فى العيد الخامس لثورة ٣٠ يونيو اجتهدنا جميعاً لنعرف ما الذى أنجزته «٣٠ يونيو».. ومن وجهة نظرى المتواضعة، فإن لثورة «٣٠ يونيو» إنجازين رئيسيين.
أولهما أنها غيرت شكل الحياة فى المنطقة العربية وأوقفت مخططاً كان مرسوماً لها.. وأن تداعياتها امتدت لتؤثر على الأوضاع فى سوريا وليبيا وربما الخليج العربى ذاته.
وثانى هذه التأثيرات هو أنها حفظت الدولة المصرية وحافظت على ثوابت الأمن القومى المصرى من الضياع والانهيار.. وقد شمل هذا، فيما شمل، رفع كفاءة الاقتصاد المصرى.. والمشاريع القومية الطموحة وإعادة ثقة المصريين فى مؤسسات دولتهم.. لكن هذا فى الحقيقة ليس كل شىء.. إذ إننى أعتقد أن هناك مهام عديدة يجب على ثورة يونيو أن تتصدى لها فيما هو قادم حتى تكون بحق ثورة المصريين.. وفى ظنى أن من أهم هذه المهام هو إعادة بناء الشخصية المصرية، ذلك أن هذه الشخصية تعرضت خلال الأربعة عقود الماضية لتأثيرات سلبية عديدة.. كان بعضها ناتجاً عن التغييرات الاقتصادية الحادة التى قادت إلى الاستهلاك وليس إلى الإنتاج، وكان بعضها الآخر ناتجاً عن سفر ملايين المصريين إلى مجتمعات الخليج العربى، وهى مجتمعات غير إنتاجية تفهم الدين والحياة فهماً معيناً يخالف فهم الفلاحين المصريين له على مدى آلاف السنين، ومن أكثر التأثيرات السلبية الخليجية على الشخصية المصرية هو ذلك النزوع نحو الاستهلاك.. وعدم الإنتاج، وانتظار العائد دون تعب أو على الأقل دون رغبة فى الإبداع، والتدين الشكلى، والطقوسى والذى يميل إلى التشدد وفق مذهب واحد هو أكثر المذاهب الإسلامية تشدداً وتأثراً بالحياة فى الصحراء.. إلى غير ذلك مما سبق لنا ولغيرنا الكتابة فيه.. لكن الحقيقة أن كل ما سبق ذكره مرتبط أشد الارتباط بما تشهده مصر حالياً.. فالتدين الشكلى هو الذى يدفع الناس إلى تجاهل قيم، مثل الإتقان، والأمانة، والتفانى فى العمل.. مكتفين بأداء طقوس شكلية يعتقدون أنها من صحيح الدين، والفهم المتشدد الأقرب إلى الإرهاب هو الذى يجعل الكثيرين يعتقدون أن علاقتنا بالآخر هى علاقة صراع وليس منافسة، وفى الحالة الأولى مطلوب منا إفناء الآخر والقضاء عليه، أما فى الحالة الثانية، فالمطلوب هو أن نقدم للعالم منتجات ننافس بها غيرنا، ويكسب صاحب المنتج الأفضل فى النهاية.
نفس النظرة المتشددة هى التى يمكن أن تشكل قنبلة موقوتة فى نظرة المصريين المسلمين إلى المصريين الأقباط.. وممارسات السلفيين، ومن لف لفّهم تجاه الأقباط، وهى معروفة ومن شأنها أن تعطل تطور هذا المجتمع.
أما العادات الاستهلاكية، والولع بالبضائع المستوردة، وعبادة (البراند)، وإهمال الجمال.. فهى كلها باتت عيوباً شائعة ارتفعت نسبة الوعى بها بين المصريين، وإن لم يتم القضاء عليها.. إننى أطلب من الرئيس عبدالفتاح السيسى فى بداية العام السادس لثورة يونيو أن يعلن أن إعادة بناء الشخصية المصرية هو أحد أهدافها الرئيسية التى سنعمل عليها جاهدين.. ذلك أن هذا هو الطريق لأى إصلاح اقتصادى أو نهضة سياسية.. والله من وراء القصد.