فجأة اختفى تماماً كلام كثير من المسئولين الحكوميين عن وثيقة أمان التى وجه الرئيس السيسى قبل أقل من عام باستحداثها كوسيلة تضمن الحد الأدنى من الأمان للعمالة غير المنتظمة، تلك الفئة التى تعانى تهميشاً اجتماعياً وصحياً، وتمضى فى الحياة بلا سند يعين أياً من أفرادها فى مواجهة أية تطورات قد تمنعهم من ممارسة مهنهم بشكل جزئى أو كلى.
آخر تصريحات صحفية صدرت عن إجمالى الأعداد التى تم تحريرها من وثيقة أمان بكافة البنوك المصرية تؤكد بلوغها 370 ألف وثيقة، بحسب تصريح منسوب لنائب رئيس البنك الأهلى نشر بالصحف والمواقع الإخبارية فى منتصف شهر أبريل الماضى.
أيضاً آخر تناول للبرامج التليفزيونية لوثيقة أمان جرى منذ عدة أشهر، حيث عرضت بعض البرامج الحوارية على بعض الشاشات حالة عدد ضئيل من الأسر استفادت من الغطاء المادى الذى توفره الوثيقة فى مواجهة طوارئ ألمت بأصحابها.
منذ نشر هذه الأخبار والتغطيات القليلة حول وثيقة أمان توقفت وبلا أدنى مناسبة تصريحات المسئولين المعنيين عن المضى فى توسيع دائرة إصدار المزيد من هذه الوثيقة بفئاتها المختلفة، خاصة أن إحصاءات رسمية تشير إلى أن أعداد العمالة غير المنتظمة فى مصر تتجاوز العشرة ملايين عامل، بخلاف أسرهم.
الحقيقة لا أتقبل فكرة تراجع الجهود الساعية لتوسيع مظلة المستفيدين من هذه الوثيقة، وكنت أتمنى على الجهات المعنية فى كل الوزارات أن تستهدف تحرير ما لا يقل عن خمسة ملايين وثيقة، إن لم يكن أكثر، بما يوفر غطاء مالياً ليس بالقليل يسهم فى تطوير الخدمة التى يمكن أن تقدم لفئة العمالة غير المنتظمة، ليس لصرف المعاشات الشهرية أو التعويضات فى حالة الوفاة، ولكنى كنت أطمح إلى أن يتم تطوير فكرة الرعاية لهذه الفئة لتشمل الرعاية الصحية على سبيل المثال وهو طموح ليس بعيد المنال، إذا ما نجحنا فى تحرير عدة ملايين وثيقة تتيح عائداً مادياً معقولاً يتيح عوائد يمكن توجيه جانب منها لنفقات غطاء صحى لهذه الفئة، إلى جانب التعويض المادى المنصوص عليه فى الوثيقة، وربما تحتاج فكرة توسيع نطاق الاستفادة من عوائد تحرير الوثائق إلى دراسات متعمقة من خبراء ومصرفيين ومتخصصين، ما يعود بالنفع على فئة مهمشة تحتاج لأوجه رعاية كثيرة.
أنوه إلى أن إثارتى لهذا الموضوع ليس هدفها التقليل من الجهود التى بذلت من كثير من المعنيين فى جهات متعددة، ولكن طموحى وأملى كبير فى أن نضاعف رقم الوثائق التى تم تحريرها والتى لم تتجاوز أربعمائة ألف وثيقة.. أملى أن نصل إلى خمسة ملايين وثيقة على أقل تقدير.
الأمر يحتاج إلى البحث عن سبل غير تقليدية، لا تشكل أعباء على المستفيدين من هذه الوثائق، على الأقل فى المراحل الأولى، وأظن أن أجهزة كثيرة أهلية أو حكومية يمكن أن تكون عوامل مساعدة وفاعلة فى تحقيق انطلاقة قوية لهذا المشروع، وأظن أيضاً أننا لو نجحنا فى تحقيق انطلاقة قوية ومؤثرة ونتائج ملموسة، ربما ستدفع الملايين من أرباب المهن غير المنتظمة بعدما يلمسون أو يتابعون الفوائد المتعددة التى سوف يوفرها المشروع، إلى الإسراع بتحرير وثائق توفر لهم غطاء صحياً أو مالياً وغيره، ويضاعف مشاعر الانتماء والثقة فى أن الحكومة والجهات الأهلية المعنية على حد سواء، تهتم بهم وترعاهم، ليس بكلمات أو شعارات، ولكن بأنواع متعددة من الرعاية والاهتمام.
العمالة غير المنتظمة فئة عريضة تحتاج إلى رعاية واهتمام، قد يكون من الصعب تحقيقها ولكنها ليست مستحيلة.