)، أن يقود التمرد ضد «الهكسوس»، وعندما انتصر عليهم، زحف الشعب إلى القصر هاتفاً: «وحوى يا وحوى إياحة»، ومعناها (افرحى افرحى يا قمر الزمان)، ومن يومها أصبحت هذه الصيحة هى المعتمدة لاستقبال قمر الشهر الجديد، ثم تم تخصيصها لرمضان فحسب.
اللمحة الفلكلورية الإسلامية فى رمضان تتجلى فى «المسحراتى»، فقد كان «بلال بن رباح»، بمثابة المسحراتى الأول، وقال عنه الرسول (ص): «إن بلالاً ينادى بالليل، فكلوا واشربوا حتى ينادى ابن أم مكتوم». والأخير هو من كان يرفع أذان الفجر (وهو بالمناسبة من نزلت فيه سورة عبس).. المسحراتى الآن فقد بريقه وأوشك على الانقراض، ومن العادى بعد سيطرة التكنولوجيا وإنارة الشوارع وتغير أنماط السلوك الاجتماعى أن يقوم الصبية بإيقاظ المسحراتى نفسه من نومه!
يعيدنا رمضان لسحر العهد الفاطمى وغموضه، حيث بقيت لنا منه مظاهر كالكنافة والقطائف (وقد أصبح سعراهما أغلى من سعر الذهب فى العصر الفاطمى)، وكذلك الفانوس (الذى تم تشويهه، حتى إن أى تمثال يغنى يسمونه فانوساً!).. والحمدلله بقى لنا حتى الآن مدفع رمضان من العصر المملوكى.
أهم رسائل رمضان هى تلك الرسائل الروحانية المتعلقة بتذكر الآخر والاهتمام به، وهى غائبة على المستوى الإجرائى، فنحن بشكل عام رواد فى عمليات الشحن والتفريغ، شحن الناس ضد بعضها، وتفريغ الأشياء من مضمونها.. كل عام والوطن بخير وسلام.