للسياسى البارز «فتحى رضوان» مقالان يؤكد فيهما ندم «حسن البنا» على المسار الذى خاض فيه بالإخوان، الأول لم أطلع عليه، ولكن أشار إليه عضو الهيئة التأسيسية للإخوان المرحوم «محمود عبدالحليم» فى كتابه: «الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ»، كما نقله «عصام تليمة»، والثانى نشره رضوان بجريدة الجمهورية فى 19 فبراير 1976، العدد 8090، ص4، بعنوان: «قبل أن يغتالوا البنا»، قال فيه: «مضت الأيام حتى وضعت الحرب أوزارها، ونجح الملك فاروق فى إسقاط وزارة النحاس، إلى أن يقول: دعانى الأستاذ المرشد ليتحدث فى أمر جريدة الإخوان، ولم يكن هذا الحديث خاتمة أحاديثنا إذ وصلت الأمور إلى الحد الذى على الأستاذ المرشد أن يتخذ قراراً فى مستقبل الإخوان، فقد ساهمت «الإخوان» فى الشئون السياسية بقدر كبير، وكانت هذه الرغبة تؤرق الأستاذ المرشد، لأنه كان يرى هذه المساهمة فرضاً وطنياً على الجماعة إلا أن المساهمة بصورتها الحالية قد تحجب الأصل الذى قامت عليه الإخوان، وهو كونها جماعة دعوة وإرشاد، وتهذيب للنفوس، ورد الناس إلى دينهم، واستلهامه فى شئون دنياهم وآخرتهم، ولا يغير من الأمر أن يكون الإسلام ديناً ودولة، فرسالة الإخوان الأولى هى تقويم الجانب الدينى من حياة المصريين أولاً، والمسلمين عامة ثانياً، والاستغراق فى العمل السياسى وما يجره من معارك، لا شك صارف للجماعة ولو إلى حين عن كفاحها الذى نصبت نفسها له أولاً، لهذا كله قال (لى) الأستاذ البنا: إنه فكر طويلاً ليخرج من هذا المأزق، فرأى أن أفضل الحلول هو أن يرفع عن شـُـعب الإخوان المسلمين فى كل مكان اسم الجماعة، ويضع عليه اسم الحزب الوطنى، وأن يخيَّر الإخوان بين أن يبقوا فى الجماعة للنشاط الدينى البحت، أو أن ينقلوا نشاطهم إلى الحزب الوطنى.. قال البنا ضاحكاً: فيبقى معى الدراويش، أما الذين لهم طموح سياسى، ولهم قدرة على تحقيقه، ورغبة فى مكابدته، فالحزب الوطنى خير ميدان لهم».
يعلق «تليمة» على كلام رضوان قائلاً: «هذه شهادة فتحى رضوان نقلها عن البنا، والبنا بذلك يميز بين الإخوان الدعاة، وبين السياسيين منهم، وهى مراجعة مهمة وتاريخية، أعتقد أن من قاموا بتأسيس حزب الحرية والعدالة والقسم السياسى فى الجماعة لا علم لهم بتفاصيل هذه التجربة».
أخيراً فإن الدكتور «بشير الشقفة» نقل عن العالم السورى «محمد الحامد» أنه لقى البنا قبل استشهاده بشهر، وقال له: «يا شيخ محمد لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لما أقحمت الجماعة فى السياسة، ولو قلت لى ماذا تتمنى، لقلت: أن أعكف فى قرية على تعليم الصغار أحكام الدين، وتأليف سلسلة من الكتب أسميها: الإسلام كما فهمته»، انظر للتوثيق: جريدة المصرى اليوم، 30 سبتمبر 2009م.
والحاصل أن البنا أسس جماعته وهو فاقد للعلم والخبرة ومؤهلات صناعة رؤية جديدة، وليس له إلا الحماس الطائش المندفع الذى يغلى فى عروقه، مع افتقاده أدوات فهم الشرع، والتباس الواقع فى ذهنه، وهذا دفعه إلى اقتراح إجراءات عاجلة يخدم بها الإسلام، ثم تبين له فى نهاية حياته أنها خطوات غير مدروسة، وغير واعية، وغير متقنة، وغير دقيقة، وغير مؤصلة، وغير جارية على سنن الدين ومسالكه ومقاصده، فما كان منه إلا أنه ندم على هذا المسار، والعجيب أن الجماعة حتى الآن لا تضع اعتباراً لندم البنا وتسير على طريق ندم هو عليه فى آخر حياته.